بالرغم من المحاولات المستمرة من حكومة الإمارات لتجميل صورة النظام عالميًا والادعاء بأن الدولة “تحترم حقوق الإنسان” وأنها “تسعى جاهدة لنشر ثقافة السلام والتسامح والتعايش والحوار”، لا تزال إفادات الضحايا شاهدًا على استمرار انتهاكات النظام وتردي أوضاع حقوق الإنسان في البلاد.

السجون الممتلئة بعشرات المعارضين والنشطاء وأصحاب الرأي أكبر دليل على كذب ونفاق النظام الإماراتي فيما يتعلق بحقوق الإنسان واحترام الحريات، بينهم أكثر من 50 شخصًا لا يزالون رهن الاحتجاز رغم انتهاء مدة محكوميتهم بعد سجنهم بتهم ملفقة ومحاكمات جائرة، جريمتهم الوحيدة كانت المطالبة بالإصلاح الديمقراطي والمساواة والعدالة الاجتماعية في بلدهم.

من بين هؤلاء المعتقلين سجناء رأي معروفين ناصر بن غيث وأحمد منصور ومحمد الركن، وغيرهم الكثيرين ممن لم تلق قصصهم الاهتمام الإعلامي الكافي، لكنهم موجودون وما يحدث لهم سيظل شاهدًا على قتامة الوضع الحقوقي في الإمارات.

أبرز القضايا التي لفقها النظام الإماراتي للمدافعين عن حقوق الإنسان، كانت القضية التي عُرفت بقضية “الإمارات 94″، وهي القضية التي شهدت أكبر محاكمة جماعية في الدولة الخليجية بعد أن شنت السلطات حملة اعتقالات واسعة ضد 133 من الأكاديميين والمحامين والطلاب الذين وقعوا على عريضة تطالب رئيس الإمارات والمجلس الأعلى الاتحادي بإجراء إصلاح ديمقراطي.

كان جميع الموقعين من الإماراتيين الذين يدعمون مسار التغيير السلمي، لكنهم اتُهموا زورًا بمحاولة الإطاحة بالحكومة لمجرد التعبير عن رغبتهم في تحقيق إصلاحات ديمقراطية في وطنهم.

ومن بين هؤلاء الـ 94، حُكم على 69 بأحكام شديدة بالسجن عقب محاكمة بالغة الجور، بينهم السلام المرزوقي الذي اعتقل في يوليو/تموز 2012، وأخفته السلطات لمدة 21 يومًا تعرض خلالها للتعذيب الوحشي، واحتجز في الحبس الانفرادي، واليوم بعد أن قضى عقوبته بالسجن لمدة 10 سنوات، لا يزال رهن الاعتقال دون أي سند قانوني.

لم يسمع عنه أفراد من عائلته منذ أكثر من خمسة أشهر وكانت آخر زيارة له في عام 2020، حالته الصحية ووضعه النفسي غير معروفين، بل تعرضت عائلته نفسها لممارسات انتقامية من قبل السلطات الإماراتية، إذ جمدت حساباتهم المصرفية وحرمتهم من مصروفات التقاعد، فيما تعرضت ابنته لهجمات شرسة عبر الإنترنت، وجُرد جميع أبنائه من الجنسية الإماراتية.

إن استمرار سجن هؤلاء المعارضين السلميين، والانتهاكات التي تعرضوا لها أثناء الاحتجاز، فضلاً عن الأعمال الانتقامية التي تمارسها السلطات ضد عائلاتهم تتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان وقوانين الإمارات العربية المتحدة نفسها.

على الرغم من ذلك، تجاهلت الدول الغربية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والعديد من الدول الأوروبية مثل فرنسا هذه الانتهاكات، وبدأت على مدار السنوات القليلة الماضية تعزيز التعاون مع الإمارات، لدرجة أنه تم تكليفها باستضافة مؤتمر المناخ COP28 المقرر عقده في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

تنظيم مثل الأحداث والفعاليات الدولية الهامة لم يكن سببًا كافيًا للإمارات لتحسين سلوكها تجاه حقوق الإنسان، بل اعتبرته ضوءًا أخضرًا لارتكاب المزيد من الانتهاكات، وواصلت السلطات تمديد فترة احتجاز المعتقلين الذين تجرأوا وطالبوا بمستقبل أفضل لجميع الإماراتيين.

نشرت هيومن رايتس ووتش مؤخرًا تقريرًا يسلط الضوء على محنة 51 سجينًا تم تمديد عقوباتهم إلى أجل غير مسمى، في تجاهل صارخ لضمانات المحاكمة العادلة.

قبل فحص واقع حقوق الإنسان الذي أجرته الأمم المتحدة في 1 مايو/أيار، وقعت أكثر من 40 منظمة حقوقية على عريضة وُجهت إلى حكومة الإمارات العربية المتحدة تطالب بالإفراج عن جميع السجناء السياسيين، والسماح لخبراء الأمم المتحدة بإجراء بحوث داخل الدولة وزيارة السجون ومرافق الاحتجاز.

شاركت أكثر من 100 دولة عضو في الأمم المتحدة في جلسة مراجعة أوضاع حقوق الإنسان في مقر الأمم المتحدة في جنيف، وبالرغم من أن الإدانات كانت بلهجة ودية، لكن قدمت الدول الأعضاء 323 توصية حول كيف يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة تحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان.

ودعت بلجيكا والولايات المتحدة وهولندا الإمارات العربية المتحدة صراحة إلى إطلاق سراح السجناء المحتجزين حاليًا على أسس تعسفية وخارج نطاق أحكام السجن الصادرة بحقهم، فيما دعت سويسرا والولايات المتحدة والأرجنتين وبلجيكا وكندا وكوستاريكا والتشيك وفنلندا واليونان وهندوراس وإيطاليا والمكسيك وهولندا والنرويج والمملكة المتحدة إلى ضمان الحق في حرية التعبير.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا