العدسة – منذر العلي

ربما لم يعد خافيًا على القاصي والداني شواهد الدور الإماراتي المشبوه في اليمن، والذي تتقاطع غالبية تفاصيله مع الغرض الأساسي الذي شنت من أجله السعودية العملية العسكرية “عاصفة الحزم”.

لكن هذا الدور لم يعد متقاطعًا مع الإرادة السعودية فقط، بل أصبح معاديًا للمملكة بكل الصور، ومحاربًا لها ومتجسسًا عليها.

ولعل الفيلم الوثائقي الذي عرضته “الجزيرة” الأحد الماضي في إطار برنامجها “الصندوق الأسود”، بعنوان “اليمن.. كيد الأشقاء” يكشف كواليس هذا التطور اللافت في الانتهاكات التي تمارسها أبو ظبي ضد الرياض.

 

كيد الأشقاء.. مُرٌّ

الفيلم الوثائقي كشف تورط الإمارات في أعمال استخباراتية ضد السعودية خلال الحرب على اليمن، فضلًا عن ضلوع القوات الإماراتية في إسقاط طائرة سعودية هناك هذا العام.

”  صورة من الفيلم “

الصحفي اليمني “عيدروس عبد الوارث” -الذي كان يعمل في جريدة “البيان” الإماراتية على مدار 17 عامًا- كشف في شهادته بالفيلم تعرضه لتعذيب ممنهج لمدة عامين ونصف بسجون الإمارات منذ عام 2014.

كما أكد تعرضه للضرب والإهانة، وتهديده بتعذيب زوجته وأبنائه، من أجل الاعتراف بصلته بالعديد من التيارات السياسية، منها التيار الإصلاحي بالإمارات، وجماعة الإخوان المسلمين، وعلاقته بالثورات العربية، وحركة حماس.

ولفت “عيدروس” إلى أنه بعد تهديده بتعذيب زوجته وأبنائه، قال للمحققين إنه على استعداد للاعتراف بأي شيء يطلب منه، إلا أنه فوجئ بالمحققين يسألونه عما يعرفه عن طبيعة الحدود السعودية اليمنية والمناطق الحساسة فيها، كما سألوه عن المعلومات التي يعرفها عن الاستثمارات القطرية والتركية في اليمن.

وكشف “عبد الله صلاح” -مصور سابق لقناتي العربية والحدث- عن أن القوات الإماراتية استخدمت بعض أعضاء فريق العمل الخاص بالقناة السعودية في الحصول على معلومات استخباراتية عن القوات السعودية في اليمن، حيث كانوا يقدمون تقارير يومية بهذا الشأن.

وكشف عن تورط الإمارات أيضًا في إسقاط مروحية سعودية حربية على الأراضي اليمنية خلال هذا العام.

“صلاح” أكد أن الإماراتيين لا الحوثيين هم من قصفوا مسجد كوفل في منطقة صرواح بمحافظة مأرب، فقتل العشرات من قوات الشرعية، مؤكدا أن مراسل قناة “العربية” محمد العرب أبلغه بأن القصف يدخل ضمن إستراتيجية إماراتية.

هذا المراسل عمل مخبرًا للقوات الإماراتية، والتي كانت تبعد عن القوات السعودية بضع مئات من الأمتار، بحسب المصور.

ويروي في شهادته تفاصيل عديدة كان على مسافة صفر منها، ومن بينها حصول المراسل على موافقة بالسفر على متن مروحية سعودية، لكن مكالمة على الهاتف ذي الشريحة الإماراتية طلبت منه التأجيل.

ولم تكن المروحية تلك سوى الأباتشي التي سقطت وعلى متنها 12 ضابطًا وجنديًّا سعوديًّا، وتداولت وسائل إعلام أن الحادث كان بنيران إماراتية صديقة.

 

فضائح إماراتية بالجملة

الانتهاكات الإماراتية في اليمن تبدو أكثر من أن تُحصى، لكن من أبرز تجلياتها ما كشفته تقارير إعلامية وحقوقية، من وجود شبكة سجون سرية في اليمن تديرها دولة الإمارات، ويخضع فيها المعتقلون لصنوف مختلفة من التعذيب.

التقارير أوضحت أن هذه السجون توجد داخل قواعد عسكرية ومطارات وموانئ يمنية عدة، بل حتى في مبان سكنية، وأشارت وكالة “أسوشيتدبرس” إلى أنها وثقت ما لا يقل عن 18 سجنًا سريًّا في جنوب اليمن تحت إدارة الإماراتيين أو القوات اليمنية التي شكلتها ودربتها أبو ظبي.

ولعل الدعم الإماراتي لانفصال جنوب اليمن مايو الماضي، أثار الشكوك المتزايدة في الآونة الأخيرة حول دور الإمارات في التحالف العربي الذي تقوده السعوية للحرب في اليمن ضد الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح المدعومين من إيران.

تلك التطورات جاءت بعد أقل من شهرين على قصف الإمارات قوات الحماية الرئاسية التابعة للرئيس اليمني، وكذلك منع طائرته من الهبوط في مطار عدن الدولي، ورفض تنفيذ قرارات رئاسية له في تغيير مدير مطار عدن الدولي ومناصب حكومية في المحافظة الجنوبية.

“هادي” و بن زايد

مصادر يمنية كشفت أنه مقابل الإسناد الجوي الإماراتي تحركت “ميليشيا الحزام الأمني” على الأرض باتجاه (خور مكسر) حيث مقر المطار، لفك الطوق الذي فرضته قوات الحرس الرئاسي على العناصر التابعة للقيادي في الجنوب صالح العميري المعروف بـ”أبي قحطان” بداخل مقر المطار، ثم اعترضت ميليشيا الحزام الأمني قوات من الجيش الوطني التابع للمنطقة العسكرية الرابعة أثناء توجهها نحو المطار، واشتبك الطرفان.

وقبلها بأشهر كانت حادثة قصف اللواء 23 في منطقة العبر بمحافظة حضرموت، جنوبي اليمن، حيث تعرض هذا اللواء، الذي كان يضم قوات موالية للرئيس “هادي”، إلى قصف من طائرات إماراتية قيل إنه “عن طريق الخطأ”؛ ما أدى إلى مقتل 53 جنديًّا وجرح العشرات.

 

لماذا تصمت المملكة؟

وبعد هذا الغيض من فيض الممارسات الإماراتية المعادية للسعودية، يبقى التساؤل الأبرز: لماذا تصمت المملكة؟.

“بن سلمان” لعب الدور الأبرز في تنازل المملكة عن دور الشقيق الأكبر لدول الخليج طواعية لصالح “بن زايد”، الذي شب عن طوق أبيه وأخيه وأراد أن يقحم بلاده في أدوار لم تعهدها، من معاداة تيار الإسلام السياسي إلى استخدام المال في وأد ثورات الربيع العربي ودعم الثورات المضادة، وصولًا إلى فضائح أخرى كشفها تسريب البريد الإلكتروني لسفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة.

كما تعاون مع ولي عهد أبو ظبي “محمد بن زايد” لإقصاء ابن عمه “محمد بن نايف”، على خلفية ما قالت تقارير إعلامية عن خلافات متجذرة بين الأخيرين.

“معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى”، نشر تقريرًا للكاتب سيمون هندرسون، قبل تعيين “بن سلمان” وليًّا للعهد، تحدث فيه عن نفور بين “بن نايف” وولي عهد أبو ظبي الذي يُعرف أن لديه تأثيرًا كبيراً على محمد بن سلمان، وجاءت الأزمة الخليجية لتزيدهما قربًا.

“بن زايد” و “بن سلمان”

وفي التقرير، الذي حمل عنوان “تعرف على الأميرين اللذين يعيدان تشكيل الشرق الأوسط”، تحدث هندرسون عن “الثنائي الديناميكي” الذي يضم “بن سلمان” الثلاثيني، و”بن زايد” الخمسيني.

الباحث المتخصص بشؤون الخليج، قال: “هما لا يتشاركان الرغبة في شن معارك مزدوجة على إيران والتطرف الإسلامي فحسب، بل أيضًا في التقدير العميق لاعتماد دولتيهما المحافظتين في الخليج على الولايات المتحدة، وقام كلاهما بذكاء بتقريب الرئيس الأمريكي، المتلهف لأن يظهر بأن لديه إستراتيجية جديدة لهزيمة الإرهاب ومواجهة طهران”.

كما يصف العلاقة بينهما والتي تعاظمت في الأزمة الأخيرة، بـ”الأستاذية”، فابن زايد ينظر لابن سلمان باعتباره تلميذًا معجبًا به وبتدرجه في السلطة، ويرى فيه النموذج الممكن والقابل للتحقيق، فمحمد بن زايد هو الآخر جاء من بعيد.

فابن زايد يقوم بإدارة أبو ظبي التي تحتوي على معظم احتياطات النفط في الإمارات، منذ تعيينه نائبًا لولي العهد عام 2003، ثم إلى ولاية العهد عام 2004، بعد وفاة الوالد المؤسس للدولة، ليكون الحاكم الفعلي للبلاد مع اشتداد المرض على أخيه “خليفة”، وهو الوضع المشابه كثيرًا للملك سلمان ونجله.