العدسة – معتز أشرف
بعد ساعات من إعلان كوريا الشمالية أنها دمرت الأنفاق في موقع التجارب النووية بحضور إعلامي أجنبي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلغاء القمة المرتقبة مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، بعد حضور اسم الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي في كواليس الإلغاء بطريقة درامية مثيرة، ليثير الرجل الأزمات حيًا وميتًا، نرصدها ضمن كواليس الأزمة الجديدة التي يرى كثيرون أنها مثيرة للقلق.
كواليس الإلغاء
بلغة دبلوماسية هادئة أطلقت وزارة خارجية كوريا الشمالية ردَّها على قرار ترامب، بينما العالم يبحث في كواليس إلغاء القمة التاريخية التي كانت مرتقبة بين البلدين، حيث إن التصريحات كانت متناقضة قليلًا في سبب الإلغاء، فوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو كشف الخميس أمام الكونجرس رواية للإلغاء بقوله: “لا أعتقد أننا في وضع يجعلنا نشعر أن النتيجة يمكن أن تكون ناجحة، خلال الأيام العديدة الماضية لم نتلقَّ ردًا على استفساراتنا منهم”، مؤكدًا أن السبب وراء إلغاء القمة التي كانت مقررة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالية كيم جونج أون هو عدم إمكانية التوصل إلى “نتيجة ناجحة”!
المتحدث باسم البيت الأبيض أكّد من جانبه أنّ ردة فعل كوريا الشمالية على تصريحات نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس حول كوريا الشمالية والتي تتكلم عن تكرار السيناريو الليبي في كوريا، هي سبب إلغاء القمة المرتقبة؛ حيث وصف وزير خارجية كوريا الشمالية تصريحات “بنس” بالغبية، ولكن يبدو أن الأمر أعقد من ذلك وفق مراقبين، حيث كتب ترامب في رسالة إلى كيم نشرها البيت الأبيض “للأسف وبعد الغضب الهائل والعدائية الصريحة التي ظهرت في آخر تصريحاتكم، أشعر أنه من غير الملائم في هذا الوقت عقد هذا اللقاء الذي كان مخططًا له منذ فترة طويلة، وتطرق ترامب إلى الترسانة النووية الأمريكية بما يشبه التحذير، وقال: “تتحدثون عن ترسانتكم النووية لكن ترسانتنا أقوى وأدعو الله ألا نضطر أبدًا لاستخدامها”!، مضيفًا أن الجيش على أتم الاستعداد للرد إذا أقدم زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون على أي تصرف “أحمق”!.
إذن فالكواليس حديث أعقد تفسِّره لغة الرد الكوري التي تبدو في مسك العصا من المنتصف، حيث صرح وزير الخارجية الكوري كيم كي جوان، الجمعة، بأن بلاده لا تزال مهتمة بالتفاوض مع الولايات المتحدة، على الرغم من إلغاء القمة الثنائية من قبل واشنطن، وقال إن بلاده مستعدة لحل المشاكل مع الولايات المتحدة في أي وقت وبأي شكل، وذلك بعدما ألغى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قمة كانت مقررة في يونيو مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، ولقد أعجبتنا كثيرًا جهود الرئيس ترامب التي لم يسبق أن بذلها أي رئيس آخر لعقد قمة تاريخية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، ولكن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإلغاء القمة يتناقض مع رغبات المجتمع الدولي، فيما شدد على ضرورة عقد القمة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية من أجل تهدئة العلاقات المعقدة، خاصة أن “زعيم كوريا الشمالية بذل قصارى جهده لعقد القمة مع ترامب” وفق بيان خارجية كيم جونج أون.
سر التغير
من إجراءات سريعة الخُطى إلى قرار صادم بالإلغاء، جرت مواقف كثيرة وراء التغير الحاد بين البلدين؛ حيث ألغت كوريا الشمالية محادثات رفيعة المستوى مع كوريا الجنوبية، ووصفت التدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بأنها “استفزاز” ومناورة للغزو، واتهمت بيونج يانج وقتها مستشار الأمن الوطني الأمريكي، جون بولتون، بإطلاق “تصريحات متهورة” بعد أن أشار إلى أن كوريا الشمالية قد تتبع “نموذج ليبيا” في نزع السلاح النووي.
بيد أن ترامب نفى بعدها أن تتبع الولايات المتحدة “النموذج الليبي” إذا توصلت إلى اتفاق مع كوريا الشمالية، وقال: “إذا نظرتم إلى نموذج (معمر) القذافي، فقد كان هلاكًا كليًا، ولقد ذهبنا هناك لهزيمته. والآن قد يحدث هذا النموذج إذا لم نتوصل إلى اتفاق على أرجح التقديرات، لكن إذا توصلنا إلى اتفاق، اعتقد أن كيم جونج-أون سيسعد بشدة”.
كانت مسؤولة من كوريا الشمالية، هي تشوي سون- هوي قد رفضت في وقت مبكر من الخميس التعليقات التي أدلى بها نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، واصفة إياها “بالحمقاء”. وكان بنس قد قال إنّ كوريا الشمالية “قد تنتهي نهاية ليبيا”، وقالت تشوي، التي كانت ضالعة في عدد من الاتصالات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة على مدى عقدين، إن كوريا الشمالية لن “تتوسل” من أجل الحوار، وحذرت من أي “مواجهة نووية” إذا فشلت الدبلوماسية.
كوريا الشمالية قد أعلنت الأسبوع الماضي كذلك بأنها قد تلغي القمة إذا أصرت الولايات المتحدة على تخلي البلاد عن الأسلحة النووية من جانب واحد في دلالة على مؤشرات الشروط الأمريكية المسبقة من كوريا الشمالية، واعتبره مراقبون غربيون “تحولًا خطيرًا”؛ حيث يريد “كيم جونج-أون” التركيز على اقتصاد كوريا بعدما حقق ما تحتاجه بلاده على الصعيد النووي، ولذلك فلا داعي للدهشة أن تقول الولايات المتحدة إن أي استثمار خاص في كوريا الشمالية مشروط بالتزام البلاد بالنزع الكامل لأسلحتها النووية، وفي ضوء هذا أيضًا نفهم خطوات الولايات المتحدة بإجبار بلدان أخرى، منها الصين، على قطع التجارة مع تلك الدولة التي تصفها بالمارقة، ولا يعتقد وفق كثير من التقديرات أن تقدم بيونج يانج على التخلي عن شيء بلا مقابل؛ إذ إن كوريا الشمالية تريد بالفعل تخفيف العقوبات وبقاء اقتصادها على قيد الحياة، حيث توجد حاليًا حوالي تسعة قرارات مختلفة خاصة بالعقوبات المفروضة على كوريا الشمالية، وهذا يجعل تخفيف العقوبات مستحيلًا بدون الأمم المتحدة والولايات المتحدة، وحتى إن كان لكوريا الجنوبية موقف إيجابي نحو الشمال، فإنه لا يمكن أن يحدث شيء.
قلق وترقب
قرار ترامب له ما بعده وهو ما ظهر في ردود الأفعال التي كشفت عن قلقها، وسريعًا قرر رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن، الذي التقى كيم الشهر الماضي، الاجتماع مع المسؤولين الأمنيين في بلاده لدراسة إعلان ترامب، ونقلت وكالة أنباء يونهاب عن المتحدث باسم الحكومة قوله: “نحاول أن نتبين ما يعتزم الرئيس ترامب فعله، والمعنى الحقيقي لإعلانه”.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إنه “قلق جدًا” من إلغاء المحادثات، وأدعو جميع الأطراف إلى مواصلة الجوار من أجل نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية بطريقة سلمية وموثوقة”.
وفي الولايات المتحدة، أشاد عضو مجلس الشيوخ، توم كوتون، بالرئيس ترامب، لأنه “تفطن لحيلة كيم”. ولكن العضو الديمقراطي في المجلس، براين شاتز، قال: إن ما حدث هو عندما “يجمع شخص بين انعدام الاحترافية والتحريض على الحرب”، وعلى خط الأزمة دخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أعلن أن روسيا تقبلت قرار الولايات المتحدة حول إلغاء القمة مع كوريا الشمالية بأسف، مشيرًا إلى أن موسكو كانت تعوِّل على خطوة ملموسة من أجل تسوية الوضع في شبه الجزيرة الكورية.
ومن الأسف إلى القلق، يبدو هكذا أن العالم في انتظار شيء يعدّ في الكواليس فهل يكون نموذج معمر القذافي هو السيناريو الأمريكي، قد يكون بحسب تهديدات ترامب لكوريا الشمالية وقد يؤجَّل، وهذا ما ستحدده الأيام المقبلة.
اضف تعليقا