من الممكن القول إن الإسلاميين في الجزائر حققوا نصف انتصار ونصف هزيمة في الانتخابات التشريعية، التي جرت منتصف شهر يونيو/ حزيران الجاري، وذلك بعد قدرتهم على مضاعفة حصتهم من المقاعد البرلمانية، لكنهم ضيعوا فرصة الفوز بالمرتبة الأولى، وتشكيل الحكومة.
وشاركت في هذه الانتخابات 6 أحزاب ذات مرجعية إسلامية، من توجهين سياسيين مختلفين؛ الأولى متمثلة في التيار المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين ممثلا في حركة مجتمع السلم، وحركة البناء الوطني المنشقة عنها.
أما التوجه السياسي الثاني فيتمثل في التيار النهضوي، الذي أسسه عبد الله جاب الله، ويضم كلا من جبهة العدالة والتنمية، وحركة النهضة وحركة الإصلاح، وجبهة الجزائر الجديدة المنشقة عن الأخيرة بقيادة الصحفي والنائب السابق جمال بن عبد السلام.
- مضاعفة المقاعد..
حصدت حركة مجتمع السلم على 64 مقعدًا في الانتخابات الأخيرة، بينما كان نصيبها في انتخابات 2017 نحو 34 مقعدًا، ما يعني أن الحركة تمكنت من مضاعفة عدد مقاعدها، وكذلك ثبّتت زعامتها على التيار الإسلامي برمته.
وتعد هذه النتيجة الأفضل بالنسبة للحركة بعد انتخابات عام 1997، حينما حلت ثانية بعد التجمع الوطني الديمقراطي بـ65 مقعدا، وقالت حينها إن التزوير حرمها من المرتبة الأولى.
- “مجتمع السلم” أعلنت تصدرها.. ثم تراجعت
وكانت حركة مجتمع السلم طامحة في أن يؤدي ضعف حزبي الموالاة (جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي) إلى تصدرها لنتائج الانتخابات البرلمانية، وأعلن رئيسها عبد الرزاق مقري، استعداده لتشكيل الحكومة إن فازت حركته في الانتخابات.
والمفارقة أن الحركة أعلنت، بعد يوم من الانتخابات، عن تصدرها للانتخابات قبل ظهور النتائج الرسمية، وحذرت من “محاولات واسعة لتغيير النتائج وفق السلوكيات السابقة”.
لكن يبدو أن الرد الحاسم من السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، على هذه التهم ووصفها ذلك بـ”الافتراء”، دفع الحركة للتراجع قليلا.
وقال مقري، في مقابلة مع قناة الجزيرة مباشر، إن “هناك دلائل قوية تؤكد وجود تلاعب في نتائج الانتخابات التشريعية”.
ولفت إلى أنه “خلال الساعات الأولى لعمليات فرز الأصوات كانت الحركة في مقدمة الأحزاب الفائزة، لكن حدث بعد ذلك تلاعب في المحاضر وعدم تسليم بعضها”.
- مقاعد في المهجر للمرة الأولى..
ورغم حلول حركة مجتمع السلم، في المرتبة الثالثة خلف كل من جبهة التحرير الوطني (105 مقاعد) والأحرار (78 مقعدا)، إلا أن مقري يرى أنهم حصلوا على المرتبة الثانية بين الأحزاب، مستبعدا كتلة الأحرار.
والمفاجأة التي حققتها حركة مجتمع السلم، تتمثل في حصولها على 3 مقاعد من إجمالي 8 مقاعد المخصصة للجالية في الخارج.
وهذه المرة الأولى التي تفوز فيها الحركة بمقاعد في المهجر، خاصة بالدوائر الانتخابية لشمال وجنوب فرنسا والولايات المتحدة وبقية أوروبا، بينما لم تحصل على أي مقعد في منطقة العالم العربي وإفريقيا وآسيا وأوقيانوسيا.
- حركة البناء.. تواجد ثقيل
لم يكن يُنظر إلى حركة البناء -التي أُسست عام 2014- سوى أنها واحدة من ضمن الحركات المنشقة عن حركة مجتمع السلم، وكان يُتوقع أنها ستلقى نفس مصير حركة التغيير بالاندماج في الحركة الأم، أو الاندثار والتراجع مثلما حدث مع حركتي النهضة والإصلاح.
حاولت حركة البناء تفادي هذا السيناريو حين تأسيسها، فكان خيارها التحالف مع حركة النهضة، وجبهة العدالة والتنمية بقيادة جاب الله، وحصد ثلاثتهم على كتلة برلمانية مكونة من 15 نائبا.
لكن حدثت المفاجأة عام 2019، فقد تحولت حركة البناء من حزب يقاتل من أجل البقاء، إلى قوة سياسية تنافس الكبار. حيث جرى تغيير على رأس قيادتها فاستبدل رئيسها التاريخي مصطفى بلمهدي، وعُيّن بدلا منه وزير السياحة السابق، عبد القادر بن قرينة.
ووقف الحظ في صف بن قرينة، حين ترشح لانتخابات الرئاسة عام 2019، ليكون الممثل الوحيد حينها عن التيار الإسلامي، وكانت تلك فرصة ليفرض نفسه على الساحة السياسية الجزائرية بشخصيته المميزة وتصريحاته المثيرة للجدل، فحقق مفاجأة كبيرة عندما حصد مليون ونصف مليون صوت، وحلّ ثانيا بعد المرشح عبد المجيد تبون، الذي أصبح رئيسا.
وبهذه النتيجة، اعتبر بن قرينة أنها دليل على أن حزبه بات “القوة السياسية الثانية” في البلد، لكن برلمان 2021 أثبت صحة هذا الادعاء، حيث أتى حزبه في المرتبة السادسة بين الكتل البرلمانية، والخامسة بين الأحزاب.
لكن حصول حركة البناء على 40 مقعدا كان مفاجأة حقيقية، خاصة عندما اكتسح جميع مقاعد ولاية مستغانم الساحلية والهامة بالغرب الجزائري، وأخذ جميع مقاعدها الثمانية.
وعلى النقيض من مقري الذي يفضل قيادة المعارضة، فإن المشاركة في الحكومة خيار استراتيجي لحركة البناء، فهو أحد الأسباب التي أدت إلى انشقاق عدد من قادتها عن حركة مجتمع السلم.
لذلك ليس من المستبعد أن تشكل حركة البناء حزاما برلمانيا داعما لحكومة الرئيس المقبلة.
- تراجع التيار النهضوي..
من جهة أخرى، كانت نتيجة هذه الانتخابات هي الأسوأ بالنسبة للأحزاب التي ولدت من رحم حركة النهضة.
حيث انقسم الحزب الواحد إلى أربعة، وكان الصدام بين المنقسمين حادًا ومدمرًا للجميع، لا سيما في عام 2007، عندما تشكلت حركة تقويمية إصلاحية أطاحت بجاب الله، من رئاسة حركة الإصلاح الوطني.
ومنذ ذلك التاريخ فقدَ التيار النهضوي ثقله وتأثيره، حتى في مناطق نفوذه التقليدية في الشرق الجزائري، مثل عنابة وقسنطينة وسكيكدة وسوق اهراس.
وبدأ نشاط التيار النهضوي، بقيادة جاب الله، في سبعينيات القرن الماضي، ثم تحول إلى حزب سياسي عام 1990 تحت اسم “حركة النهضة الإسلامية”، عقب سماح السلطة، آنذاك، بتعدد الأحزاب إثر تعديل الدستور عام 1989.
ثم خرج من رحم حركة النهضة كل من جبهة العدالة والتنمية، وجبهة الجزائر الجديدة، وحركة الإصلاح.
وفي برلمانيات 2021، لم يتحصل حزب جاب الله (العدالة والتنمية) سوى على مقعدين فقط، بالرغم من أنه كان قريبا من الحراك الشعبي، وداعما له، لكنه راح ضحية المقاطعة التي حذر منها خلال الحملة الانتخابية.
أما جبهة الجزائر الجديدة، التي يقودها الإسلامي الأمازيغي جمال بن عبد السلام، فلم تحقق سوى مقعد واحد فقط، وهي نفس نتيجة انتخابات 2017، رغم محاولتها الانفتاح على مثقفين وكوادر من خارج التيار الإسلامي.
لكن مصيبة حركتي النهضة والإصلاح، كانت أشد وقعا، بعدما لم يحصلا على أي مقعد، لأول مرة منذ تأسيسهما، ودخلا قاموس الأحزاب المجهرية، مما قد يؤدي إلى انحلالهما أو اندماجهما في أحزاب أخرى.
فتشريعيات 2021، لم تنقل الإسلاميين إلى رئاسة الحكومة، لكنها صعدت عاليا بأسهم التيار المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، بينما تلقت أحزاب التيار النهضوي صدمة قاسية، ستدفعها إما للتوحد أو التبدد.
اضف تعليقا