العدسة – منصور عطية
لقاء غير مسبوق، تمثّل فيه الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي المثل الشعبي المصري “عصر على نفسه ليمونة”، في دلالة على اضطرار شخص ما إلى فعل شيء على غير إرادته.
ربما ينطبق الحال على اللقاء الذي جمع في الرياض الأربعاء الماضي، ابن زايد وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان برئيس وقادة حزب التجمع اليمني للإصلاح، ممثل جماعة الإخوان المسلمين في البلاد.
فهذه الإمارات التي تصنف الإخوان تنظيمًا إرهابيًّا، وتحارب تيار الإسلام السياسي في بلدان ثورات الربيع العربي، بل وتمارس انتهاكات أمنية بحق قيادات وأعضاء الإصلاح في اليمن.
هل يعبر هذا التناقض عن ضيق في أفق “عيال زايد”، أم يكشف أنهم يتبعون لغة المصالح، وهل يمكن اعتبار اللقاء تحالفًا جديدًا بين أبو ظبي وإخوان اليمن، أم أنها مرحلة “تكتيكية” لها أهدافها، وتنتهي بمجرد تحقيق تلك الأهداف؟.
هل توسط ابن سلمان؟
اللقاء الثلاثي هو الأول من نوعه منذ قيادة السعودية والإمارات للعمليات العسكرية تحت لافتة التحالف العربي في مارس 2015، باسم عاصفة الحزم ضد الحوثيين المدعومين إيرانيًّا من أجل إعادة الشرعية في اليمن المتمثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي.
لكن من اللافت، أن هذا اللقاء سبقه لقاء آخر قبل نحو شهر، جمع ولي العهد السعودي ورئيس حزب التجمع اليمني للإصلاح “محمد عبد الله اليدومي” في العاصمة الرياض، وآخرين من قادة الحزب المقيمين في الرياض منذ العام 2015.
هذه المفارقة التي تبدو مرتبة تعزز ما كشفته مصادر يمنية مطلعة من أن اللقاء الأخير تم بوساطة من ولي العهد السعودي، وأن ولي عهد أبو ظبي “ليس مقتنعًا بأي دور لحزب الإصلاح في اليمن من منطلق رفضه التعامل مع أي طرف محسوب على جماعة الإخوان المسلمين”.
الدور الإماراتي الذي يوصف بالمشبوه في اليمن، وما يثار حول مناهضته للهدف من الحرب وللقوات السعودية هناك، ينسحب على ممارسات قمعية تمارسها أبو ظبي بشكل مستمر ضد حزب الإصلاح.
وقبل نحو شهرين اعتقلت قوات موالية للإمارات عضو المجلس المحلي لحزب التجمع اليمني للإصلاح بمنطقة القلوعة في محافظة عدن، وهيب هائل، واقتادته إلى جهةٍ مجهولة بعد يوم على اعتقال نفس القوات 10 من قيادات وكوادر الحزب.
وأكد الحزب في بيانه وقوع مداهمات وعمليات اعتقال بحق عشرة أعضاء بينهم الأمين المساعد للحزب محمد عبد الملك، مطالباً وقتئذٍ بـ”سرعة الإفراج عن المعتقلين”.
صفحة جديدة
تقارير إعلامية، قالت إن حزب التجمع اليمني للإصلاح، تبرأ من جماعة الإخوان بشكل رسمي، متعهدًا بفتح صفحة جديدة تقوم على التعاون العربي، لمواجهة الحوثيين وتراعي مصالح المنطقة.
وأعلنت الحكومة الإماراتية رسميًّا فتح صفحة جديدة مع الحزب، والتحالف معه عقب قطيعة استمرت 3 سنوات، وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الإمارات “أنور قرقاش”: “حزب الإصلاح اليمني أعلن مؤخرًا فك ارتباطه بتنظيم الإخوان الإرهابي، وأمامنا فرصة لاختبار النوايا وتغليب مصلحة اليمن ومحيطه العربي، نعمل بمرونة، وهدفنا أمن المنطقة واستقرارها”.
ولم تكن تلك المرة الأولى التي يعلن فيها الحزب قطع صلته بالإخوان، ففى سبتمبر 2016، قال الحزب إنه ليس فرعًا من الإخوان “التنظيم الدولي”.
وجاء فى البيان: “يؤكد التجمع اليمني للإصلاح- ومن خلال نظامه الأساسي وبرنامجه السياسي ولوائحه الداخلية، وبهذه المناسبة، أنه وبمنتهى الوضوح والشفافية، وقطعًا لأي تأويلات أو شائعات- عدم وجود أي علاقات تنظيمية أو سياسية تربطه بالتنظيم الدولي للإخوان”.
وسبقها بثلاثة أعوام، تبرؤ آخر، فى أكتوبر 2013، كان هو الأول بشأن فك علاقته بالإخوان، جاء فيه: “ننفي علاقتنا بأي جماعة مسلحة تحت أي مسمى كان” – في إشارة إلى الإخوان- حيث جاء البيان ردًّا على اتهام علي عبد الله صالح لهم بالانتماء للجماعة.
تداعيات موت صالح
المصادر اليمنية سالفة الذكر، استبعدت أن يكون التعاون السعودي الإماراتي مع حزب الإصلاح “إستراتيجيًّا”، وإنما هو “تكتيكيٌّ”.
مصدر آخر قال في تصريحات صحفية، إن “إستراتيجية الرياض وأبو ظبي كانت تقوم على إعادة إحياء دور الرئيس السابق علي عبد الله صالح، لكن قتل الحوثيين له شكل ضربة قوية لهذه الإستراتيجية”.
وأوضح أن مقتل “صالح” أدى إلى تفكك حزب المؤتمر الشعبي، وبالتالي فإن المشهد اليمني مشتت إلا من قوتين رئيسيتين: الأولى، تنظيم شعبي ممتد في الشمال والجنوب، ويمثله حزب الإصلاح، والثانية، تنظيم مِلِيشيوي، تمثله جماعة الحوثي.
ويخلص المصدر إلى أن الإمارات تريد إحياء دور أحمد علي عبد الله صالح، وأنها ربما وافقت لحليفها السعودي على التعامل مع الإصلاح على قاعدة المصلحة التكتيكية لا الإستراتيجية، حتى تتمكن من تصعيد نجل “صالح” إذا ما وافق الإصلاحيون على التحالف معها في هذا الإطار.
لكن مصادر يمنية مطلعة أشارت إلى التأكيد الذي ورد في تصريحات قيادات الإصلاح بعد اللقاء، بأنها متمسكة بشرعية الرئيس “هادي”، وهو ربما يصطدم مع أي محاولات لتجاوز الشرعية.
المصادر ذاتها قالت إن حزب الإصلاح رفض تاريخيا أي مساعي لتوريث الحكم في اليمن، وأشارت إلى أن الرئيس السابق علي صالح حاول حث الإصلاح على الموافقة على توريث نجله قبل ثورة الشباب التي أطاحت به عام 2011، لكن الإصلاح رفض ذلك بشدة، وحصلت القطيعة بينه وبين “صالح” قبل الثورة عليه.
وربما تعد أي مقاربة إماراتية – سعودية للتعامل مع واقع حضور الإصلاح شعبيًّا، وفي تشكيلات المقاومة ربما يقتضي إعادة التعامل مع الشرعية اليمنية لا تجاوزها.
اضف تعليقا