تثير التقارير الواردة عن مناقشات تجريها الإمارات مع إسرائيل والولايات المتحدة بشأن إدارة مؤقتة لقطاع غزة تساؤلات حادة حول النوايا الحقيقية وراء هذه الخطوة. يأتي ذلك في ظل دور متزايد للإمارات في ملفات حساسة بالمنطقة، يُنظر إليه من قبل كثيرين كمحاولة لتعزيز التحالف مع الاحتلال الإسرائيلي على حساب الحقوق الفلسطينية.

تُشير تقارير “رويترز” إلى أن الإمارات تسعى بالتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة إلى إقامة إدارة مؤقتة في غزة عقب الحرب. يُطرح هذا المشروع كحل مؤقت إلى حين “إصلاح السلطة الفلسطينية”، لكن الحقيقة تبدو مختلفة؛ إذ يمكن قراءة هذه الخطة كجزء من مسار إماراتي يستهدف تطبيعًا جديدًا للاحتلال عبر خلق قنوات إدارة دولية تكرس الهيمنة الإسرائيلية.

لكن على الرغم من الادعاءات بأن هذا المشروع يهدف إلى دعم الفلسطينيين، إلا أنه يفتقر إلى تفاصيل واضحة ويبدو أنه يواجه رفضًا واسعًا.

شريك للاحتلال الإسرائيلي

تُحاول الإمارات تصوير نفسها كشريك دولي يسعى إلى إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار في غزة، لكنها بذلك تؤدي دورًا يعزز الاحتلال الإسرائيلي، كون الإمارات واحدة من الدول القليلة التي تُقيم علاقات دبلوماسية مع الاحتلال، يمنحها نفوذًا تستخدمه لفرض رؤى تتماهى مع المصالح الإسرائيلية.

ويبدو أن هذا الدور لا يعكس سوى تعزيز للأجندة الإسرائيلية التي تعارض بشدة إقامة دولة فلسطينية حقيقية، كما أن الحديث عن الاستعانة بمتعاقدين عسكريين من شركات خاصة يُثير مخاوف جدية. هذه الخطوة، في حال تطبيقها، لن تؤدي إلا إلى مزيد من عسكرة القطاع وتفاقم معاناة سكانه، خاصة في ظل سجل هذه الشركات الحافل بالانتهاكات في العراق وأفغانستان.

كذلك طالبت الإمارات بما تسميه “إصلاح السلطة الفلسطينية”، لكنها في الوقت نفسه تُعيق أي جهود حقيقية لاستقلال القرار الفلسطيني. بيد أن تصريحات مسؤولين إماراتيين بشأن تعيين رئيس وزراء جديد واستبعاد القيادة الحالية للسلطة الفلسطينية تُظهر بوضوح محاولات للتدخل المباشر في الشأن الفلسطيني، وهو ما يُعتبر امتدادًا للسياسات الإسرائيلية التي تسعى إلى تفتيت الوحدة الفلسطينية.

إضافة إلى ذلك، يظهر اسم سلام فياض، رئيس الوزراء السابق، كشخصية مدعومة إماراتيًا لقيادة السلطة الفلسطينية الجديدة. هذه الخطوة ليست إلا محاولة لفرض أجندات خارجية تُضعف المقاومة الفلسطينية وتُعزز من نفوذ الاحتلال.

مشروع احتلال بغطاء إنساني

تُروّج الإمارات لفكرة إعادة إعمار غزة كمدخل لتحسين حياة السكان، لكن هذه المبادرة تأتي بتكلفة سياسية وإنسانية باهظة. إذ يُتوقع أن تستغرق عملية إعادة الإعمار سنوات طويلة، بتكلفة تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات، في وقت تُسيطر فيه شركات إماراتية مقربة من النظام الحاكم على مشاريع إعادة الإعمار. وهذا يُثير مخاوف من أن تتحول غزة إلى ساحة استثمارية جديدة للإمارات تستغل فيها معاناة الفلسطينيين لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية.

على الرغم من محاولات الإمارات تقديم نفسها كوسيط دولي، إلا أن المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، أكدت رفضها القاطع لأي تدخل أجنبي في شؤون غزة. 

كما أن أي مبادرة إماراتية تواجه رفضًا شعبيًا وسياسيًا، سواء داخل الأراضي الفلسطينية أو على المستوى العربي، حيث تُعتبر جزءًا من مسار تطبيع مرفوض يهدف إلى القضاء على القضية الفلسطينية.

وعلى الصعيد الدولي، فإن التحفظات الغربية على الدور الإماراتي تبدو واضحة، خاصة فيما يتعلق بالاستعانة بشركات عسكرية خاصة. هذا الرفض يُشير إلى إدراك المجتمع الدولي للمخاطر الكامنة في تحويل غزة إلى ساحة لتجارب سياسية وأمنية جديدة.

الخلاصة أن التحركات الإماراتية الأخيرة تظهر كجزء من مسار طويل يسعى إلى تقويض الحقوق الفلسطينية ودعم الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار. 

وبالرغم من محاولات الترويج لهذه الخطط كحلول مؤقتة، إلا أنها لا تخدم سوى أجندة الاحتلال على حساب الفلسطينيين. لذلك، فإن الوقوف ضد هذه المخططات يُعد واجبًا وطنيًا وقوميًا للحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني ومقاومة كل أشكال التطبيع مع الاحتلال.

اقرأ أيضًا : نظام بن سلمان والثورة السورية.. بين ادعاء الدعم وخيانة المبادئ