لعدسة – منصور عطية
مرحلة جديدة من الصراع بين الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي والإمارات، تمثلت في الإطاحة بمحافظين ووزير، يمثلون رموز ما يسمى “المجلس الانتقالي الجنوبي” نواة الانفصال الذي تدعمه أبو ظبي بقوة.
هذه الإقالات ليست الأولى من نوعها على مدار العام الماضي، لكنها تأتي وسط متغيرات جديدة في المعادلة اليمنية أفرزها مقتل الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح أوائل الشهر الجاري.
فإلى أي مدى تواصل الإمارات مساعيها المناهضة لأهداف التحالف العربي لاستعادة الشرعية، وما هو موقف السعودية من كل ذلك؟.
إقالات ودلالات
قرارات هادي شملت تغييرات أمنية وإدارية وحكومية واسعة، لكن أكثر ما لفت الأنظار الإطاحة بثلاثة من الموالين للإمارات أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي، وهم: “ناصر الخبجي” من منصبه محافظًا للحج، و”فضل الجعدي” من الضالع، وإقصاء “عادل الحليمي” من وزارة النقل.
ولعل الدلالة الأبرز في تلك القرارات أن هؤلاء المستبعدين حل مكانهم شخصيات مناوئة للمجلس الانتقالي وللإمارات ودورها المشبوه في اليمن، وهم: اللواء ركن علي مقبل صالح محافظًا للضالع إلى جانب مهامه قائدًا للواء 33 مدرع قائدًا لمحور الضالع، والعميد ركن أحمد عبد الله التركي محافظًا للحج قائدًا للواء 17 مشاة، وصالح أحمد الجبواني وزيرًا للنقل.
السياق الزمني هو الآخر يحمل دلالات قوية، حيث جاءت القرارات بعد يوم واحد من انعقاد “الجمعية الوطنية العمومية” التي أعلنها المجلس الانتقالي في عدن على أساس أن تشكل برلمانًا يضم محافظات الجنوب.
وكان المجلس الانفصالي، الذي يرأسه محافظ عدن المقال “عيدروس الزبيدي”، قرر في اجتماعه السبت الماضي، اختيار اللواء “أحمد بن بريك”، محافظ حضرموت السابق رئيسًا للجمعية الوطنية العمومية، التي تضم 300 عضو من قيادات الانفصال بالمحافظات الجنوبية.
هذه الجمعية تعد لبنة أخرى من لبنات مشروع الانفصال الذي ترعاه الإمارات بقوة، ويبدو أنها ماضية فيه دون تردد.
وفي نوفمبر الماضي، تظاهر أنصار المجلس وسط مدينة كريتر بمحافظة عدن، في أول خطوة تصعيدية تهدف إلى إسقاط الحكومة الشرعية، وأعلنوا دخولهم في اعتصام مفتوح.
هادي يتفادى الصدام
اللافت أن قرارات هادي بإقالة مسؤولين موالين للإمارات لم تكن الأولى من نوعها، حيث سبقها في 29 يونيو الماضي بإقالة محافظي حضرموت وشبوة وسقطرى، المنضوين تحت مظلة المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أعلن في مايو الذي سبقه.
إعلان تشكيل المجلس جاء كردة فعل على أبرز قرار لهادي في سياق الإطاحة برموز الانفصال، حيث أقال في أبريل الرئيس الحالي للمجلس ومحافظ عدن “عيدروس الزبيدي”.
ويبدو أن سياسة الإقالات أصبحت الوسيلة الأبرز للرئيس اليمني للتعبير عن رفضه للخطوات الانفصالية في الجنوب ومواجهته للمشروع الإماراتي، الذي يفاقم أزمة البلاد ويدخلها في نفق مظلم.
وربما يسعى هادي من خلال تلك السياسة إلى محاولة تفادي الصدام المباشر بالإماراتيين أو انتقادهم علنًا، وهم يشكلون ركيزة أساسية للتحالف العربي باليمن.
هذا التحالف الذي يثير عدة مفارقات مثيرة، فهذه الإمارات التي تعد قوة أساسية تم ضمها للتحالف من أجل تحقيق هدفه المعلن وهو استعادة الشرعية إلى اليمن، تخوض صراعًا لم يعد يخفى على أحد مع هادي ممثل هذه الشرعية.
ليس هذا فحسب، بل ترعى وتقود أبو ظبي في العلن والخفاء مشروعًا انفصاليًا يشكل بكل تأكيد عقبة رئيسية لا يستهان بها أمام عودة الشرعية.
يُذكر أن “الحراك الجنوبي” المطالب بالانفصال عن الشمال نشأ مطلع 2007، انطلاقا من جمعيات المتقاعدين العسكريين، وهم جنود وضباط سرحهم نظام علي عبد الله صالح من الخدمة، لكنه سرعان ما تحول من حركة تطالب باستعادة الأراضي والعودة إلى الوظائف، إلى المطالبة بانفصال جنوب اليمن عن شماله.
واندمج شمال اليمن وجنوبه في دولة الوحدة عام 1990، غير أن خلافات بين قيادات الائتلاف الحاكم وشكاوى قوى جنوبية من التهميش والإقصاء أدت إلى إعلان الحرب الأهلية، التي استمرت قرابة شهرين عام 1994، وعلى وقعها ما تزال قوى جنوبية تطالب بالانفصال مجددًا.
معاداة الشرعية ودور مشبوه
المواجهة الشرسة التي تخوضها الإمارات ضد الرئيس اليمني تلفت الأنظار إلى ملمح له دلالة قوية، حيث يستقر “هادي” في العاصمة السعودية الرياض ولم يتوجه منذ أكثر من عام كامل إلى عدن التي يُفترض أنها العاصمة المؤقتة للبلاد، نتيجة دور الإمارات المسيطرة على المدينة كليًا.
وفي سبتمبر الماضي، قصفت الإمارات قوات الحماية الرئاسية التابعة للرئيس اليمني، وكذلك منعت طائرته من الهبوط في مطار عدن الدولي، ورفضت تنفيذ قرارات رئاسية له في تغيير مدير مطار عدن الدولي ومناصب حكومية في المحافظة الجنوبية.
مصادر يمنية كشفت أنه مقابل الإسناد الجوي الإماراتي تحركت “ميليشيا الحزام الأمني” الموالية لأبو ظبي على الأرض باتجاه (خور مكسر) حيث مقر المطار، لفك الطوق الذي فرضته قوات الحرس الرئاسي على العناصر التابعة للقيادي في الجنوب صالح العميري المعروف بـ”أبي قحطان” بداخل مقر المطار، ثم اعترضت ميليشيا الحزام الأمني قوات من الجيش الوطني التابع للمنطقة العسكرية الرابعة أثناء توجهها نحو المطار، واشتبك الطرفان.
وقبلها بأشهر كانت حادثة قصف اللواء 23 في منطقة العبر بمحافظة حضرموت، جنوبي اليمن، حيث تعرض هذا اللواء، الذي كان يضم قوات موالية للرئيس “هادي”، إلى قصف من طائرات إماراتية قيل إنه “عن طريق الخطأ”؛ ما أدى إلى مقتل 53 جنديًا وجرح العشرات.
الأمر ينسحب على العديد من الانتهاكات الإماراتية في اليمن التي تبدو أكثر من أن تُحصى، لكن من أبرز تجلياتها ما كشفته تقارير إعلامية وحقوقية، من وجود شبكة سجون سرية في اليمن تديرها دولة الإمارات، ويخضع فيها المعتقلون لصنوف مختلفة من التعذيب.
التقارير أوضحت أن هذه السجون توجد داخل قواعد عسكرية ومطارات وموانئ يمنية عدة، بل حتى في مبان سكنية، وأشارت وكالة “أسوشيتدبرس” إلى أنها وثقت ما لا يقل عن 18 سجنًا سريًا في جنوب اليمن تحت إدارة الإماراتيين أو القوات اليمنية التي شكلتها ودربتها أبو ظبي.
صمت السعودية
موقف السعودية من هذا الصراع المحتدم يثير تساؤلات عدة، فهي تستضيف “هادي” لكنها تلوذ بالصمت أمام مخططات انفصال الجنوب والدور الإماراتي المشبوه في اليمن، وهو ما يتنافى مع أهداف التحالف العربي الذي تقوده المملكة لإعادة الشرعية.
لم يتوقف الأمر على صمت حيال ممارسات الإمارات في اليمن، بل سكوت تجاه دور مشبوه آخر ضد السعودية ذاتها، ولعل الفيلم الوثائقي الذي عرضته “الجزيرة” في إطار برنامجها “الصندوق الأسود”، بعنوان “اليمن.. كيد الأشقاء” يكشف كواليس هذا الدور.
الفيلم الوثائقي كشف تورط الإمارات في أعمال استخباراتية ضد السعودية خلال الحرب على اليمن، فضلًا عن ضلوع القوات الإماراتية في إسقاط طائرة سعودية هناك هذا العام.(اطلع على تحليل العدسة لسر الصمت السعودي)
اضف تعليقا