العدسة – موسى العتيبي
جولة مكوكية بدأها وزير الخارجية المصري سامح شكري أمس الأحد، تشمل 6 دول عربية يحمل فيها شكري لقادة هذه الدول 6 رسائل شفهية من السيسي، وفقا لبيان رسمي صادر عن خارجية مصر.
الجولة التي “تستغرق ثلاثة أيام وتشمل كلا من (الأردن، والإمارات، والكويت، والبحرين، وسلطنة عمان، والسعودية) تثير تساؤلات واسعة عن أهدافها، خصوصا وأنها تأتي في توقيت حساس للغاية، فالإمارات والبحرين والسعودية هي أطراف رئيسية في الأزمة الخليجية، كما أنها أطراف رئيسية أيضا في الأزمة اللبنانية الأخيرة.
ما أعلنته خارجية مصر أن شكري سيسعى خلال جولته للتشاور والتنسيق بين مصر والأشقاء في الدول العربية، حول أمرين، أولهما “ما يشهده المسرح السياسي في لبنان من تطورات”، والثاني “تنامي التحديات المرتبطة بأمن واستقرار المنطقة بشكل عام”.
لكن يبقى السؤال الأهم، ماذا يحمل “شكري” بالتحديد من رسائل؟ هل يحمل رسائل تهدئة ووساطة بين حزب الله وإيران من جهة، وبين دول الخليج من جهة أخرى؟ أم يحمل رسائل دعوة للحوار؟ خصوصا وأن “عبد الفتاح السيسي أعلن سابقا رفضه شن حرب على إيران وحزب الله متمنيًا أن تحل أزمات المنطقة بالحوار.
أم أن “شكرى” يحمل رسائل يمكن وصفها بـ”رسائل ابتزاز جديدة” مفادها: أن على الخليج أن يدفع بحزمة مساعدات جديدة لمصر- كالتي حصلت عليها مقابل موقفها السابق من “عاصفة الحزم في اليمن- إن رغب في انحياز الموقف المصري تجاهه؟.
السيسي والعصا من المنتصف
ومع اشتداد الأزمة الإيرانية السعودية، ظهر السيسي وكأنه يحاول إمساك العصا من المنتصف، فلا هو يرغب في إغضاب الحليف السعودي الهام والداعم الأساسي له منذ وصوله للسلطة، ولا يرغب كذلك في خسارة إيران كقوة إقليمية هامة في المنطقة، ولها علاقات مممتدة مع “روسيا” الدولة الحليفة للسيسي.
ومن هذا المنطلق حرص السيسي في تصريحاته الأصلية- حول موقفه من التصعيد السعودي ضد لبنان، والتوتر المتزايد في المنطقة بسبب العلاقة بين الرياض و”حزب الله” اللبناني المدعوم من إيران- على الخيط الرفيع الذي لم يقطعه مع أي من الأطراف.
فعندما سئل السيسي خلال حوار مع قناة “سي أن بي سي” الأمريكية عن رأيه في الأزمة السعودية ــ اللبنانية، أجاب: “لا يمكننا دعم المزيد من الاضطرابات، فاستقرار المنطقة مهم جداً وعلينا جميعاً حمايته، وأنا أتحدث إلى جميع الأطراف في المنطقة للحفاظ عليها”.
ورداً على سؤال عما إذا كان الوقت قد حان لكي تنظر مصر في إجراءاتها ضد حزب الله، أجاب السيسي من دون الإشارة إلى الحزب أو غيره قائلاً: “الموضوع لا يتعلّق بذلك، المهم موضوع حالة الاستقرار الهشة في المنطقة في ضوء الاضطرابات التي تواجهها، فهي لا تستطيع تحمل المزيد من الاضطرابات”.
وخلال لقائه بالصحافيين في شرم الشيخ على هامش منتدى “شباب العالم”، تلقّى السيسي السؤال نفسه مضافاً إليه طلب التعليق على إمكانية توجيه ضربات عسكرية إلى إيران، فتحاشى أيضاً الخوض في صلب الموضوع، قائلاً: “لست مع الحرب… أنا ضد الحرب… لنا تجربة معها… إنها خسائر في كل شيء… خسائر مادية وبشرية، يمكن للحوار أن يجد حلاً لأزمات كثيرة موجودة، والمنطقة فيها ما يكفي، ويجب أن نعلم أن أي حروب تحدث يكون لها تأثيرات فيما بعد”.
” السيسي “
الخليج و الخط الأحمر
ماسبق يعني بوضوح أن السيسي يستبعد وربما يرفض الخيار العسكري في الأزمة “الإيرانية الخليجية”، وفي المقابل أيضا لا يرغب في إزعاج أو إغضاب الحليف الخليجي المهم، لذلك يحرص دائما وأبدا أن تكون عبارته التقليدية “الخليج خط أحمر” حاضرة في كل خطاباته.
لكن المثير في الأمر، أن “الخط الأحمر” الذي يلوح به السيسي دائما، لم يعرف حتى الآن كيف يتجاوزه خصوم الخليج، فعلى سبيل المثال، بات أمن السعودية مهددا بشكل كبير من ناحية الجنوب، خصوصا بعد أن أطلق الحوثيون “صاروخًا باليستيًّا” وصل إلى قلب الرياض للمرة الأولى في تاريخ المملكة، ولولا أنظمة الدفاع السعودية، لتسبب الصاروخ في خسائر فادحة.
أيضا على الحدود الجنوبية يسقط كل يوم قتيل أو قتيلان، جراء القصف المتبادل بين الحوثيين وقوات حرس الحدود السعودية.
كذلك لا تتوقف التهديدات الإيرانية التي تلوح بضرب الرياض، وجعل كل مناطق السعودية هدفا لصواريخ إيران، إن لم تتوقف التصرفات المتهورة للسلطات السعودية بقيادة “بن سلمان”.
كل ذلك يدفع إلى السؤال الهام، متى يرى السيسي أن الخط الأحمر للخليج قد تم تجاوزه، وعليه فإن قوات الجيش المصري ستتحرك للدفاع عنه؟.
في أغلب الأحيان يتوقع مراقبون أن لايحدث ذلك مطلقا، إن لم يكن هناك اتفاق مسبق بين الخليج ومصر على الثمن الذي ستحصل عليه مصر مقابل حمايتها للخليج.
” محمد بن سلمان “
بعض أضرار “حرب اليمن”
3 رسائل يحملها شكري
لم يستبعد مراقبون أن تكون رسالة “سامح شكري” التي يحملها لكل من ولي عهد السعودية والإمارات تحديدا، هي رسالة ابتزاز خفية، تبدو في ظاهرها أنها خطاب عقلاني.
بمعنى أكثر وضوحا، فإن مؤشرات عدة تؤكد أن السيسي لا يرغب في الدخول بصراع مسلح حاليا، لا مع إيران ولا مع حزب الله، وبالتالي سيحاول إقناع كل من “الإمارات والسعودية” بالعدول عن فكرة الحرب في لبنان، وسينشغل في ذلك بعلاقاته بالحليف الإسرائيلي، لتجنب خيار الحرب ولو قليلا.
” سامح شكري “
سيعتمد السيسي على ذلك بأن المشهد الدولي لا يحتاج لمزيد من الالتهاب، كما أن دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية لا يرغبون في تصعيد إقليمي على لبنان في الوقت الراهن.
إن فشلت محاولات السيسي في إقناع الأطراف الخليجية بذلك، فسيلجأ السيسي إلى التأكيد على عجزة عن المشاركة بفعالية في أي خيار عسكري مرتقب.
“رفض المؤسسة العسكرية لخيار الحرب، والأوضاع في سيناء، والظروف الاقتصادية” ستكون ثلاثية السيسي لإقناع الخليجيين بموقفه الرافض للحرب، وبالتالي فإن على “السعودية والبحرين” تعويض المؤسسة العسكرية فارق الخسائر المالية الضخمة التي سيدفعونها إن قرروا خوض حرب مباشرة مع حزب الله.
فالمسألة وفقا لمراقبين تحتاج إلى جرعة “الأرز” بحسب وصف السيسي نفسه في أحد التسريبات التي خرجت له، وعليه فيمكن للسيسي أن يتخذ قرار المشاركة في حرب دون أن تكون المسألة معلنة، تماما كالأدوار الغامضة التي تقوم بها مصر في دعم بشار في سوريا وحفتر في ليبيا، وكالأدوار الغامضة التي تقوم بها نفسها حاليا في اليمن.
ولم يوضح السيسي ما إذا كان قد يشارك في حرب لحساب حلفائه السعوديين أم لا، لكنه جدّد حديثه الذي بات تقليدياً بأن “أمن الخليج خط أحمر، ويجب على الآخرين ألا يتدخلوا في شؤوننا… وكما نقول، إننا لا نريد حروباً، عليهم أيضاً أن يحرصوا على ألا تصل الأمور إلى شكل من أشكال التصادم؛ لأن هذا ليس من مصلحتنا كلنا”.
وخلاصة القول وفقا لمراقبين، فيمكن تلخيص الرسائل التي يحملها شكري للخليج، في عدة نقاط:
- الأفضل عدم الحرب مع إيران، ويمكن لمصر أن تقوم بدور الوسيط للمصالحة.
- يمكن لمصر إقناع إسرائيل بتهدأة الأجواء مع حزب الله مؤقتا، مقابل اتفاقية تضمن تراجع الدور الداعم لإيران للحوثيين في اليمن.
- إن فشلت خيارات السلم، فيمكن لمصر أن تشارك في دور عسكري لحماية لدول الخليج، شريطة أن تقنع المساعدات قيادات الجيش الرافضة لخيار الحرب.
اضف تعليقا