العدسة- معتز أشرف  

محاكمة عسكرية جديدة تضيف أحكاما أخرى بإزهاق الحياة إلى سجل الإعدامات المفتوح في مصر على مصراعيه، لتتجدد المخاوف الحقوقية والشعبية من استمرار المضي في رفع حبل المشنقة في وجه المصريين، رغم المناشدات الدولية والتحرك الحقوقي المناهض، بالتزامن مع انطلاق إجراءات الانتخابات الرئاسية التي تذهب كثير من التقديرات إلى كونها استفتاء على الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي.

وأيدت محكمة شمال القاهرة العسكرية، الحكم بالإعدام على 4 مصريين حضوريا، وهم : محمد بهي الدين، خالد صلاح الدين، أسامة عبد الله محمد، محمود محمد سعيد، و4 غيابيا، هم :  “جاد محمد جاد، حسام الصغير، علاء على علي، الحسيني محمد صبيري ” في اتهام مليء بالعوار والنقائض، باغتيال العقيد وائل طاحون، ضابط الأمن العام، في عام 2015، بعد أيام قلائل من تنفيذ الحكم، في ديسمبر الماضي، على 4 شبان في القضية المعروفة بتفجير إستاد كفر الشيخ، و15 شابا فيما عرف بأحداث العريش .

بحسب إحصائية للائتلاف المصري لوقف تنفيذ الإعدام، المكون من العديد من المنظمات الحقوقية المصرية في الداخل والخارج، والذي يراقب أحكام الإعدام على خلفية سياسية وتعبير عن الآراء، فإن عدد المحكوم عليهم بالإعدام غيابيا 325، بينما عدد المحكوم عليهم حضوريا 1162، فيما تبلغ عدد قضايا الإعدام 64 قضية، وعدد المحالين لمفتي الديار المصرية بحسب القانون الذي يقضي باستشارته قبل الحكم النهائي بالإعدام بلغ 1487، وكان الشاب محمود رمضان أول من نفذ بحقه الإعدام، عقب الانقلاب في 7 مارس 2015، فيما كان أبرز القضاة المتصلين بقضايا الإعدام المستشارون محمد ناجي شحاتة، وشعبان الشامي ومعتز خفاجي .

أسماء المحكوم عليهم

وبحسب إحصائية أعدتها منظمة العفو الدولية، تشير الأرقام إلى زيادة صدور أحكام بالإعدام في مصر على الخلفية السياسية بجانب الجنائية، إذ كانت 40 حكماً عام 2007، وصلت إلى 269 في 2009، ثم 123 في 2011، إلى أن أصبحت أكثر من 500 حكم عام 2014، ووصلت لأكثر من 600 في عامي 2015 و2016 .

ويرى مراقبون أن الكثير من القضاة أسرف في الحكم بأقصى العقوبة المقررة قانونا ودون سند من القانون، سواء كانت العقوبة هي الإعدام أو السجن المؤبد، ففي قضية اقتحام مركز شرطة مطاي قضىت دائرة سعيد يوسف بإعدام 37 متهما، وبالسجن المؤبد على 394 متهما وقضت بنقض الحكم وإعادة المحاكمة، فقضت المحكمة بإعدام 12 متهما وبالسجن المؤبد على 140 متهما، وببراءة 238 متهما كان محكوما عليهم بالإعدام والمؤبد، والخطير في الأمر هو ما قالته أرملة نائب المأمور المجني عليه من أن المتهمين المحكوم عليهم ليسوا هم من قتلوا زوجها، وأن قتلته مازالوا هاربين، وفي قضية كرداسة قضت دائرة ناجي شحاته بإعدام 183 متهما، وتم نقض الحكم لابتنائه على التحريات وحدها، وبعد إعادة المحاكمة قضي بإعدام 20 متهما فقط، وبراءة 21 متهما ممن قضي بإعدامهم، وبالسجن للباقين بين المؤقت والمؤبد، وفي قضية غرفة عمليات رابعة قضت المحكمة بإعدام 14 متهما، وبالسجن المؤبد لـ 37 متهما، وتم نقض الحكم، وفي إعادة المحاكمة قضي بإلغاء عقوبة الإعدام ومعاقبة 3 فقط بالسجن المؤبد، وبالسجن 5 سنوات لـ 15 متهما وبراءة 21 متهما ممن كان محكوما عليهم بالإعدام والمؤبد، وفي الجناية 58 لسنة 2015 عسكرية، والخاصة بقتل 4 أشخاص، والشروع في قتل 8 آخرين، والتعدي على المنشآت العامة، واستعمال القوة والعنف مع الشرطة والجيش، تم تقديم 116 متهما، قضت المحكمة عليهم جميعا بالسجن المؤبد، وكان من بينهم الطفل أحمد قرني شرارة، البالغ من العمر 4 سنوات، وقدم دفاعه شهادة ميلاده للنيابة العامة وللمحكمة، وسمير عبد الرحيم الموجود خارج البلاد وقت الحادث، وقدم دفاعه شهادة مصلحة الجوازات التى تثبت ذلك، وفي الجناية 5192 لسنة 2015 الدقي، قضت المحكمة بإعدام 11 متهما، وبالسجن المؤبد ل 14 متهما، واستندت في إدانتها لعدد من المتهمين -من بينهم عبد الرحمن محمد حسن- إلى التحريات وحدها، وقضت بإعدامه .

حملات مناهضة

كانت عقوبة الإعدام من أكثر العقوبات التي شهدت حملات مناهضة في مصر منذ الإعلان عن الانقلاب العسكري في مصر في يوليو 2013، حيث دشنت العديد من المنظمات أبواق رافضة، منها التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، التي أطلقت حملة “إعدام وطن”  في النصف الأول من العام 2016، بدعم من منظمات حقوقية دولية ومحلية عديدة، ومنظمة “هيومان رايتس مونيتور”، و”مركز الشهاب لحقوق الإنسان” و”المرصد العربي لحرية الإعلام”، و”رابطة أسر معتقلي برج العرب”، و”منظمة إنسانية للحقوق والحريات”، و”المنظمة المصرية الأمريكية للحرية والعدالة”، ثم تتطورت الحملات مع استمرار الإعدامات إلى تدشين الاتئلاف المصري لوقف تنفيذ عقوبة الإعدام في عام 2017 .

وطالبت حملة إعدام وطن في 2016 بـ”وقف تنفيذ عقوبة الإعدام بمصر نهائيا في هذه الفترة، وذلك حتى يتم استقرار الأوضاع السياسية، ووقف محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية بشكل تام”، وهو ما كرره في عام 2017 الائتلاف المصري لوقف تنفيذ عقوبة الإعدام، مؤكدا أن جميع تلك الأحكام تصدر دون الاعتداد بالإجراءات القانونية ما يحتم وقف محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، ووقف تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة، وبالخصوص في ظل الأوضاع التي تمر بها مصر مع عدم الاستقرار، ولكنها مطالبات ذهبت أدراج الرياح .

وفي ذات الاتجاه دشنت حملة “إعدام إنسان” تحت شعار “معا ضد إعدام المعارضين السياسيين بأحكام ظالمة”، بمشاركة 30 منظمة حقوقية وقوى سياسية مصرية، واستغلت  اليوم العالمي لمناهضة الإعدام في 10 أكتوبر  2016 للترويج لنشاطها، مؤكدة أن مصر تحتل المرتبة الأولى في “إصدار الأحكام الجزافية التي تقضي بالإعدام بحق مُناهضي السلطات الحالية بعد أن بات القضاء سلاحا ووسيلة انتقام وتصفية لخصومه السياسيين دون اعتبار لأدنى معايير نزاهة الأحكام القضائية أو عدالتها”.

 

من جانبها أعلنت المفوضية الإفريقية لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب رفضها لأحكام الإعدام الصادرة في مصر، وأرسلت إلى مصر العديد من البيانات المطالبة بوقفها، وعزمها  المضي قدما في إجراء تحقيق كامل في المزاعم التي وردت في شكاوى وصلت إليها حول أحكام الإعدام صادرة بحق عشرين شخصا في خمس قضايا منفصلة مطالبة،  الحكومة المصرية بتقديم تقريرها حول تنفيذ قرار توقيف الأحكام خلال خمسة عشر يوما من تاريخ الرسالة.

مرافعة قضائية وسياسية

وزير العدل المصري الأسبق المستشار أحمد سليمان، قدم مرافعة قضائية وسياسية في بيان مطلع العام الجاري، تحت عنوان “أوقفوا عقوبة الإعدام”، شمل انتقادا واسعا لكل الأحكام التي تصدر وصدرت، ومطالبة بالتوقف عن تنفيذ الإعدامات لحين وقت آخر، مؤكدا أن النظام القائم في مصر يحتقر القانون والدستور ولا يعبأ بهما، وتتلبسه رغبة عارمة في تصفية خصومه، كما أن القضاء المصري المدني والعسكري يمر بمحنة لم يمر بها من قبل، فأصبح يخالف أحكام القانون علنا وعمدا، ولا يبالي بمصادرة حقوق الدفاع ويقضي في العديد من الدعاوى على خصوم النظام بالسجن المؤبد والإعدام للمئات دون دليل قانوني معتبر، واستنادا لمحاضر التحريات وحدها، ومن ثم اهتزت ثقة الرأي العام في أحكام القضاء في الداخل والخارج .

الأسباب التي دعت القاضي السابق -الذي أطيح به من القضاء فيما يعرف في مصر بمذبحة القضاء الثانية- يتصدرها أن السلطة القائمة منذ وقوع الانقلاب أسندت للعديد من أبناء مصر أفعالا لا يعاقب عليها القانون، ورغم ذلك تقرر النيابة العامة حبسهم، مضيفا أن دوائر الإرهاب تم تشكيلها من قضاة معينين للفصل في قضايا بعينها، والكثير منهم تحوم حوله الشبهات، وكانت لبعضهم تحقيقات مفتوحة، تم إغلاقها قبيل تشكيل هذه المحاكم، وقد أهدر الكثير منهم قواعد القانون وضمانات المحاكمات العادلة، كما فعلت دائرة سعيد يوسف برفضها منح المتهين في قضيتى اقتحام مركزي العدوة ومطاي أجلا لرد المحكمة، وعدم سماعها لدفاع المتهمين، ونظر القضيتين اللتين زاد عدد المتهمين في كل منهما على 500 متهم في سويعات قليلة في جلستين فقط، ثم أحال جميع المتهمين على اختلاف مواقفهم للمفتي لاستطلاع رأيه في إعدامهم، وكذلك القاضي شيرين فهمي الذي قضى بمفرده دون عضوي الدائرة بإعدام المتهمين في قضية عادل حبارة، وهي مخالفة صارخة تدل على مدى جبروت القاضي.