بعد سنوات الحصار الممتدة من منتصف العام 2017 لم يعد مفهوما من يحاصر من، أي بعبارة أوضح هل تقوم بلدان العربية السعودية والإمارات العربية ومصر والبحرين بحصار قطر أم أن هذه الأخيرة هي التي تحاصرهم جميعا.
إذ استطاعت قطر خلال السنوات الثلاث الماضية أن ترسخ قدمها كدولة تمتلك كل أدوات التحكم في قواعد اللعبة السياسية في المنطقة وأن تحول كل المعارك لصالحها من خلال الاستفادة من الأزمة الخليجية المفتعلة بشكل عاد عليها بالفائدة عكس ما كانت تخطط له السعودية والإمارات من تضييق الخناق عليها بواسطة الحصار الجائر وغير المستند الى أي قرارات دولية أو أسباب موضوعية سوى الرغبة المحمومة في السيطرة والتسلط.
وبعد أن اتخذ كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر في يونيو 2017 قرارهم المتسرع بقطع علاقاتهم الديبلوماسية والتجارية مع قطر متعللين باتهامات متهافتة، نسوا أنهم سيكونون أكبر خاسر من مثل هذا الخيار.
إذ كانت الصادرات الغذائية السعودية لقطر تصل إلى أكثر من 300 مليون دولار سنويا كما بلغت الصادرات المختلفة أكثر من مليار دولار سنة 2015 على سبيل المثال، ونفس الشيء حصل للإمارات التي كانت تصدر لقطر بمبالغ تجاوزت مليار دولار سنويا.
وقد خسرت مؤسسات عملاقة مثل شركة المراعي أكثر من ثلث عائداتها وأدى ذلك الى دخولها في صعوبات مالية ضخمة، وتم استبدال السلع والمنتجات القادمة من السعودية والإمارات ومصر بسلع تركية، علاوة على تطوير الإنتاج المحلي الذي أصبح يحقق نتائج باهرة بلغت حد تحقيق الاكتفاء الذاتي في كثير من المواد الاستهلاكية في حين خسرت الأردن ومصر أسواق الخضر والغلال بشكل نهائي وهي التي كانت تدر عليهما أرباحا هائلة.
ولعل آخر إنجاز لها في هذا الإطار تحويل مصنع لإنتاج الأسلحة جزئيا الى مصنع لأجهزة التنفس الاصطناعي، عبر منشأة ” برزان ” فبالإضافة إلى إنتاج الأسلحة وقاذفات القنابل ونظارات الرؤية الليلية، يقوم المصنع أيضا بإنتاج أجهزة تنفس بسبب ارتفاع الطلب عليها محليا وعالميا بعد انتشار وباء كوفيد-19.
وتندرج هذه الخطوة في إطار خطوات أخرى مماثلة تقوم بها قطر منذ بدء مقاطعة دول إقليمية لها، ويسعى المصنع القطري بالتعاون مع شركة “ويلكوكس” الأميركية للصناعات الدفاعية إلى صناعة ألفي جهاز تنفس اصطناعي أسبوعيا، مع تخصيص العديد منها للتصدير إلى دول تعتبرها الدوحة بمثابة “دول صديقة”.
ويقول مدير عام شركة “برزان” القابضة ناصر النعيمي “كانت هناك استراتيجية لخمس سنوات لإحضار هذه الآلات إلى قطر، ولكن الآن تم الحصول عليها دفعة واحدة، ويضيف “كان الوقت المناسب لاغتنام الفرصة والعمل على تعزيز احتياجات الإنتاج”.
وإلى جانب ذلك قامت قطر بتأمين مخزون غذائي، وأنشأت مزارع خضار في بلد لطالما اعتمد على الاستيراد من الخارج، ويرى النعيمي أن المقاطعة كانت بمثابة “عامل محفز أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم”. إذ سمح لنا بتحقيق إمكاناتنا وضمان أن كل شيء نحتاجه بشكل استراتيجي.. يتم صنعه هنا”.
وبالإضافة إلى استخدام قدرات التصنيع الدفاعية التي تم تطويرها خلال المقاطعة للاستجابة لتداعيات كوفيد- 19، ركزت الدوحة أيضا على تعزيز خطواتها في مجال الأمن الغذائي.
وفي مخازن واسعة في الصحراء، يتم تخزين خمس سلع رئيسية بشكل كبير لمنع تكرر مشهد خلو رفوف المتاجر الذي حدث في عام 2017 بعد قطع العلاقات مع قطر.
ويقول المسؤول في وزارة التجارة جاسم بن جبر آل ثاني “فيما يتعلق بالسلع التي لا يمكن إنتاجها في دولة قطر، حرصنا على أن نزيد المخزون منها لمواجهة أي تحديات سواء وبائية مثل أزمة كورونا أو غيرها”.
وقد أعلنت الدوحة أواخر العام الماضي عزمها على زيادة مخزونها الاستراتيجي من 22 سلعة رئيسية لثلاثة مليون شخص، ليمتد على ستة أشهر.
وجاءت قطر في المركز الأول من ناحية الأمن الغذائي في الشرق الأوسط وفي المركز الثالث عشر عالميا في آخر تصنيف لمؤشر الأمن الغذائي العالمي.
لقد أعطى الحصار الاقتصادي لقطر مفعولا عكسيا مكنها من التعويل على قدراتها الذاتية والتحسب لأي طارئ مستقبلي في حين عاد بالخسارة المادية على بلدان الحصار علاوة على الخسارة المعنوية المتمثلة في السمعة السيئة وتأكيد صورة العدوانية المجانية.
اقرأ أيضاً: حكام السعودية يواصلون تكديس السلاح .. والشعوب العربية هي عدوهم الأول!
اضف تعليقا