العدسة – معتز أشرف:

اختار ولى عهد أبو ظبي المتهم بالفشل وتضييع بلاده محمد بن زايد، أن يفتح الباب على مصراعيه في الإمارات أمام التنِّين الصيني المتوحش، مقابل أن يسدّد ضربة جديدة لإيران من أسفل المنضدة .

“العدسة” يبحث في سياق هذا التقرير عن إجابات واضحة عن أسئلة المشهد البارزة: ما مظاهر اختراق الصين لـ” الإمارات” اقتصاديًا، والتي باتت تستحق الوصف بالإمارات الصينية، وهل يستحق العداء مع إيران أن يترك حاكمًا بلاده مخترقة اقتصاديًا؟ وهل سترضى الصين أصلًا بهذه المقايضة؟!

تسليم الإمارات للصين!

تزامنًا مع إطلاق الأسبوع الإماراتي الصيني (17- 24 يوليو الجاري)، وزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، للإمارات، أعلن محمد بن راشد، نائب رئيس الإمارات، أن بلاده أبرز الممولين الداعمين للاقتصاد الصيني؛ حيث تستحوذ بلاده على ربع التجارة العربية مع الصين، بينما تعاني الإمارات من أزمات اقتصادية متزايدة.

ووفق وكالة الأنباء الرسمية الإماراتية، أوضح بن راشد، أنَّ “الإمارات تستحوذ على حوالي ربع التجارة العربية مع الصين، بما يقارب 200 مليار درهم (نحو 54 مليار دولار) في 2017” بالإضافة إلى “زيارة أكثر من مليون صيني في 2017، وشراكات في قطاعات النفط والطاقة المتجددة والبنية التحتية والتكنولوجيا، وسط سعي لمضاعفة هذه الأرقام الفترة القادمة”.

 

وفي هذا الإطار وقعت الصين والإمارات 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم، وأخطرها الموافقة على تأسيس أول شركة للخدمات المالية مملوكة للحكومة الصينية في سوق أبوظبي، كما اتفقت شركة بترول أبوظبي الوطنية “أدنوك” ومؤسسة البترول الوطنية الصينية على استكشاف فرص العمل المشتركة، فيما جرت الموافقة على ضمّ الإمارات لمبادرة “الحزام والطريق” التي دشنها “شي” للاستثمار في البنية التحتية لربط الصين برًا وبحرًا بالأسواق في آسيا وأوروبا.

تسليم الإمارات للصين ثمنه حاكم دبي محمد بن راشد؛ حيث كتب بعد اللقاء على تويتر: “لدينا توافقات سياسية واقتصادية كثيرة وقاعدة متينة من المشاريع في قطاع الطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية، وأهم من ذلك إرادة سياسية قوية لبدء مرحلة أكبر من التعاون والتكامل، ولدينا علاقات نموذجية مع الصين وقيادة صينية ترى في دولة الإمارات شريكًا استراتيجيًا رئيسيًا في المنطقة”. مضيفًا أنَّ الإمارات تحتضن “أكثر من 200 ألف صيني وتضم 4000 شركة تجارية ونحن الشريك الأكبر للصين في المنطقة ونسعى لبناء روابط اقتصادية وثقافية واستثمارية طويلة المدى مع الصين”.

ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد تحدث في تصريحات مماثلة مع الزيارة عن دور الصين والإمارات في المنطقة ودعم استقرارها ومستقبلها الاقتصادي، مشيرًا إلى المكانة الاقتصادية للصين، قائلًا: “إنَّ الصين عملاق اقتصادي دولي ولها ثقل سياسي عالمي ودورها مؤثر في استقرار الاقتصاد والسلام العالميين”.

هل بالمجان أم أنها إيران؟!

فتح أبواب الإمارات على مصراعيها للصين، يضع علامات استفهام واسعة، خاصة أنَّ الرئيس الصيني جاء إليها بعد 29 سنة، وذلك رغم أنَّ للصين علاقات وثيقة مع “إيران” خصم الإمارات اللدود، وهو ما جعل بعض المراقبين يتحدثون عن مقايضة تتم تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية لتعويض الصين عن أي أضرار تنتج من فقد للتواجد الإيراني تحت وطأة الضغوط الأمريكية وعقوبات البيت الأبيض.

شبكة “سي أن بي سي” التلفزيونية الأمريكية وصفت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للإمارات، التي اختتمت السبت، بأنها تشكّل نموذجًا للشراكات الاقتصادية التي تمتلك رؤية مستقبلية واضحة، لكن “صحيفة وول ستريت جورنال” الأمريكية كانت أوضح؛ حيث أشارت إلى مدى ما يمكن أن تؤثر به هذه العلاقة المتنامية بين الإمارات والصين على روابط بكين وإيران.

وفي هذا الإطار تحدث مراقبون عن أنَّ “روسيا والصين ستحلان محل الشركات الأوروبية في إيران”، مؤكدين أنَّ الشركات الحكومية الصينية والروسية تأمل بكسب غير قليل من الفائدة من العقوبات الأمريكية ضد إيران، وهي تأمل في أن تحل محل الشركات الأوروبية التي ستغادر البلاد تجنبًا لمواجهة واشنطن.

 

صحيفة “وول ستريت جورنال” في قراءة للمشهد، وصفت الإمارات بأنّها أوثق حليف للسعودية، وأنهما معًا تتطلعان إلى قطع بكين لعلاقاتها الاقتصادية مع إيران، لكنهما تدركان ميل الصين إلى الابتعاد عن الانحيازات السياسية، ونقلت الصحيفة عن جوناثان فولتون، الخبير في العلاقات بين الصين والشرق الأوسط، أنَّ الدولتين العربيتين تعملان على ضمان ألا تحصل إيران على حصة أكبر من فطيرة التمويل الصينية.

وأشار إلى أن ذلك سيتم من خلال التعاون بشكل أكثر عمقًا في  مشاريع “الحزام والطريق”، وهناك بالفعل عدد من المشروعات التي تموّلها الصين، بما في ذلك محطة لتوليد الطاقة تعمل بالفحم ومشروع للطاقة الشمسية في دبي ومشروع تطوير ميناء صناعي في سلطنة عمان، مضيفًا أن “إيران هي مركز رئيسي في الحزام والطريق، وبالتالي كلما ازداد تعامل بلدان الخليج العربية مع الصين ضمن المشروع، وأعتقد أنَّ ذلك يمنحها تأثيرًا أكبر مع شريك إيراني كبير”.

الترابط الصيني الإيراني!

وبحسب المتابعين للشأن الإيراني، فإنَّ الموقف الصيني القريب من إيران ليس مجانيًا، وإنما بهدف تحقيق مصالح اقتصادية، وفي المقدمات الأولية للعلاقة الصينية الإيرانية في المجال الاقتصادي، كانت الصين الشريك الأول لإيران خلال سنوات العقوبات والحظر التي حرمت الشركات الغربية من إبرام عقود مع الجانب الإيراني؛ حيث كانت الساحة خالية للصين، بالإضافة إلى تبادلات تجارية وتسهيلات منحتها موانئ الإمارات وأسهمت في توفير أساسيات ضرورية للسوق الإيراني.

 

ويشير محللون إلى أن الرهان الإماراتي على شراء الصين مستحيل؛ كون تاريخ الصين مع إيران أقوى؛ حيث استمرَّت الصين بشراء النفط الإيراني خلال سنوات الحظر، وحصلت على ما قيمته 25 % من معدّلات التجارة الإيرانية، ناهيك عن 50 % من مبيعات النفط والغاز الإيراني. وتجاوز حجم التبادل التجاري بينهما مبلغ 50 مليار دولار في عام 2014، وفي منتصف فبراير 2016 احتفل الصينيون بوصول قطار البضائع الأول من الصين إلى إيران، مغادرًا من مدينة يويي في مقاطعة تشجيانغ شرق الصين، مرورًا بكازاخستان وتركمانستان وصولًا إلى إيران، وقطع مسافة 10 آلاف و399 كيلومترًا، كما مثلت الرحلة أولى تباشير المبادرة الصينية لإحياء “طريق الحرير” القديم الذي كان التجار يتنقلون عبره بين أوروبا وشرق آسيا.

الملاحظ بحسب المراقبين أيضًا أنَّ وتيرة الطموح الصيني في الاستثمار مع الإيرانيين ارتفعت مع بدء تطبيق الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى، وكانت الصين ضمن لائحة الدول الشريكة في الاتفاق، وهو ما يعرقل رشاوى الإمارات بحسب وصف البعض للصين للضغط على إيران، ولتفويت فرص نجاح الشراكة الصينية الإيرانية، وهو ما رصده  لمجلة فورين أفيرز الأمريكية في أعقاب جولة الرئيس الصيني في المنطقة وزيارته لكل من إيران والسعودية في العام 2015، حيث أشار التقرير إلى أن نقاط ضعف السعودية في إيجاد علاقة استراتيجية مع الصين تعتبر بالضبط نقاط قوة إيران، وإذا أرادت الصين اختيار حليف رئيسي لها في المنطقة فذلك الحليف سيكون إيران.