لا يزال المشهد السياسي والحزبي الصهيوني يشهد أصداء الاجتماع الذي جمع قادة حزب ميرتس اليساري برئاسة نيتسان هورويتز، الشريك في الائتلاف الحكومي، مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في مقر الرئاسة في رام الله. وهو ما أدى إلى خلق جو من التوتر داخل التحالف نفسه.
جاءت معظم ردود الفعل الإسرائيلية من اليمين، سواء داخل الحكومة نفسها، أو من صفوف المعارضة. واعتبر الطرفان أن هذا الاجتماع خروج عن الإجماع الإسرائيلي بشأن العلاقة مع الفلسطينيين، وطالبا بوقف هذه اللقاءات التي بدأت بوزير الدفاع بيني غانتس وانتهت بلقاء قادة ميرتس.
وبينما يدافع من يعقدون هذه اللقاءات عنها بحجة الحفاظ على خيار التسوية مع السلطة الفلسطينية، لأن البديل هو تقوية حماس وهو ما لا تريده إسرائيل والسلطة الفلسطينية، فإن المعارضين لهذه اللقاءات لا يأبهون بهذه الذرائع، ويعتبرونها اجتماعات غير ضرورية، لأنها ليست لها تداعيات بعيدة المدى.
وهناك مجموعة ثالثة في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي تعتقد أن هذا التصادم في المواقف بين الوزراء يؤدي إلى خلق مواجهات لا داعي لها، لأنه سيؤدي في النهاية إلى زعزعة استقرار الحكومة. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن اعتبار الضجة الإسرائيلية ناجمة فقط عن لقاءات ميرتس وغانتس مع عباس، بل هي استمرار للمشاكل التي يعاني منها الائتلاف الحكومي منذ إنشائه. وهذا يعني أن هذه الضجة ليست سوى قمة جبل الجليد في الخلافات الداخلية، بالنظر إلى الاستقطاب في الحكومة القائمة.
ولا يخفى على أحد أنه منذ بداية تشكيل الحكومة، فقد كان الائتلاف يقوم على هدف واحد فقط؛ وهو الإطاحة بنتنياهو رغم وجود خلافات حزبية بين مكونات الائتلاف الحكومي القائم. لذلك، من الواضح أن العاصفة التي أعقبت اجتماعات غانتس وهوروفيتس مع عباس، تعني أننا أمام عواصف مستقبلية وأن هذه الخلافات قد تزيد من الانقسامات في الحكومة.
في الوقت نفسه، لا تحمل اللقاءات الإسرائيلية المستمرة مع عباس أي تطلعات سياسية لاستئناف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، باستثناء التقاط الصور وتسجيل النقاط ضمن الائتلاف الحكومي نفسه. ليس لديهم برنامج سياسي مخطط له مع الفلسطينيين غير فرض المزيد من الحقائق على الأرض، بما في ذلك المستوطنات ومصادرة الأراضي في القدس والضفة الغربية.
وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لبيد لم يعجبهما لقاء نظرائهما مع عباس، إلا أن رغبتهما في الحفاظ على الائتلاف الحكومي الهش خوفًا من سقوطه أسكتتهما وجعلتهما عاجزين عن منع عقد هذه الاجتماعات. وتحدثت دوائرهما المقربة عن اللقاءات، قائلين إنه رغم أنها تمت رغماً عنهما، فلن تكون لها أية نتائج لأنه لن تكون هناك مفاوضات سياسية مع السلطة الفلسطينية في ظل الحكومة الحالية.
علاوة على ذلك، اعتبرت الدوائر نفسها أن لقاء غانتس مع عباس ربما يكون مصنفًا ضمن العمل الأمني الملتزم بالواقع في الضفة الغربية، لأن بينيت نفسه لم يتطرق إلى القضية الفلسطينية في خطابه الأخير في الأمم المتحدة.
يمكن ربط هذه اللقاءات الفلسطينية الإسرائيلية المتزايدة بزيادة الحديث الأمريكي عن إمكانية استئناف العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وما قيل عن الضغوط التي مارستها إدارة الرئيس جو بايدن على بينيت للعودة تدريجياً إلى العلاقات مع السلطة الفلسطينية. لذلك، يعرب اليمين الإسرائيلي عن قلقه من عودة المطلب الأمريكي بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، الأمر الذي يثير سلسلة من ردود الفعل الإسرائيلية الرافضة لعودة اللاجئين وتعزيز الوحدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
كما تتزامن اللقاءات الفلسطينية الإسرائيلية مع عودة طاقم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وعودة عبارة “دولتان لشعبين”. ومع ذلك، فقد أثار هذا عددًا من الأسئلة من قبل الإسرائيليين المعارضين لهذا الخيار، بما في ذلك طبيعة الفلسطينيين الذين سيكونون مواطنين في الدولة الفلسطينية المستقبلية. هل ستقتصر على سكان المنطقة (أ) في الضفة الغربية؟ وإلى أي مدى ستتمتع السلطة الفلسطينية فعليًا بحكم شبه ذاتي دون الوصول إلى دولة مستقلة؟ هل يجب إضافة غزة إلى هذه الدولة؟ وماذا عن الخمسة ملايين لاجئ فلسطيني الذين انتظروا 73 عاما للتمتع بحق العودة، وإلى أي منطقة سيعودون؟
وتجدر الإشارة إلى أن غانتس، على سبيل المثال، الذي يبدو أنه يشجع الاتفاق مع التوجهات الأمريكية، لا يُظهر نفس الحماس لحل الدولتين، خاصة بسبب تحفظاته على حق العودة للاجئين الفلسطينيين. لذلك فإن فحص هذا المشهد يثير مشكلتين جيواستراتيجيتين بالنسبة لإسرائيل؛ أولهما كيفية ارتباط الضفة الغربية بقطاع غزة، لأن أي ارتباط بينهما سيقسم إسرائيل إلى جانبين ويعرضها لخطر الغارات والهجمات التي يروج لها المعسكر اليميني الإسرائيلي.
علاوة على ذلك، فإن هذه الذريعة الإسرائيلية تقوم على افتراض أن هناك 70 كيلومترًا بين الأردن والبحر، أي إذا قامت الدولة الفلسطينية فسيكون لإسرائيل عمق 15 كيلومترًا في وسطها، وهذه نقطة ضعف بالنسبة لها، حيث ستكون في مرمى نيران الصواريخ من الجبال. في هذه الحالة، يتذكر الإسرائيليون الواقع الذي نشأ في غزة بعد الانسحاب منها، والانخفاض في مستوى الأمن الذي يجب أن يتوقعه الإسرائيليون، بينما فتحت الحرب الأخيرة مع غزة نافذة أمنية أمام عامل مهم لم يؤخذ في الاعتبار حتى الآن: الخريطة الجغرافية الاستراتيجية.
كل الذرائع الإسرائيلية اليمينية لرفضها لقاء السلطة وتحفظاتها على التحركات السياسية الأمريكية لإحياء حل الدولتين، تجعل أيادي وأقدام الحكومة الحالية مقيدة. لذلك فإن النتيجة المتوقعة هي استمرار حالة التوتر داخل الحكومة الائتلافية، ما لم يتمكن بينيت من منع وزرائه من الاستمرار في عقد اجتماعاتهم. في هذه الحالة، قد يواجه سيناريو تفكك ائتلافه الهش بالفعل أو التصادم مع إدارة بايدن. هذان الخياران بعيدان عما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي، فهو يسعى إلى تثبيت قدميه في منصبه بأي ثمن.
اضف تعليقا