العدسة _ منصور عطية

قناع جديد يسقط، كاشفًا عن وجه قبيح تجتهد دولة الإمارات العربية دومًا في إخفائه عن أنظار العالم، وتصدير صورة معاكسة تحاول إظهار أرباب المصالح وأعداء الحرية في كل مكان ومحاربي تطلعات الشعوب ومخربي العواصم، على أنهم مجموعة من ملائكة الرحمة الذين يقدسون الإنسانية ويخدمونها دون مقابل.

إغلاق أبوظبي لمستشفى الشيخ زايد في العاصمة الصومالية مقديشو، فضح أدعياء العمل الإنساني، وأظهر وقاحتهم في الاتجار السياسي بصحة الفقراء، وابتزاز تلك الدولة التي حاولت فقط أن تكون “دولة” تستطيع فرض سيادتها على أراضيها وكشف مخططات التخريب.

المتاجرة بصحة الفقراء

حدثان لم يفصل بينهما سوى أسابيع قليلة، أظهرا كمًّا كبيرًا من الازدواجية وادعاء الإنسانية، وربط ما هو إنساني بالسياسي، شكل فضيحة جديدة لحكام الإمارات.

الحدث الأخير، كان قرار الإمارات إغلاق مستشفى الشيخ زايد في مقديشو بعد يوم واحد على إعلانها وقف برنامج تدريب لقوات صومالية.

وأكدت مصادر نقل معدات المستشفى الطبية إلى السفارة، وأن المسؤولين الإماراتيين قاموا بهذه الخطوة انتظارًا للسماح لسفينة إماراتية بالرسُوِّ في ميناء مقديشو ونقل المعدات الطبية والعسكرية إليها.

وأخبر عسكريون إماراتيون ضباطًا صوماليين كانوا يعملون معهم أنهم في انتظار محادثات جارية بين البلدين قبل الانسحاب الكامل من مقديشو.

وشهدت علاقة أبوظبي بمقديشو توترًا كان من تداعياته إعلان الحكومة الاتحادية الصومالية إلغاء اتفاق للتعاون العسكري مع الإمارات، ومصادرة أموال إماراتية كانت في طائرة مدنية.

وقبل إغلاق مستشفى الشيخ زايد، أعلنت الإمارات الأحد وقف برنامج تدريب لقوات صومالية، وقالت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية، إن أبوظبي “قررت إنهاء مهمة قواتها التدريبية في الصومال لبناء الجيش الصومالي، التي بدأت عام 2014″، بعد أيام من إعلان مماثل من قبل الصومال.

ويقع مستشفى الشيخ زايد -الذي افتتح منتصف عام 2015- قرب مبنى السفارة الإماراتية في مديرية عبدالعزيز بمقديشو، ويعد المستشفى الوحيد الذي يقدم الخدمات الطبية مجانًا للصوماليين ويستقبل يوميًّا أكثر من 300 مريض.

أما الحدث الثاني، فكان في مارس الماضي، عندما أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تبرع بلاده والإمارات بنحو مليار دولار لدعم وتمويل خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2018.

التضارب البادي في الموقفين السابقين، بقدر ما يكشف من ازدواجية لا إنسانية ومتاجرة إماراتية بصحة الفقراء والمعدمين، يطرح تساؤلات جوهرية، فإذا كانت الإمارات تقدم خدماتها فعلا من منطلق إنساني بحت فلماذا أغلقت المستشفى في الصومال لخلاف سياسي مع حكومتها؟ وإذا كانت غارقة في وحل المستنقع اليمني ولا يخفى دورها المشبوه هناك على أحد، فهل يفهم تبرعها في سياق محاولة التغطية على جرائمها والاستخدام السياسي للمال والمتاجرة بحالة اليمنيين الذين تسببت سياسات وممارسات أبوظبي نفسها في إفقارهم ومجاعتهم؟.

لقطات أخرى تفضح الإنسانية الكاذبة

لكن وللحقيقة، فإن ما جسدته المفارقة السابقة ليس هو الأول من نوعه في سياق المواقف التي تكشف زيف ادعاءات حكام الإمارات بالإنسانية، وصورتهم القبيحة التي يجملونها باستمرار ويصدرونها للعالم.

في مارس الماضي، انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لبعض الأشخاص الذين قدموا قطة كوجبة لكلب مفترس “في مشاهد صادمة هزت القلوب”، بحسب وصف موقع “القيادي” الإماراتي.

وبطبيعة الحال، طالما اهتزت قلوب العالم، اهتز قلب حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي بادر بتوقيع عقوبة غير متوقعة ضد المتهمين “أثلجت صدور الجميع”، حيث قرر معاقبة المتهمين بتنظيف حديقة الحيوان في مدينة دبي لمدة 4 ساعات يوميًّا طوال ثلاثة أشهر.

المثير أن وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية التي احتفت بالقرار، خلت من حرف واحد عن موقف الإمارات وحكامها من مجزرة “خان شيخون” الكيماوية التي راح ضحيتها أكثر من 100 سوري أغلبهم نساء وأطفال، والتي تزامنت مع حادث القطة.

الصفحة الرئيسية للوكالة نفسها، صدرت صفحتها الرئيسية لفترة طويلة حينها، بخبر يتضمن تعزية قادة الدولة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ضحايا هجوم مترو “سان بطرسبرج”، ليتبين أن حياة السوريين الذين قضوا في هجوم خان شيخون ليست فقط لدى حكام الإمارات أقل من حياة ضحايا هجوم آخر ليسوا عربًا أو مسلمين، بل إنها أقل من حياة “قطة”.

وبينما استحدثت الإمارات، في فبراير 2017، وزارة للسعادة، من أجل تحقيق السعادة والرفاهية لمن يسكنون على أراضيها، فإنها بذلت الكثير كذلك لحرمان شعوب عربية من “سعادتهم” التي رأوها في رحيل أنظمة تلوثت أياديها بدماء تلك الشعوب.

صحيفة “فاينناشال تايمز” البريطانية، نشرت تقريرًا تحت عنوان “الإمارات تضخ أموالًا لتهميش دور الإسلام السياسي في المنطقة”، قالت فيه إن “أحد أسوأ الأدوار التي تقوم بها دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تتمثل بمحاربة الإسلام في الحياة العامة في البلاد العربية، لاسيما تلك التي حط فيها قطار ثورات الربيع العربي هي ضخ الكثير من المال لتهميش الإسلاميين”.

فعلى سبيل المثال، تؤكد الدلائل تورط الإمارات في القفز على ثورة اليمنيين وتحويل البلاد إلى مرتع للمرتزقة والميليشيات الهادفة فقط لحماية مصالح أبوظبي.

وفي مصر، دعمت الإمارات ومولت جهود الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، ثم واصلت بكل قوتها دعم نظام ما بعد 3 يوليو 2013.

وفي ليبيا، تقف أبوظبي في صدارة الداعمين للجنرال المتقاعد خليفة حفتر، الساعي وراء محاربة الإسلاميين أينما كانوا، ومن ناحية أخرى بدأت دعمًا خفيًّا لترشيح سيف الإسلام نجل العقيد الراحل معمر القذافي لرئاسة البلاد.

وفي تونس، ومن أجل الهدف ذاته حاولت الإمارات التحالف مع الرئيس الباجي قائد السبسي، لإزاحة حركة النهضة (الإخوان المسلمين) عن المشهد السياسي، تكرارًا لتجربة عبدالفتاح السيسي في مصر، وتدعم مجموعة من الليبراليين الطامحين إلى الهدف ذاته.

الانتهاكات تلاحق عيال زايد

الرفاهية المعلنة، وتلك الصورة الوردية لواقع الدولة، والتي تسوق الإمارات لنفسها من خلالها ليست لكل الإماراتيين، لكنها في سياسة عيال زايد حكر على من لا يتوقون للحرية، ولا يسعون إلى رد الحقوق لأصحابها، ولا ينخرطون في مؤسسات تحاول ممارسة دور سياسي محدود للغاية.

هؤلاء.. كان الجلاد في انتظارهم، وفتحت أمامهم ابواب السجون سيئة السمعة، ومورست بحقهم أبشع أنواع الانتهاكات، في الوقت الذي تدعي فيه الإمارات أنها واحة للإنسانية.

في يناير الماضي، أصدرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، تقريرًا قاتمًا عن الوضع الحقوقي في الإمارات يتناول قمع حرية التعبير، وتعذيب السجناء، وظلم العمال الأجانب، والتمييز ضد المرأة، وتبعية القضاء للسلطات التنفيذية وأجهزة الأمن.

التقرير، تحدث عن سجن الأشخاص ومحاكمتهم لمجرد الإدلاء بآرائهم وانتقادهم بعض المؤسسات، واستنكرت المفوضية توقيف الأشخاص خارج الإطار القانوني، وإخفاءهم قسريًّا، ونقلهم إلى سجون سرية، بذريعة اتهامهم بالإرهاب وارتكاب جرائم ضد أمن الدولة، وقال التقرير إن سلطات الإمارات تستخدم التعذيب لإجبار المتهمين على الاعتراف بالتهم الموجهة لهم، وتحرمهم من الرعاية الصحية.

وفي 30 أكتوبر الماضي، أبلغ ديوان ولي عهد أبوظبي حمد بن زايد أسرة المعتقلة الإماراتية المصابة بالسرطان “علياء محمد عبدالنور”، رفضه “طلب الاسترحام” المقدم منهم للإفراج الصحي، رغم معاناة المعتقلة، التي تبلغ من العمر 40 عامًا، من أورام سرطانية، وتضخم بالغدد الليمفاوية، وهشاشة عظام، وتليف بالكبد، ووصلت حالتها لمراحل متأخرة تهدد حياتها بالخطر.

وبتاريخ 29 أكتوبر 2017، حصلت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا على تسجيل لمكالمة هاتفية بينها وبين أسرتها من داخل مقر احتجازها في مستشفى المفرق في أبوظبي.

وفي رسالة كتبتها بخط يدها، في أغسطس الماضي، قصّت “علياء” فصولا من التعنت والانتهاكات التي مارستها السلطات الإماراتية معها، منذ اللحظة الأولى للاعتقال.

وفي أكتوبر الماضي أيضًا، سلط فيلم وثائقي بعنوان “سجن الرزين.. جوانتنامو الإمارات”، الضوء على السجن سيئ السمعة، والذي صنفه المركز الدولي لدراسات السجون العام الماضي ضمن أسوأ السجون العربية.

وفي تقرير له، رصد مركز الإمارات للدراسات والإعلام (إيماسك) 1491 انتهاكًا تعرض لها مواطنون ومقيمون في الدولة من قبل جهاز الأمن الإماراتي، أغلبها وقع في السجون السرية والرسمية بحق سجناء الرأي والتعبير.

ويقبع في السجون الرسمية والسرية 209 معتقلًا من (13 جنسية) كان الإماراتيون في المرتبة الأولى فيها بواقع 107 معتقلًا بينهم 79 من المطالبين بحرية الرأي والتعبير.