العدسة – منصور عطية

أزمة غير مسبوقة يعيشها الأردن، بفعل قرارات اقتصادية طاحنة أثقلت كاهل المواطنين وأجّجت موجات من الاحتجاج، أسفرت عن تدخل من قبل الملك عبدالله الثاني دعا فيه الحكومة إلى تجنيب البسطاء الآثار السلبية لتلك القرارات.

لكن الأزمة انعكست على عالم السياسة في البلد الذي يتمتع بحياة سياسية معقولة ومجتمع مدني قوي وقوى وأحزاب فاعلة ذات جماهيرية وشعبية تستطيع معها تحريك الشارع.

أزمة اقتصادية خانقة

بدأت الأزمة في يناير الماضي، عندما قررت حكومة هاني الملقي رفع الضرائب الكبير على 164 سلعة منها سلع أساسية، فمثلا سعر الخبز ارتفع بأكثر من 10 % بعد أن ألغت الحكومة الدعم الحكومي عنه بالكلية، والمواصلات بحوالي 9 %، والتبغ والسجائر بأكثر من 20 %، بينما بقيت رواتب موظفي الدولة والقطاع الخاص على حالها.

وبلغ الدين العام للحكومة 40 مليار دولار، تشكل حوالي 95 % من الناتج الإجمالي المحلي مقابل 71 % عام 2011، ويتوقع أن يبلغ العجز في الميزانية هذه السنة أكثر من مليار دولار، وهناك من يقولون إنه سيقفز إلى 1.7 مليار، فيما يقترب معدل البطالة الرسمية من 18 %.

وكما كان الحال في مصر، فإن السبب الرسمي المعلن للإقدام على هذه الإجراءات كان الخلافات المندلعة بين الأردن وصندوق الدولي على خلفية تأخر الحكومة في تنفيذ التزاماتها بزيادة الإيرادات من خلال رفع الضرائب وإلغاء الدعم.

تلك الأزمة طغت على الوضع العام في المملكة الهاشمية بعد بضع سنوات من النمو الذي خلق الشعور بأن المملكة خرجت بسلام من التقلبات في المنطقة الناتجة عن ثورات الربيع العربي.

إلا أن صادرات عمّان تأثرت كثيرا، مثلا لدرجة أن تصل 80 شاحنة فقط إلى الحدود العراقية مقابل 600 شاحنة كانت تصل قبل سيطرة داعش على أجزاء من العراق، ولم يتحسن الوضع بعد رغم هزيمة التنظيم.

ومن العوامل التي أثرت كثيرا في تفاقم الأزمة عدم تجديد السعودية ودول الخليج المساعدة التي تبلغ 3.6 مليار دولار لخمس سنوات، انتهت في 2017.

الغضب العام على الغلاء والظروف المعيشية الصعبة عامل محرك يهدد عدة أنظمة في الشرق الأوسط، ولا توجد أي ضمانة بأنه لن ينفجر أيضا في الأردن، الأمر الذي دفع الملك عبدالله للتدخل بشكل شخصي.

تدخل العاهل الأردني كان على مرتين، أولهما خلال لقائه مسؤولي البرلمان، حيث طالب إعادة دراسة الإجراءات الاقتصادية وعدم تحميل المواطنين مزيدًا من الأعباء المالية في ظل الأوضاع المعيشية التي يعانون منها.

وفي المرة الثانية وجه العاهل الأردني حكومته، لتخفيض رواتب المسؤولين والامتيازات وبدلات السفر التي يتقاضونها كأحد الإجراءات اللازمة لزيادة الإيرادات وتخفيض عجز الموازنة.

أزمة بطعم السياسة!

الانعكاس السياسي للأزمة الاقتصادية شكله مقال ممنوع كتبه “زكي بني أرشيد” الأمين العام السابق لحزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين.

وسخر السياسي المخضرم الذي سبق اعتقاله عدة مرات، وكتب في تدوينة عبر حسابه على فيس بوك، قائلا: “في الدول الديمقراطية.. سلطة تحكم بتفويض من الشعب وأحزاب المعارضة تتحمل مسؤولية الرقابة وتشكيل حكومة الظل، والدولة تضمن حرية التعبير والتنظيم”.

وتابع في رأيه المثير للجدل: “وفي الدول شبه الديمقراطية تسعى السلطة المطلقة لتكميم الأفواه، ومصادرة الرأي الآخر، واعتقال الأحرار.. المخرج السلطوي في الأردن أضاف فشلا جديدا في اختبار مقياس الحرية عندما حاصر خاطرة كتبها قلمي هذا اليوم بعنوان (الحكومة وعدت) فطلب حذفها من بعض المواقع بعد نشرها”.

وحول القرارات التي اتخذتها الحكومة وارتباطها بشروط صندوق النقد الدولي، كتب “بني أرشيد” في مقاله الممنوع والذي أعاد نشره: “هذا الدرس يعني أننا نستورد السياسة والقرار من الخارج؟.. فمن أوصلنا إلى حالة التردي والتبعية؟.. هؤلاء هم رجال الدولة وهذا منطقهم!!.. هل الحكومة تمثل الشعب أم أنها تمثل على الشعب؟”.

واختتم بعبارة أثارت الجدل كثيرا حول الشخصية التي قصدها بوصف “المخرج” الذي رآه مسؤولا عما آلت إليه الأمور بشقيها الاقتصادي والسياسي، حيث قال: “وبكل الأحوال فإننا معنيون بمعرفة المخرج.. من هو؟”.

ولعل الرجل المعروف بآرائه اللاذعة ضد سلطات المملكة وصدامه المستمر معها قصد بهذا الوصف الملك عبدالله الثاني، وما يلمح لذلك أن كل ما اتخذ من قرارات وإجراءات كانت ممهورة بتوقيع الملك إن لم يكن بأوامره المباشرة.

اللاجؤون السوريون ضحايا

لكن الأمر لا يتوقف على الأردنيين من حيث التأثيرات السلبية للأزمة الاقتصادية، بل ثمة مسألة أخرى تضيف بعدا إنسانيا للأزمة وهي تلك المتعلقة باللاجئين السوريين في البلاد.

ولطالما اشتكت الحكومة الأردنية من عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاهم، ففي فبراير الماضي، دعا رئيس الوزراء “هاني الملقي” المجتمع الدولي إلى مساعدة بلاده على تحمل أعباء حوالي 1.3 مليون لاجئ سوري يعيشون على أراضي المملكة، مؤكدا أن بلاده لم تعد قادرة على تحمل ضغوط هؤلاء اللاجئين على البنية التحتية والقطاعات الأخرى في الدولة.

وأبلغ “الملقي” المفوض السامي لشؤون اللاجئين “فيليبو جراندي” بأن بلاده “لم يعد بإمكانها تحمل الضغط الذي يشكله وجود اللاجئين على أراضيها، وأنه من الضروري أن تقوم المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمات الدولية المعنية بمساعدة المملكة وتخفيف العبء الذي يشكلونه”.

ووافق الأردن مؤخرا على خطة تكلف عدة مليارات من الدولارات للاستجابة لأزمة اللاجئين، ويأمل في أن يتم تمويل تلك الخطة من المجتمع الدولي.

وقال المسؤول الأممي، إن هناك 657 ألف لاجئ سوري مسجلين في الأردن، يعيش 80 % منهم تحت خط الفقر، مشيرا إلى أن الأردن قد أصدر حتى الآن ما يقرب من 88 ألف تصريح عمل للسوريين، كجزء من الاتفاق الذي تم توقيعه عام 2016.