خلفية
في واقعة مثيرة للجدل قامت صحيفة “مكة” السعودية الجمعة 10 مايو/أيار الجاري بحذف خبراً حول إدراج 40 شخصية عربية معروفة على قوائم الإرهاب بعد ساعات من نشره على النسخة الإليكترونية وحساب تويتر التابع لها.
الخبر ورد فيه قائمة مكونة من 40 شخصاً زعمت الصحيفة أنهم إرهابيون عالميون تأثروا بأفكار جماعة الإخوان المسلمين التي وصفتها بـ” الإرهابية”، وكان من بينهم كمؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس الشيخ الشهيد أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي اللذين اغتالتهما إسرائيل، ورئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية وعدد من قياداتها البارزين، بالإضافة إلى شخصيات مؤثرة كالدكتور يوسف القرضاوي- رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والرئيس المصري المعزول محمد مرسي، والقيادي بجماعة الإخوان محمد البلتاجي، وعدد من رموز الجماعة المتوفين كمؤسسها حسن البنا، وسيد قطب، والذي وصفته بأنه الزعيم الفعلي للجماعة.
وأضافت الصحيفة في الخبر المحذوف، أن الإخوان لديهم روابط أيديولوجية مع الجماعات “الإرهابية” العنيفة، مثل تنظيم القاعدة وداعش وجبهة النصرة وغيرها.
الخبر المُشار إليه لاقى هجوماً عنيفاً وانتقادات واسعة في صفوف النشطاء والمفكرين والكتاب العرب على مواقع التواصل الاجتماعي لما حملته قائمة “الإرهابيين” المزعومة توجهاً ضد مقاومة الاحتلال الصهيوني لاشتمالها على شخصيات معروفة بمقاومتها لإسرائيل، إضافة لتواجد بعض ممن وردت أسماءهم داخل السعودية كالشيخ عبد المجيد الزنداني، ومن المُرجح أن هذا الهجوم هو ما دفع القائمين على الصحيفة بنشر الخبر.
صحيفة “مكة” استندت في خبرها إلى تقرير نُشر على موقع Counter Extremism Project (مشروع مكافحة التطرف CEP)، وهو مركز غير ربحي مقره واشنطن، يزعم أنه يحارب الكيانات المتطرفة ويكافح التهديد المتزايد الذي تشكله أيديولوجياتهم، وذلك بالضغط على قنوات الدعم المالي والمادي لهم، والتصدي للخطاب المتطرف وأساليبهم في التجنيد الإليكتروني، إلا أن الواقع يؤكد أن المركز يدعم السياسات الصهيونية ويسعى جاهداً لشيطنة الكيانات الرافضة لها وللتمدد الصهيوني في الوطن العربي عامة وفي فلسطين خاصة، حيث تتم تلك الجهود برعاية رموز ودبلوماسيين معروف عنهم دعمهم وتأييدهم لإسرائيل ومعاداتهم لأي كيان أو دولة تعتبرها إسرائيل عدو، فيرأس المركز فرانسيس تاونسند- مستشارة الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش، ويشغل منصب مديره التنفيذي رجل الأعمال الأمريكي مارك والس.
يضم مجلس إدارة المركز عدداً من المستشارين أصحاب توجه صهيوني مباشر، كالمبعوث الأميركي السابق إلى الشرق الأوسط- دينيس روس، والمعروف عنه تأييده للمخطط الصهيوني ذو حل “الدولة الواحدة”، والذي يعبر عنه بصورة مباشرة أو غير مباشرة في لقاءات ومؤتمرات عدة، كثير منها يتم برعاية أو بحضور محمد دحلان، والمعروف عنه مناهضته لأفكار حركة حماس، عدو إسرائيل الأول.
كما يضم المجلس أمريكيين من أصول مصرية كالبروفسيور هاني فريد، والمعروف عنه معاداته لجماعة الإخوان المسلمين وأفكارها، وبالتالي تأييده بصورة أو بأخرى للنظام الحالي في مصر وحليفتها إسرائيل، والتي تعتبر حماس جماعة إرهابية كما يعتبر هو.
إسرائيل والإعلام السعودي
واقعة نشر الخبر وحذفه على موقع صحيفة سعودية تابعة للحكومة تؤكد بصورة أو بأخرى ترحيب الإعلام السعودي بسياسات التطبيع المنادي بها الأمير الشاب محمد بن سلمان منذ توليه ولاية العهد في يونيو/حزيران 2017، فالإعلام السعودي بشكل عام أصبح تابعاً للحركة الصهيونية أو بمعنى أدق أصبح بوقاً للمسؤولين الإسرائيليين يُنشر فيه الرؤى والأفكار الصهيونية اليمينية المتطرفة، حيث بات اليمين المتطرف الآن المتحكم في سدة الحكم في إسرائيل.
مؤسسات إعلامية سعودية كصحيفة مكة، وصحيفة الخليج الإليكترونية، وصحيفة “إيلاف” من أبرز تلك الأبواق التي أصبح شغلها الشاغل الترويج لتطبيع العلاقات مع إسرائيل والتعامل معها باعتبارها وجهة نظر، وليس جريمة كما كان يُنظر لها في العالم العربي في الماضي، وباتت تلك الصحف تزحف نحو الدعوة السلام المزعوم والخضوع أمام الكيان الصهيوني، بشكل لا يتم التحدث فيه فيه حتى عن حقوق الشعب الفلسطيني، بل أصبح التحدث عن القضية الفلسطينية باعتبارها عقبة أمام تحقيق السلام المنشود من “صفقة القرن” التي وبفحص بنودها المسربة تسعى لإجبار الشعب الفلسطيني للتنازل عن حقوقه أمام مصالح الاحتلال الإسرائيلي.
صحيفة “إيلاف”، أو كما يسميها البعض “هنا تل أبيب” تُعد المثال الأبرز على التطبيع السعودي الإسرائيلي، فالصحيفة السعودية أصبحت الآن منبراً للكيان الصهيوني الناقل لوجهة نظره بالعربية، وصوتها العنصري المدافع عن جرائم الاحتلال بإجراء حوارات مع شخصيات إسرائيلية بارزة ومسؤولين، كرئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، والمتحد الرسمي باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، وغيرهم من الوزراء الإسرائيليين.
صحيفة الخليج الإلكترونية، ضمن مشهد زحف وسائل الإعلام السعودية نحو إسرائيل، نشرت في يوليو/تموز الماضي مقالاً للكاتب دحام العنزي بعنوان “نعم لسفارة إسرائيلية في الرياض وعلاقات طبيعية ضمن المبادرة السعودية”، دعا فيه لإقامة علاقات طبيعية بين البلدين مؤكداً أن المصلحة تقتضي بأن تصبح إسرائيل حليفًا في مواجهة ما وصفهما بالمشروعين الفارسي والعثماني في المنطقة، وأول الخطوات على طريق تلك “العلاقات الطبيعية” هو افتتاح سفارة للرياض في إسرائيل، وافتتاح سفارة لإسرائيل في السعودية.
من ناحية أخرى أصبح النُخب والرموز السعودية الإعلامية والثقافية ضيوف شرف على عناوين الصحف الإسرائيلية، التي أصبحت تشيد بمواقفهم من التطبيع بشكل عام، ومن القضية الفلسطينية بشكل خاص، وذلك كما حدث مؤخراً مع صحيفة جورزليم بوست، والتي احتفت في عددها الصادر الثلاثاء 07 مايو/أيار الجاري بتعليقات عدد من الكتاب والصحفيين السعوديين كعبد الحميد الحكيم، وتركي الحمد، وعبد الحميد الغبين، التي أعربوا فيها عن دعمهم للعدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، ومهاجمة أي رد فعل تقوم به فصائل المقاومة الفلسطينية رداً على ذلك العدوان وهو ما باركته صفحة إسرائيل بالعربية أيضاً.
وفي مايو/أيار 2018 نشر الكاتب السعودية خالد الأشاعرة تغريدة على حسابه عبر “تويتر” قائلاً “(اللهم انصر بني إسرائيل على عدوهم وعدونا، اللهم إن كان من الفلسطينيين قد باعوا أرضهم ثم نقضوا بيعهم وخانوا المسلمين وظاهروا عليهم تحت راية المجوس ثم قذفوا المسلمات وبهتوا المسلمين وقتلوا المسلمين بسوريا واستكبروا فشتتهم واخذلهم، وانصر بني إسرائيل عليهم).
أما الكاتب السعودي “مشعل أبا الودع” حاول استرضاء إسرائيل بتقديمه اعتذاراً لها عما أسماه “ظلم الإعلام لها طيلة 70 عاما”!.، جاء ذلك في سبتمبر/أيلول 2018 حين قام بالتعليق على منشور نشره حساب “(إسرائيل) بالعربية”، التابع للخارجية الإسرائيلية، في “تويتر”، حاولت من خلاله الترويج للتسامح الإسرائيلي مع المسلمين بإظهار إحدى النساء المسلمين تصلي في مكان تابع لليهود، ليقوم “أبو الودع” بالتعليق على المنشور قائلاً “حرية الأديان في (إسرائيل) وليس بالعالم قاطبة.. تويتر أظهر حقيقة (إسرائيل) لنا بعد سبعين عام من ظلم الإعلام”
الاقتناع بخطوة التطبيع بين صفوف الكتاب والصحفيين لم تقف عند كونها وجهات نظر يتم تناقلها عبر الصفحات الشخصية أو وسائل الإعلام المحلية وحسب، بل وصل حد قيام بعض الكتاب السعوديون بالحلول كضيوف على شاشات القنوات الإسرائيلية مهللين للتطبيع، كما حدث مع الكاتب والصحفي السعودي عبد الحميد الغبين، والذي حل ضيفاً على شاشة قناة “i24 NEWS” الإسرائيلية 21 ديسمبر/كانون الأول الماضي، مصرحاً بأن إسرائيل لا تشكل خطراً وجودياً على السعودية، متوقعاً أن تقوم بلاده بالتطبيع معها في غضون عامين”، مضيفاً أن “الاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل سيؤدي إلى السلام في المنطقة”.، ومؤكداً أنه “ليس مهماً من يدير الأماكن المقدسة في القدس المحتلة، طالما كان بإمكان أي مسلم زيارتها”، لافتاً إلى أن القضية الفلسطينية لم تعد مهمة”، على حد زعمه.
وهو ذاته الكاتب الذي زعم وجود حق تاريخي ذكر في “القرآن” للإسرائيليين في أرض فلسطين، وأنهم الأولى بها من الفلسطينيين أنفسهم، وذلك خلال لقائه مع وكالة “روسيا اليوم” في يناير/كانون الثاني 2019، وهو لقاء أثار موجات من السخط في وسائل تواصل الاجتماعي، إلا أنه عاود إعلانه تأييده التطبيع مع إسرائيل في مارس/آذار 2019 حيث بارك لها اعتراف ترامب بأحقيتها في الجولان.
التناغم السعودي الإسرائيلي والتمهيد العلني للتطبيع
خطوات التطبيع مع إسرائيل بدأ التمهيد لها قبل تولي بن سلمان ولاية العهد بكثير، فبحسب بعض التقارير فإنّ توقيع مصر والسعودية لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية “تيران وصنافير”، شكل بوابة للتقارب والتطبيع بين السعودية وإسرائيل جغرافيًا لوجود ممر ملاحي مشترك بين الدولتين، فبتوقيع تلك الاتفاقية انضمت السعودية إلى كل من إسرائيل ومصر في شراكتهما الاستراتيجية القائمة منذ توقيع الطرفين لاتفاقية السلام دون تنازلات إسرائيلية لصالح دولة فلسطينية، وعليه تكون السعودية قد نقضت عنصرًا أساسيًا في مبادرة السلام العربية.
والآن لم يصبح لدى الرياض أدنى شك في أهمية التطبيع مع إسرائيل، وبات التقارب السعودي الإسرائيلي هو حجر الأساس في محاولات ولي العهد محمد بن سلمان المستميتة لتحقيق أي انتصارات تُحسب له قبل تولي سدة الحكم في المستقبل.
ولي العهد روج للتطبيع مع إسرائيل باعتباره طوق النجاة في مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة العربية، والذي يشكل تهديداً على نظام آل سعود بصورة مباشرة، فإسرائيل تعتبر إيران عدواً، وكذلك الرياض، التي سعت للتحالف معها من منطلق “عدو عدوي صديقي”، وليتم ذلك كان لابد للسعودية من تقديم تنازلات حتى تحظى بإسرائيل حليفاً، فبدأتها بالحديث عن إمكانية حدوث تطبيع بين البلدين، تطور إلى التحدث عن المصلحة الناتجة عن ذلك التطبيع، ثم غيرت من تعليقاتها على أي عدوان إسرائيلي على غزة أو حماس التي أدرجتها بطبيعة الحال على قائمة الكيانات الإرهابية، وأخيراً أصبحت أكبر مروج لما يسمى بـ “صفقة القرن، كما أن التقارب السعودي الإسرائيلي سيزيد من نقاط السعودية لدى الولايات المتحدة، الحليف الأكبر لإسرائيل.
العداء للمقاومة الفلسطينية أصبح قاسماً مشتركاً بين مملكة ابن سلمان وإسرائيل، وقد ظهرت ملامحه بشكل جليّ خلال تصريحات عادل الجبير وزير الخارجية السعودي في شهر حزيران/يونيو 2017، أثناء حديثه عن أسباب قطع العلاقات السعودية مع قطر، والتي قال فيها: “لقد طفح الكيل، على قطر التوقف عن دعم تنظيمات مثل حركة حماس”، وبعد تلك التصريحات بفترة وجيزة ظهر للعلن التوجه السعودي وموقفه من المقاومة الفلسطينية المتماشي مع الفكر الصهيوني قلباً وقالباً.
اضف تعليقا