العدسة – معتز أشرف
من إخفاق إلى إخفاق، ومن طرد من جيبوتي إلى صفع بالصومال ومغادرة مهينة لأولاد الديكتاتور محمد بن زايد، إلى بدء مواجهة واستعداد للطرد من اليمن التي وصل وضعه فيه إلى توصيف بـ”الاحتلال”، لتزداد خسائر الإمارات الإقليمية يومًا بعد يوم، وتذهب أوهامها بالسيطرة على سواحل اليمن الإستراتيجية والقرن الإفريقي في مهب الريح، وهو ما نسلط عليه الضوء.
اليمن تشتعل
في “سقطري” اشتعل الغضب ضد إمارات محمد بن زايد، وخرجت المظاهرات تندد باحتلال الجزيرة، وقادت النساء مظاهرة ضد التواجد الإماراتي غير المشروع في الجزيرة، وهتفن: “بالروح بالدم نفديك يا يمن، تحيا الجمهورية اليمنية”.
الخارجية اليمنية أطلقت نيران غضبها المكتوم، وقالت عبر مصدر مسؤول، إن إرسال إمارة أبوظبي قوات عسكرية إضافية إلى مطار وميناء سقطرى وطرد القوات اليمنية المسؤولة عن حمايتهما، هي ممارسات “تفضح حقيقة العدوان وزيف الادعاءات المتكررة بدعم ما يسمى شرعية الرياض، ويؤكد حقيقة استمرار دولتي العدوان السعودي — الإماراتي في احتلال أجزاء من الأراضي والجزر اليمنية”، وأكد المصدر بلغة حادة وجديدة أن “دول العدوان تحاول فرض السيطرة والتصرف كأمر واقع على تلك الأراضي والجزر كأجزاء تابعة لها، بينما في واقع الأمر ينطبق على تلك الأراضي والجزر المحتلة المادة رقم (42) من اتفاقية لاهاي للعام 1907”.
نائب رئيس الحكومة وزير الخارجية عبد الملك المخلافي، أكد في وقت سابق أن الخلافات مع الإمارات هي إحدى المسائل التي تمنع “هادي” من العودة إلى بلاده، وتحديدًا إلى مدينة عدن، التي تصفها الحكومة الشرعية بـ”العاصمة المؤقتة”، وهو ما يعني أن الإمارات تمارس ما يشبه الاحتلال في بلاده.
اليمنية الحاصلة علي جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، وصفت ما يحدث بالتطور المهم؛ لأنه سرعان ما سيتحول الغضب والرفض الشعبي للعبث الإماراتي السعودي في سقطرى وغيرها إلى كفاح جسور يقذف بالمحتلين خلف البحار، فلصبر اليمنيين حدود، والأرض هي العرض في وجدان كل يمني، فاتقوا غضب الكريم.
وبحسب مراقبين لم تكن بوادر الأزمة الراهنة بين الحكومة اليمنية الشرعية والجانب الإماراتي، باعتباره شريكًا قياديًّا لما يسمى التحالف العربي، غير متوقعة، بل كانت واردة بقوة منذ البداية، ففي ضوء المقدمات الواضحة التي أبدتها السلطات الإماراتية، وطريقة تعاملها مع الوضع في اليمن بطريقة تؤشر إلى نوع من الأجندات المكشوفة في توجهها إلى السيطرة والتحكّم بالمشهد اليمني كله على كل مدى، القريب والمتوسط والبعيد.
كانت الإمارات حصلت أثناء حكم الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح عام 2008، على حق إدارة ميناء عدن لمدة 100 عام، لكن بعد اندلاع الثورة اليمنية والإطاحة بـ”صالح”، قرر مجلس إدارة مؤسسة خليج عدن إلغاء حق تأجير الميناء لشركة موانئ دبي العالمية، وطلبت الحكومة اليمنية بعد الثورة من الشركة الإماراتية تعديل اتفاقية الميناء أو إلغاءها، بعد وصفها بالـ”مجحفة” بحق اليمن، وأنها أُبرمت في ظروف راعت المصالح السياسية أكثر من الاقتصادية، لكن بعد الحرب التي شنتها السعودية والإمارات على الحوثيين في اليمن عادت السيطرة الإماراتية على موانئ جنوب اليمن عبر القوة العسكرية، ومنعت -في عدة حوادث- تفريغ شحنات في الميناء.
درس الصومال
وسقطت إمارات الديكتاتور محمد بن زايد في الصومال سقوطًا مهينًا -بحسب مراقبين- حيث اضطرت للخروج من الصومال من “الباب الخلفي” بعدما تعرضت لما يشبه الطرد من قبل الحكومة المركزية الصومالية، حيث أعلنت “إنهاء مهمة قواتها التدريبية لبناء الجيش الصومالي، على خلفية حادثة احتجاز السلطات الأمنية الصومالية طائرة مدنية خاصة مسجلة في الإمارات بمطار مقديشو، والاستيلاء على المبالغ المالية المخصصة لدعم الجيش الصومالي ودفع رواتب المتدربين الصوماليين”، فيما أعلنت الحكومة الصومالية أنها صادرت 10 ملايين دولار أدخلتها الإمارات دون اتباع القوانين الخاصة بالبلاد، وحل المجموعات المسلحة التي شكلتها الإمارات، ودمج عناصرها في القوات النظامية، وإنهاء الاتفاق مع الإمارات، التي سحبت ضباطها من الصومال، فيما قامت السلطات الصومالية بمنعهم من اصطحاب معداتهم العسكرية، وذلك بعد أن بدأت الخلافات الصومالية الإماراتية في التصاعد الحاد، عندما قامت الإمارات بعقد اتفاق مع حكومة إقليم صومالي لاند بإنشاء قاعدة عسكرية إماراتية دون موافقة الحكومة المركزية، الأمر الذي استغلته تركيا وقطر وقامتا بدعم الحكومة الصومالية لإنهاء النفوذ الإماراتي، وإقامة قاعدة عسكرية تركية، بحسب تقارير متواترة، وهو ما ردت عليه أبوظبي بمعاقبة مقديشو؛ فأغلقت مستشفى الشيخ زايد في العاصمة الصومالية، في خطوة وصفت من البعض بأنها تكشف أن الإمارات بخطواتها “الإنسانية”، مثل تشغيل مستشفى في بلد فقيرة كالصومال، قد أرادت منها تأمين غطاء لمشاريعها التوسعية، لا العمل الخيري بحد ذاته.
وبحسب ما أعلنته سلطات “أرض الصومال“ (التي تعتبر نفسها دولة مستقلة رغم أنها لا تحظى باعتراف المجتمع الدولي)، التي قررت وقف أعمال بناء وترميم طريق “بربرة – كوردول”، الذي يصل مدينة بربرة بمدينة جالي على الحدود بين أرض الصومال وإثيوبيا، احتجاجًا على عدم تنفيذ الإمارات لتعهداتها بشكل كامل، في ضربة قاصمة للإمارات التي تري في بربرة مهبطًا للطائرات يدعم عدوانها على اليمن، ويعزز من نفوذها الإقليمي في المنطقة، بعد أن ضمنت بسط نفوذها في إريتريا، فضلًا عن خسارتها ميناء بربرة، وهو الوحيد الواقع على الساحل الجنوبي لخليج عدن، يوفّر لها نقطة نفوذ جديدة إلى البحر الأحمر.
جيبوتي تتحرر
وفي ضربة قوية أعلنت جيبوتي إلغاء عقد الامتياز الممنوح لشركة “موانئ دبي العالمية”، بمحطة “دوراليه”، مؤكدة أن ملاحق عقد الامتياز الذي كان ممنوحًا لشركة “موانئ دبي” وتفاصيله تضمنت شروطًا مجحفة، ومنها منع توسعة مباني الميناء أو إقامة أية مبان جديدة، وأن حصص التملك المتفق عليها لم تكن هي نفسها في توزيع الأرباح، فضلًا عن جعل الإدارة المالية في يد شركة “موانئ جبل علي” بمجموعة موانئ دبي العالمية، فضلًا عن أنهم اكتشفوا لاحقًا أن نسبة 20% من الأرباح كانت تذهب إلى كل من عبدالرحمن بوري، مدير الموانئ الجيبوتية سابقًا (مهندس الصفقة والمقيم بالإمارات حاليًا)، وسلطان أحمد بن سليم رئيس مجلس إدارة موانئ دبي العالمية، مما اضطر الحكومة الجيبوتية إلى رفع قضية لرد حقها عام 2012، كما لجأت إلى أبوظبي التي أخبرتهم أن هذا الأمر يخص حكومة دبي، ولا شأن لها به، كما أن شركة موانئ دبي ذهبت إلى إثيوبيا وعرضت عليها نسب تملك في ميناء عصب وميناء أرض الصومال، شريطة التخلي عن التعاون مع ميناء جيبوتي بهدف الإضرار به، كما رفضت جيبوتي طلبًا بإنشاء قاعدة إماراتية لمتابعة الأوضاع في مدينة عدن اليمنية.
حرب سيطرة مفتوحة
يبدو أن الصراع لن يتوقف قريبًا، وهو ما اتفق عليه مراقبون، مؤكدين أن المشهد يبدو أنه “حرب سيطرة مفتوحة”، حيث إن الإمارات تتلقى ضربات موجعة ضمن الحرب الخفية الدائرة على منطقة القرن الإفريقي، وهي نتاج للأزمة الخليجية، وصراع النفوذ على منطقة البحر الأحمر، وأن ما حدث لها هو خسارة لطموح أبوظبي في تحقيق استثمارات كبيرة في البحر الأحمر، لكنها في المقابل تشكل بداية لمعارك خفية ستتواصل مع المحور التركي القطري، حيث استطاعت قطر وتركيا كسب هذه الجولة في نفوذ البحر الأحمر، بعد دخول أنقرة إلى المشهد السياسي في مقديشو.
وبحسب تقارير عربية، فإن إلغاء اتفاقيات موانئ دبي في جيبوتي والصومال، تقف وراءه السعودية، التي قالوا إنها بدأت تشعر بخطر التوسع الإماراتي في السواحل اليمنية وسواحل القرن الإفريقي، وسعيها للسيطرة على الموانئ في تلك السواحل، موضحة أن تزامن إلغاء الاتفاقيتين مع ظهور الخلاف السعودي الإماراتي في اليمن، والتسابق المحموم بينهما في فرض تواجدهما في المناطق الساحلية ومناطق الثروة الغازية، يؤكد تلك التوقعات، والأمر هكذا، فإننا في انتظار ضربات جديدة للديكتاتور محمد بن زايد بعدما ظن أنه في صعود بلا سقوط!.
اضف تعليقا