العدسة – معتز أشرف:

اندلع الأحد حريق ضخم في مخازن تستخدمها مفوضية الانتخابات العراقية في العاصمة بغداد لحفظ صناديق اقتراع الناخبين في الانتخابات التشريعية الأخيرة، فاندلعت أزمة كبرى وصفها المراقبون بأنها تضع العراق في خطر، وما بين المطالبات بإعادة الانتخابات والتحذيرات من حرب أهلية، تقف بغداد حائرة.. ترى هل يقبل مقتدى الصدر بانقلاب ناعم كما يقول البعض أم يسيطر على الأزمة؟

نرصد هذه الساعات الحرجة في عمر العراق ونستشرف الأيام المقبلة في ضوء المؤشرات الحالية.

إعادة الانتخابات       

رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري دعا إلى إعادة الانتخابات التشريعية التي جرت الشهر الماضي، وذلك بعد ساعات من حادثة احتراق صناديق اقتراع في بغداد، موضحًا في بيان لاقى رواجًا سريعًا أن “جريمة حرق مستودعات تخزين صناديق الاقتراع في منطقة الرصافة ببغداد هي عمل متعمد وجريمة مخطط لها تهدف إلى إخفاء حالات الاحتيال والتلاعب في الأصوات والكذب على الشعب العراقي وتغيير إرادته وخياراته”.

رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لم يتسرع كالجبوري ليكشف حراك رفض النتائج منذ الإعلان عنها؛ حيث تعهد من جانبه بملاحقة “العصابات الإرهابية والجهات التي تحاول العبث بالأمن وبالانتخابات”، موضحًا في بيان أن “حرق مخازن مفوضية الانتخابات والذي تزامن مع اليوم الذي احتلّ فيه تنظيم داعش مدينة الموصل يمثل مخططًا لضرب البلد ونهجه الديموقراطي”.

من جانبها قللت مفوضية الانتخابات التي تحدت البرلمان العراقي في وقت سابق والموقوفة عن العمل، من تأثيرات الحريق على نتائج الانتخابات، وقالت في بيان: إن “الحريق لم يصل إلى صناديق الاقتراع أو أوراق الاقتراع، لكن وزارة الداخلية أعلنت أن الحريق أتى على مخزن واحد فقط من أربعة مخازن في موقع تخزين يضم نصف صناديق الاقتراع في بغداد فيما أعلن عضو مجلس محافظة بغداد “محمد الربيعي” أنه “تم احتراق جميع صناديق الانتخابات البرلمانية لجانب الرصافة” .

تخطيط مسبق

بناء علي حالة التربص بالنتائج منذ اللحظة الأولى، كان لافتا تصريحات تحالف سائرون بزعامة الزعيم العراقي مقتدى الصدر الذي صرح عقب الحرق أنه جاء نتيجة تخطيط مسبق، واتهم الأجهزة المكلفة بحماية المقر بالتراخي، وأن هناك شبهة تواطؤ تحوم حول بعض عناصر هذه الأجهزة، لكنه وضع النقاط على حروف المستقبل قائلا: خياراتنا مفتوحة ولا يمكن التنبؤ برد الفعل.

مقتدى الصدر، كان واضحا في ردود أفعاله التي تقرأ الغدر في التحركات والانقلاب الناعم علي النتائج، حيث حذر من نشوب حرب أهلية، وقال إن “العراق في خطر”، وأضاف في بيان: “أما آن الأوان لأن نقف صفا من أجل البناء والإعمار بدل أن نحرق صناديق الاقتراع أو نعيد الانتخابات من (أجل) مقعد أو اثنين، ولقد انتصر الإصلاح في الانتخابات الأخيرة وهذه إرادة شعب… لكن لا أن تكون كما إرادها بائعو ثلثي العراق بداية لحرب أهلية”.

وتصدر “سائرون” الكيانات السياسية العراقية في هذه الانتخابات بفوزه بنحو 54 مقعدًا في البرلمان الجديد، بينما حل ائتلاف “الفتح” بزعامة هادي العامري بالمرتبة الثانية بنحو 47 مقعدًا، وجاء ائتلاف “النصر” بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي ثالثًا بفوزه بنحو 42 مقعدًا، وحصل تيار “الحكمة” الوطني على نحو 20 مقعدًا فقط، لكن دارات سجالات واسعة ضد النتيجة وصلت إلى قرار البرلمان بإعادة الفرز اليدوي لنحو 10 ملايين صوت.

الشكوك تتصدر

الشكوك باتت سيدة الموقف في العراق، خاصة أن فريق رفض نتائج الانتخابات لم يصمت منذ إعلانها وجاء سياق حديث رئيس البرلمان سليم الجبوري في 9 يونيو الجاري مثيرًا للجدل، حيث صرح عقب اجتماع رئاستي الجمهورية والبرلمان مع رؤساء الكتل السياسية، بأن الاتفاق شهد إجماعًا على عدم الصمت على التلاعب بإرادة الناخبين واحترام الإجراءات القانونية التي تم اعتمادها دون أن يوضح مسارات عدم الصمت، لكنه أكد أنه “يجب النظر للمرحلة المقبلة بتأنٍّ ومحاولة إيجاد المخارج العملية والقانونية للمشاكل التي نواجهها”.

في نفس التوقيت وبالتحديد في مساء 9 يونيو، كان مقتدى الصدر يدعو الداخلية العراقية لبدء حملة لـ”نزع السلاح”– وهو الإجراء الأخطر الذي يهدّد الميليشيات المنتشرة في العراق- وتسليمه للدولة بعد عيد الفطر، ابتداءً من مدينة الصدر ومن ثم بقية المناطق العراقية، موضحًا أنه في بيان نشره مكتبه أنه “من منطلق تقوية الدولة العراقية، وتكريسا لتقوية الجيش والشرطة حصرا، أدعو للبدء بحملة نزع السلاح وتسليمه إلى الدولة”.

عضو لجنة تقصي الحقائق المكلفة بالتحقيق في التلاعب بنتائج الانتخابات، “عادل النوري”، أكد في تصريح صحفي أن “الحريق مفتعل ومن فعله أعضاء من داخل المفوضية التي تم تجميد عملها”، لافتًا إلى أن “المجرمين والمزورين أحرقوا آثار جريمتهم، ونطلب من رئيس الوزراء والقضاء التعامل مع الموضوع كملف سيادي ومهدّد للأمن الوطني والعملية السياسية بالعراق ككل”.

النشطاء العراقيون طالتهم الشكوك وتحدثوا بصراحة علي مواقع التواصل الاجتماعي عن انقلاب ناعم ضد تحالف مقتدى الصدر ونتائج الديمقراطية، وعلى وسم ” #حرگوا_الصناديگ ” (حرقوا الصناديق)، قال المغرد العراقي علي سحاب قال مشيرًا إلى صراع النخب حول النتائج: “الصندوگ اللي يجيك منه الريح، حرگة (حرقه) واستريح” فيما قال المغرد هشام الركابي: ” عندما نبه زعيم ائتلاف دولة القانون السيد #المالكي من خطورة الأوضاع في حال تم التلاعب بنتائج الانتخابات قبل انطلاقها، استنكر المأزومين من هذا الموقف واليوم ظهرت تحذيرات السيد المالكي بوضوح عندما وصل الأمر إلى حرق صناديق الاقتراع”.

وأضاف المغرد مهند حبيب السماوي على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” أن المؤسف فيما يجري في العراق حاليا هو أن الطبقة السياسية لم تفهم لحد الآن الديمقراطية، ولم تدرك أن الانتخابات فوز وخسارة وليس فوز فقط.

وأضاف المغرد ظاهر صالح الخرسان : ” تمت الخطة بنجاح  انتصر مشعان وسليم ونوري وحنان : قرروا إعادة العد والفرز بعد الخسارة الكبيرة لكتلهم الفاسدة .. أبعدوا المفوضية .. حرقوا الصناديق .. وسيطالبون بإعادة الانتخابات “، فيما ذهبت المغردة سالي إلى ضرورة تنفيذ انقلاب، وقالت: “يعني بين قوسين إذا ما يصير انقلاب عليهم ويسحلوهم بشوارع بغداد، مراح نخلص منهم ال ديمقراطية وانتخاب ال، وراح حتى اطفالنا واحفادنا تعاني، ماكو واحد شريف بسوي انقلاب، الشرفاء تبخرو من العراق شني”.

3 سيناريوهات 

سيناريو الفوضي يتقدم سيناريوهات المرحلة المقبلة في ظل تهديدات الصدر، وهو ما قرأه الحزب الإسلامي العراقي؛ حيث أكد في تقدير موقف له في 8 يونيو الجاري تحت شعار “كلنا ضد التزوير .. كلنا مع الحفاظ على العراق” أن المهم للعراق رفض التزوير والانجرار وراء الصفقات الفاسدة التي تمول من قوت العراقيين، بجانب الحفاظ على المشهد السياسي، وعدم السماح بالانزلاق نحو الفوضى بأي حال من الأحوال .

التسوية والتهدئة والبحث عن مخرج سلمي من الأزمة ينافس بنسبة كبيرة خيار الفوضي، وهو ما أشار إليه عمار الحكيم رئيس التحالف الوطني خلال استقباله ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في بغداد بعد حادث الحريق، مؤكدًا أهمية النظر بالإشكاليات المثارة بشأن العملية الانتخابية وفق الأطر القانونية والدستورية، وبما يحفظ إرادة الناخبين والاستقرار السياسي في البلاد، وفي السياق ذاته كشفت تقارير إعلامية عراقية أن “ما لا يقل عن ست زعامات عراقية تلقت رسائل من الإدارة الأمريكية تحذرها فيها من مغبة إلغاء الانتخابات بشكل كلي، وضرورة استمرار معالجة الطعون وتهم التزوير والتلاعب للوصول إلى حد مُرضٍ من النزاهة بالعملية الديمقراطية.

المخارج القانونية موجودة في حقيبة البعض داخل العراق، وقد تكون الخيار الثالث، ووفق عضو اللجنة القانونية في البرلمان “زانا سعيد”، فإن “القضاء يمتلك صلاحية إلغاء نتائج الصناديق المتعرضة لعملية الحريق في بغداد أو إلغاء نتائج محافظة كاملة، مرجحا إلغاء العملية الانتخابية بشكل كامل في حال نشوب حريق ثان في أحد مخازن المفوضية، مؤكدًا أن “مجلس النواب لديه خيار جديد بعد تعديل قانون الانتخابات بدمج الانتخابات النيابية وإعادتها مع مجالس المحافظات نهاية العام الحالي” فيما دعا “ضياء الأسدي” مدير المكتب السياسي لزعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر”، في تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي تويتر القضاء لدعم التداول السلمي للسلطة وتحكيم القوانين النافذة”.