أحمد حسين
يبدو أن وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية، أصبحت ساحة زاخرة للمعركة الكلامية بين السعودية والمغرب، تتبادل فيها المملكتان العربيتان تصفية الحسابات السياسية، وتوجيه الضربات تحت الحزام.
بجانب الإعلام كانت الساحة الدبلوماسية حاضرة بقوة، لكن من طرف واحد وبشكل غير رسمي أو معلن حتى الآن، وسط ترشيحات للأزمة أن تأخذ طريقها نحو التعقيد، وغبار توتر قد ينقشع عن قطيعة كاملة.
المغرب يرد الضربة
ولم تمر أيام على التقرير الذي نشرته قناة “العربية” السعودية بشأن النزاع على الصحراء الغربية وترويج وجهة نظر جبهة البوليساريو التي يحاربها المغرب، حتى ردت الرباط الضربة.
القناة المغربية الثانية الرسمية حذت حذو فضائية “الجزيرة” القطرية في تبني اتهام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول.
وعبر حسابها على تويتر نقلت القناة المغربية تصريحات مثيرة على لسان “أنييس كالامار”، المقررة الأممية الخاصة المعنية بحالات الإعدام التعسفي والمتواجدة في تركيا، قالت فيها إن “التحقيق في قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي خلص إلى أن الأدلة تظهر أنه كان ضحية قتل وحشي ومتعمد، خطط له ونفذه مسؤولون في الدولة السعودية”.
التصعيد المغربي، يأتي بعد أيام من عرض قناة العربية فيلما وثائقيا يدور حول الصحراء المتنازع عليها، ويدعم وجهة نظر جبهة البوليساريو التي تدعي أن المغرب غزاها بعد أن غادر المستعمرون الإسبان في عام 1975، بينما يقول المغرب إن الصحراء جزء أصيل من أرضه.
خارج سياق الإعلام، نقل المغرب المعركة إلى الدوائر السياسية والدبلوماسية عندما قرر استدعاء سفيره لدى السعودية، مصطفى المنصوري، اعتراضا على الفيلم الذي اعتبرته الرباط موجها “ضد الوحدة الترابية للمملكة المغربية”.
المنصوري، قال في تصريح لموقع “Le360” المغربي، أن “سبب استدعائه يتعلق بالمستجدات التي طرأت أخيرا على مستوى العلاقات بين البلدين، مشيرا إلى أنه جرى استدعاؤه إلى الرباط منذ ثلاثة أيام، قصد التشاور حول هذه المستجدات، معتبرا أن “الأمر عاد في العلاقات الدبلوماسية حينما تعبرها بعض السحب الباردة”.
وأشار إلى أن “الأمور سرعان ما ستعود إلى حالتها الطبيعية”، مذكرا بمتانة العلاقة التاريخية الأخوية التي تربط المملكتين المغربية والسعودية.
وكان لافتا أن الضربة السعودية في تقرير الصحراء جاءت أيضا ردا على المقابلة التليفزيونية التي أجرتها قناة “الجزيرة” مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، وكشف فيها بشكل غير مباشر انسحاب بلاده من التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
هل ترد الرياض؟ وكيف؟
الآن تبدو الكرة في الملعب السعودي، ويحين الدور على الرياض للرد على التصعيد المغربي، ليس عبر ساحة الإعلام فقط، بل ربما ننتظر ردا دبلوماسيا شبيها باستدعاء المغرب لسفيره، حتى ولو في سياق مبدأ المعاملة بالمثل.
الرد السعودي المرتقب عبر وسائل الإعلام سيكون واردا بقوة خلال الفترة المقبلة، سواء عبر الإعلام الرسمي المملوك للدولة، أو شبه الرسمي مثل العربية وغيرها، وذلك بإثارة قضية الصحراء لكن بتوسع أكثر وربما استضافة ممثلين للبوليساريو أو ما شابه.
ومن غير المستبعد أيضا في ظل تصاعد وتيرة الأزمة، أن تقدم السعودية على سحب أو استدعاء سفيرها في المغرب، كإجراء احتجاجي توفرت شروطه بما نفذه المغرب على ساحة الإعلام من خطوات هجومية.
بعيدا عن الرد بالمثل أو استخدام الإعلام، تبقى خيارات أخرى مطروحة يتوقع أن تتخذها الرياض، كأن تعترف بالبوليساريو أو تستضيف ممثلين عنها.
وتبقى ساحة الاقتصاد مليئة بمحاولات التصعيد السعودي المتوقعة، مثل التضييق على المغربيين المقيمين في السعودية الذين تتجاوز أعدادهم الخمسين ألفا في تقديرات غير رسمية، يضخون بالضرورة عملة صعبة تساهم في تقوية اقتصاد بلادهم المتردي.
أما عن سلاح المساعدات فحدث ولا حرج، حيث يمكن للرياض أن تستخدمه كورقة ضغط قوية على الرباط.
في أبريل 2016 قادت السعودية 4 دول خليجية لتوقيع اتفاق مساعدات للمغرب بقيمة 230 مليون دولار في إطار حزمة للدعم المالي مدتها خمس سنوات مقدمة من دول خليجية غنية.
وكانت السعودية وقطر والكويت والإمارات قد اتفقت في 2012 على تقديم مساعدات قيمتها الإجمالية 5 مليارات دولار للمغرب في الفترة من 2012 إلى 2017 لمساعدته في تجاوز احتجاجات الربيع العربي.
وفي تقرير لصندوق النقد الدولي، احتل المغرب المرتبة السابعة عربيا في تلقي المساعدات المالية السعودية، حيث بلغت 6.1 مليار ريال سعودي خلال الفترة من يناير 2011 إلى أبريل 2014، وهو ما يمثل نحو 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي المغربي.
بين الزعامة والمصالح
تميزت العلاقات المغربية السعودية منذ عقود بقوتها ومتانتها، فقلما برزت على السطح خلافات عميقة بين المملكتين، وهي العلاقة التي تعمقت بشكل مضطرد منذ ستينيات القرن الماضي، نتيجة التحالف بين المملكتين لمواجهة المد القومي الناصري الذي أعلن العداء للأنظمة الملكية، وهو المد الذي اجتاح شمال أفريقيا وجزء كبير من الشرق الأوسط، ولم تسلم منه في شمال أفريقيا إلا الملكية المغربية.
هذه المتانة عبرت عنها المواقف المتطابقة في أغلب القضايا الإقليمية والدولية، والتي بلغت سنة 2011 مع اندلاع شرارة الربيع العربي حد اقتراح انضمام المغرب رفقة الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي.
غير أنه ومنذ تصدر ابن سلمان للمشهد السياسي بالسعودية تمر العلاقات بين المملكتين بفتور غير مسبوق، عبرت عنه العديد من المشاهد والمؤشرات، كان أبرزها رفض المغرب التماهي مع الموقف السعودي المحاصر لقطر، وليس محاولة لعب دور الوسيط فقط بل تقديم مساعدات للدوحة وتبادل الزيارات الرسمية على أعلى المستويات.
ثم لاحقا رفض استقبال ولي العهد السعودي في الرباط خلال جولته المغاربية وتبرير ذلك بازدحام جدول أعمال الملك، والإعلان المبطن بالانسحاب من قوات التحالف التي تقودها الرياض باليمن.
الزعامة العربية والإسلامية التي كانت السعودية تتشبث بها، فضلا عن القوة الاقتصادية، يبدو أنها اصطدمت بجدار مغربي قوي من الاستقلالية ومحاولة الشب عن الطوق وإيصال رسالة مفادها أن مواقف الرباط وسياساتها تُبنى على مصالحها فقط وليس ما يمليه طرف دون آخر.
ومن أبرز المواقف والتحركات المتبادلة التي رسمت تفاصيل الأزمة:
-دعم السعودية للملف الأمريكي المشترك لاستضافة نهائيات كأس العالم لسنة 2026، على حساب المغرب.
-إلغاء العاهل السعودي لعطلته السنوية المعتادة بمدينة طنجة المغربية.
-اقتصار آخر زيارة للعاهل المغربي بعد بداية الأزمة الخليجية على الإمارات وقطر دون السعودية.
-رفض المغرب الاستجابة لمطلب السعودية بتجميد حسابات مصرفية لأمراء سعوديين، عقب حملة الاعتقالات في فندق “الريتز كارلتون”.
-امتناع المغرب عن إعلان دعمه وتبنيه للرواية السعودية عقب اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، كما فعلت بعض الدول العربية.
اضف تعليقا