أثار قرار وزارة الأوقاف المصرية، بوقف 1500 إمام وخطيب من العمل الدعوي بالمساجد، وتحويلهم لأعمال إدارية، موجة من الغضب بين الأئمة والخطباء، ومسؤولين سابقين بالوزارة، الذين اعتبروا حجة “الأفكار المتطرفة”، شماعة للتصفية السياسية.
وكان رئيس القطاع الديني بالوزارة، “جابر طايع”، كشف خلال مشاركته في قناة “DMC”، أنه جرى إيقاف 1500 إمام عن الخطابة، وإحالتهم لأعمال إدارية، لأنهم يحملون “أفكارا متطرفة”.
وسبق الإعلان عن القرار السابق، قرار آخر أصدره وزير الأوقاف في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بفصل 10 أئمة ودعاة، بشكل نهائي من الوزارة، وإخطار المساجد على مستوى الجمهورية بحرمانهم من اعتلاء المنبر، أو إلقاء الدروس، موضحا في منشور رسمي أن الأئمة المفصولين ينتمون لجماعة “الإخوان المسلمون”.
وكان الوزير أصدر فور توليه منصبه عام 2013، قرارا بفصل عدد من علماء وقيادات الوزارة البارزين، لرفضهم الانقلاب العسكري، من بينهم: “سلامة عبدالقوي”، مستشار وزير الأوقاف، و”جمال عبدالستار”، وكيل وزارة الأوقاف، والشيوخ “محمد الصغير”، و”محمد جبريل”، و”أحمد المعصراوي”، و”أحمد عامر”، و”أحمد هليل”، مدير عام الإرشاد الديني، مستشار الوزير، و”صلاح سلطان” أمين المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
ويقول الشيخ “عبدالرحمن العقباوي” إمام وخطيب أحد المساجد بمحافظة الجيزة، لـ”عربي21″، إنه فوجئ بقرار نقله لأعمال إدارية رغم أنه خريج كلية أصول الدين، واجتاز كل الاختبارات العلمية التي تجريها الوزارة، وعندما اعترض على القرار، أخبره مسؤولو الوزارة بالمحافظة، أن التقارير الأمنية كشفت أنه ينتمي لجماعة “الإخوان المسلمون”.
ويضيف “العقباوي”، أنه لا ينتمي للإخوان، لكنه يرفض الانقلاب العسكري (الذي نفذه عبدالفتاح السيسي عام 2013 ضد الرئيس الراحل “محمد مرسي”)، مثل غيره من الأئمة والدعاة، ويرفض كذلك السياسات التي يضعها الوزير بعد مراجعة الأجهزة الأمنية، سواء في موضوعات الخطب، أو المشاركة في حملات دعم “السيسي”، وهو ما يعد السبب الأساسي لاستبعاده من عمله، وإجباره على ترك الوزارة حتى لا يتعرض للاعتقال.
ي المقابل، وافق الشيخ “علي جاد”، على العمل الإداري بالوزارة بعد أن كان إماما وخطيبا لأحد المساجد الكبرى بمحافظة القليوبية، مشيرا إلى أن الخيارات التي كانت أمامه لم تكن تساعده لترك الوزارة، أو الاعتراض على قرار نقله لأعمال إدارية.
وحسب “جاد”، فإن الحملة التي يشنها الوزير “مختار جمعة” على الأئمة والدعاة، سياسية وليست علمية، موضحا أنه حاصل على دكتوراة في العلوم الشرعية، ومع ذلك يتم منعه من الخطابة بسبب آرائه المخالفة لتوجهات النظام، في الخطب والدروس التي كان يلقيها، بينما يتم السماح لأنصاف المتعلمين بصعود المنابر وإلقاء الدروس، لتوجيه المصلين لدعم سياسات النظام.
وبالتزامن مع قرار وقف 1500 إمام وخطيب، بدأت الوزارة إجراءات لتصوير خطب الجمعة بالمساجد بالفيديو، لمراجعتها ومعرفة مدى التزام الخطيب بتوجيهات الوزارة وبالخطبة الموحدة، وهو ما وصفه الكاتب الصحفي والخبير بالتنظيمات الإسلامية “كمال حبيب”، بالتضييق الجديد على المساجد والأئمة.
وقال “حبيب” عبر صفحته على “فيسبوك”: “يعني تضييق ومراقبة ومتابعة لا تتوقف للمساجد، بينما يتركون محمد رمضان وشاكوش ومؤدي المهرجانات يعيثون في الأرض فسادا، بلا رقيب ولا حسيب، ولا مسؤول يتابع”.
وأضاف قائلا: “أنت تحاصر الدين والمسجد، وتلاحق الأزهر ومؤسسته، وتلاحق الدعاة، وتشوه صورتهم، وفي نفس الوقت تفتح الأبواب أمام هذا الغثاء.. إذا ضيقت على المساجد وفتحت الباب لأغاني المهرجانات، فهذا يعني أنك مع من يشيع الفاحشة في الذين آمنوا”.
أهداف سياسية
ويؤكد مستشار وزير الأوقاف، مدير عام الإرشاد الدينى السابق، الشيخ “أحمد هُليل”، أن قرار منع 1500 إمام وخطيب، بسبب انتمائهم الفكري، يتماشى مع توجهات الوزير الحالي، ومع سياسة رئيس القطاع الديني، “جابر طايع”، الذين يعتبرون أنفسهم خط الدفاع الأول عن نظام الانقلاب العسكري.
ويوضح “هُليل”، أن الموضوع ليس له علاقة بالأفكار المتطرفة، كما يزعم مسؤولو الوزارة، خاصة أن الأئمة والخطباء يتم تعيينهم بعد مراجعات أمنية دقيقة، وإنما له علاقة بالمواقف السياسية لمعظم هؤلاء الأئمة الرافضة للانقلاب العسكري، وخططه المعلنة ضد القيم والثوابت الإسلامية، ورفض معظمهم فكرة تطوير الخطاب الديني وفقا لتصور “السيسي”.
ويضيف: “الوزير الحالي والقيادات التابعة له، يحاولون إثبات ولائهم التام للسيسي ونظامه، وأنهم جزء من هذا النظام، ويسيرون وفقا للسياسات التي يضعها ضد معارضيه سواء كانوا من الإخوان أو غيرهم، وهو ما يبرر بقاء الوزير بمنصبه رغم كثرة التغييرات التي جرت على الحكومات التي أعقبت الانقلاب العسكري”.
ووفقا لعضو لجنة الشؤون الدينية والأوقاف بالبرلمان المصري سابقا، “محمود عطية”، فإن قرارات الفصل والمنع من الخطابة، إحدى خطط نظام “السيسي” في محو هُوية المجتمع، والقضاء على دور المسجد في توجيه الجماهير، وهو جزء من خطة أكبر تشمل التعليم والإعلام، وكل من له تأثير على الجماهير.
ويؤكد “عطية” أن ما جرى ليس جديدا على الوزارة التي يحكمها الجهاز الأمني منذ عشرات السنوات، موضحا أنه تم منعه من الخطابة خلال عضويته بالبرلمان، رغم حصوله على تصريح رسمي بذلك، لآرائه السياسية ضد نظام الرئيس المخلوع “حسني مبارك”.
ويشير “عطية” إلى أن وزير الأوقاف يستخدم مبرر محاربة الأفكار المتطرفة، والجماعات الإرهابية، وتجديد الخطاب الديني لتصفية أصحاب التوجهات الإسلامية، والمخالفين لـ”السيسي”، وسياسته الواضحة ضد التعاليم والمقدسات والقيم الإسلامية.
اضف تعليقا