خلال السنوات الأخيرة قامت دولة الإمارات بتوسيع نشاطها بشكل مكثف في قارة أفريقيا، حيث قامت الدولة الخليجية عبر شبكة مصالح اقتصادية وعسكرية، بتمديد أذرعها في العديد من القطاعات التقليدية وغير التقليدية، مستغلة التواجد الصيني بالقارة السمراء.
وقامت أبوظبي بغزو القارة السمراء تحت راية الشراكة الاقتصادية، كعنوان لحركتها التوسعية في القارة التي تتوفر فيها فرص استثمارية بكر، لا توجد في نظيراتها، بجانب تمتعها بموارد طبيعية غنية لا تمانع حكومات دول أفريقية كثيرة استنزافها خارج منظومة سليمة تحقق النمو الاقتصادي البعيد المدى.
ووفق صحيفة “الأخبار” اللبنانية، تنشط الإمارات في أفريقيا عبر ذراعها المهمّة “موانئ دبي العالمية”، التي تُوسّع حالياً عملياتها في السنغال لبناء وتشغيل ميناء “دوفيوتشر” في العاصمة داكار.
كما تنشط أيضا في موزمبيق وإقليم “أرض الصومال” (بالمخالفة لقرارات الحكومة الصومالية الفيدرالية في مقديشو) ورواندا والجزائر، وذلك بعدما وقّعت أخيراً اتفاقات مع مالي لإقامة منصّة لوجيستيات، ومع جمهورية الكونغو الديمقراطية لتطوير وإدارة ميناء مياه عميقة بقيمة مليار دولار، سيكون الأول من نوعه في الجمهورية.
ورغم حرص الإمارات، أحد شركاء الاتحاد الافريقي، على الظهور كقوة تقوم على الدبلوماسية الناعمة، إلا أنه يمكن تلمّس نهجها الاستغلالي في أفريقيا من خلال مشاركتها في “مبادرة الحزام والطريق” التي تعمل الصين على تنفيذها عبر موانئ متناثرة على السواحل الأفريقية (تُقدّر التكلفة الإجمالية لمشروعات المبادرة بنحو 1.1 تريليون دولار)، وأيضا كقوة خشنة في القرن الأفريقي.
تسعى الإمارات لتعزيز وضعها كبوّابة للأسواق الأفريقية، الأمر الذي يتناقض جزئياً مع تأكيدها أنها من أهمّ مموّلي مشروعات البنية الأساسية، وسدّ فجوات السوق في القطاعات السريعة النمو، ولا سيما منها النقل وتوليد الطاقة والاتصالات.
قطاعات غير تقليدية
وإلى جانب توسّعها في قطاعات تقليدية مثل الزراعة، اقتحمت الإمارات قطاع المصارف، خصوصاً عبر “بنك دبي الإسلامي” الذي تَوسّع في العامين الأخيرين في كينيا وعدد من الدول التي لم يسبق له العمل فيها.
ووسّعت أبوظبي عبر شركة “ياهسات” خدمات “البرودباند” لتشمل 19 سوقاً أفريقية تغطي 60% من السكان، توازياً مع تمويلها تشييد مشروعات للطاقة المتجددة في سيشل، ودشّنت شركة “Emirates Global Aluminium” عمليات تصدير خام البوكسيت من مشروعها التعديني في غينيا.
وتستثمر الإمارات في موزمبيق نحو 3.3 مليارات دولار في 52 مشروعاً في قطاعات الزراعة والتعليم والبترول وغيرها (بينما لم يتجاوز حجم التجارة بين البلدين 25 مليون دولار في عام 2018)، كما تبدأ استثمارات في قطاع البترول النيجيري في العام المقبل (عبر مشروع مشترك بين شركة أبوظبي الوطنية للبترول وأرامكو السعودية ومؤسسة البترول الوطنية النيجيرية).
وتهدف شركة أبوظبي تحديداً إلى استخدام نيجيريا كمنصّة لبيع الجازولين في بقية منطقة غرب أفريقيا، بينما تعوّل الشركة النيجيرية على الاستثمارات في مدّ أنابيب البترول ومراكز التكرير لتعزيز إنتاجها من البترول ليصل إلى 3 ملايين برميل يومياً في غضون ما بين عامين و 3 أعوام.
مضاعفة استثمارات
وتتوقع الإمارات مضاعفة استثماراتها في أفريقيا في عام 2020، مع تزايد اقتراض دول القارة ونموّ مشروعات البنية الأساسية، ولا سيما في قطاعات الطاقة والطاقة المتجدّدة والرعاية الصحية والتعليم والزراعة والسكك الحديدية والطرق والتجارة ومناطق الإمدادات.
ويُقدّر “بنك التنمية الأفريقي” حاجة البنية الأساسية وحدها في القارة الأفريقية إلى استثمارات سنوية بما بين 130 و170 مليار دولار، في ظلّ فجوة تمويلية قَدّرها البنك بما بين 67.6 و107.5 مليار دولار.
وتعمل الإمارات على تعزيز موقعها كخامس أهمّ شركاء أفريقيا جنوب الصحراء التجاريين بحجم تجارة بلغ 22 مليار دولار في عام 2018، وذلك بعد أوروبا (155 بليون دولار)، والصين (120 بليون دولار)، والهند (60 بليون دولار)، والولايات المتحدة (38 بليون دولار)، وترسيخ موقعها في قائمة أهم عشر دول مُصدِّرة للاستثمار الخارجي المباشر في أفريقيا جنوب الصحراء في نهاية العام الجاري.
وتعوّل الإمارات على اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية في كسب مزيد من الفرص. وعلى رغم عدم توقّع تفعيل تلك الاتفاقية بالكامل في عام 2020، فإن الشركات الإماراتية تمهّد الطريق لبناء العلاقات في سوق متزايد الأهمية.
مصالح عسكرية واستراتيجية
وفي حين تمتدّ مصالح الإمارات الاقتصادية في مختلف أرجاء القارة الأفريقية، فإن المصالح العسكرية والاستراتيجية الإماراتية، أو القوة الخشنة الحقيقية، تتركّز في منطقة القرن الأفريقي.
ووفق تقييم صدر عن “المنتدى الأمني الإماراتي” في ديسمبر/كانون الأول الجاري، بعنوان “إعادة تشكيل مستقبل القرن الأفريقي”، فإن القارة شهدت تحولات مكثفة في عام “استثنائي”، جلّه انتقالات غير مسبوقة “يمكن أن تُحوّل أحد أكثر أقاليم العالم التي تضربها الصراعات إلى إقليم جديد من التعاون والازدهار”.
وأكد “المنتدى الأمني” على ضرورة النظر إلى القرن الأفريقي من نافذة “تأمين الفرص الاقتصادية والاستثمارية والتجارية في القرن والإقليم الأكبر، بدلاً من التركيز على التحدّيات الأمنية وحدها”، وأيضاً ضرورة النظر إلى هذه المنطقة على أنها جزء من اقتصاد المحيط الهندي الأكبر.
غير أن الإمارات، بممارستها سياسات تمركز عسكري في إريتريا و”جمهورية أرض الصومال”، تُورّط الإقليم في مزيد من الصراعات مستقبلاً.
اضف تعليقا