العدسة_ بسام الظاهر

بدأت الإمارات في خطة توسع كبيرة للنفوذ في مضيق باب المندب خلال الفترة الماضية، وسط تخوفات من السيطرة التامة عليه لتصبح أحد القوى الفاعلة في هذه النقطة المحورية في العالم.

ويعتبر مضيق باب المندب أحد أهم الممرات الملاحية في العالم حاليًا؛ لأنه يرتبط بقناة السويس، ويمر من خلاله سنويا أكثر من 21 ألف سفينة محملة بشتى أنواع البضائع تمثل 7% من الملاحة العالمية.

ويمثل المضيق أهمية قصوى لدول الخليج لمرور نحو 6.7% من مجمل تجارة النفط العالمية، كما أنّه يربط بين شرق إفريقيا وأوروبا والخليج العربي وآسيا، وبالتالي فإن له أهمية كبيرة ليس فقط لدى الإمارات ولكل للعالم أجمع.

ولكن هل تقبل أمريكا سيطرة الإمارات على المضيق من خلال إنشاء عدة قواعد في الدول المطلة على المضيق ولماذا؟

” جنود إماراتيين باليمن “

قاعدة بميون

منذ عام 2015 ومع مشاركة الإمارات في عاصفة الحزم ضمن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، ولجأت أبو ظبي أولا لتأمين مضيق باب المندب، بمشاركة قوات من البحرية المصرية.

واستقرت الإمارات في اليمن بالمنطقتين الغربية والجنوبية لدوافع ليس لها علاقة بمواجهة الحوثيين؛ إذ إن التدخل العسكري هناك كان لغاية السيطرة على موانئ وإنشاء قواعد عسكرية مطلة على البحر الأحمر والأهم مضيق باب المندب.

وبدأت الإمارات في تأسيس قواعد عسكرية في اليمن وأخيرًا في جزيرة ميون الواقعة على مدخل مضيق باب المندب، إذ اشتكى أهل الجزيرة من السيطرة على مساحة كبيرة من أرضهم وتحويلها إلى مناطق عسكرية مغلقة تسيطر عليها الإمارات التي أقامت فيها قاعدة جوية.

وتكشّف مخطط الإمارات لدراسة إنشاء هذه القاعدة خلال شهر يوليو الماضي، وذكر موقع “جاينز” البريطاني المتخصص في الشؤون العسكرية، أن صور الأقمار الصناعية تشير إلى أن الإمارات تنشئ مدرجا كبيرا على الجزيرة الواقعة بين اليمن وجيبوتي.

وبخلاف قاعدة ميون العسكرية، فإن الإمارات بدأت في تأسيس عدة قواعد عسكرية في اليمن مثل السيطرة على بلدة “ذو باب” القريبة من باب المندب إلى قاعدة عسكرية بعد تهجير أهلها ويقدرون بعشرة آلاف نسمة, ونقلوهم إلى خيام في منطقة صحراوية وفي ظروف قاسية.

وتدخلت الإمارات إلى تحويل ميناء المخا إلى قاعدة عسكرية, وبات حكرا على الإمارات تصل إليه سفنهم الحربية وإمداداتهم العسكرية.

كما سيطرت أبو ظبي على جزيرة سقطري التي تتميز بموقع هام لأنها نقطة التقاء المحيط الهندي مع كل من بحر العرب مع باب المندب قبالة شاطئ المُكلا جنوب اليمن (300 كم) وشواطئ الصومال (80 كم)، مما يضفي عليها أهمية استراتيجية بحرية لا تتوفر لكثير من الجزر المجاورة لها في تلك المنطقة.

واستغلت الإمارات الحرب في اليمن لتحقيق أهداف خاصة بالسيطرة على الموانئ والجزر المطلة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب تماما خلال العامين الماضيين، بل وأسست فيهم قواعد عسكرية.

ولكن لم تتوقف عند هذا الحد بل بدأت في التوسع في القارة الإفريقية بتأسيس قواعد عسكرية أيضًا في الدول المطلة على مضيق باب المندب.

سواحل باب المندب بين “اليمن” و “إريتريا”

قواعد عسكرية

الإمارات أسست 3 قواعد عسكرية في الدول المطلة على المضيق في إطار مخطط للسيطرة التامة عليها، ومحاولة تقاسم النفوذ ولكن الأهم هو حماية مصالحها الاقتصادية ودعم مخططها في السيطرة لتكون أحد أبرز القوى الإقليمية خلال الفترة المقبلة.

اتجهت الإمارات إلى أريتريا لإنشاء قاعدة عسكرية في ميناء عصب، لتكون أول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها وتحديدا في سبتمبر 2015 أي بعد الدخول إلى اليمن بعدة أشهر.

قامت القاعدة العسكرية على أنقاض مطار قديم، وتم الدفع بقوات هناك وتجهيز الإنشاءات التي بدت متسارعة للغاية، بحسب مركز “ستراتفور“.

وبحسب المركز، فإن خطوة قاعدة عصب يعزز من رغبة الإمارات ودول الخليج في تعزيز نفوذهم في تلك المنطقة المهمة والحيوية، خاصة وما يرتبط بها من أهداف اقتصادية وسياسية.

ولكن الإمارات أدينت بخرق حظر التسليح المفروض على إريتريا، خاصة مع استخدام القاعدة العسكرية في قصف أهداف في اليمن خلال الفترة الماضية.

وأقدمت أبو ظبي لتأسيس قاعدة عسكرية أيضًا في جيبوتي بعد استئجار منشأة في منطقة هراموس المجاورة لقاعدة عسكرية تستخدمها الولايات المتحدة.

أما في الصومال، فإن الإمارات تدخلت هناك لإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بربرة شمال غرب البلاد، بعد موافقة البرلمان الصومالي في فبراير الماضي، وذلك بعد الحصول على حق إدارة الميناء لمدة 30 عاما.

” ميناء راشد بدبي “

أهداف الإمارات

أن تسيطر الإمارات على مضيق باب المندب بنحو 5 قواعد عسكرية، لتفرض كلمتها على تلك المنطقة، ولكن لماذا هذه السيطرة؟

أولا: حماية مصالحها:

تسعى أبو ظبي إلى حماية مصالحها في منطقة خاصة وأن شركة موانئ دبي توقع عقود إدارة لعدد من الموانئ في المنطقة وعلى ساحل البحري الأحمر وبالتالي فإن هناك رغبة أكيدة على حماية تلك المصالح والحرص على عدم الإضرار بها.

وتخطط الشركة للسيطرة على موانئ المنطقة العربية وبعض دول العالم لعقود يمتد بعضها لمدة 30 عاما مثلما حدث في جيبوتي والصومال وإريتريا.

ثانيا: العين على دبي:

كما أن هناك أهدافا لدى الإمارات في الحرص على عدم تطوير أي موانئ في المنطقة، لعدم منافسة دبي التي تعتبر مركزًا هامًا للسفن المارة عبر البحر الأحمر باتجاه آسيا.

ولن تقبل الإمارات بتعطيل أو إغلاق مضيق باب المندب من قبل الحوثيين الموالين لإيران بما يضر بدبي، وبالتالي تتكبد خسائر كبيرة، نظرًا لتحول السفن بعيدًا عن باب المندب إلى رأس الرجاء الصالح خوفًا من تعرضها لهجوم.

ثالثا: سيطرة سياسية:

كما أن هذا التوسع في القواعد العسكري يمنح الإمارات تمدّدًا في النفوذ بالمنطقة وتحديدًا السياسي، ودعم أطراف بعينها في المنطقة، مثل قائد القوات الموالية لمعسكر برلمان طبرق خليفة حفتر، والذي كشف تقرير أممي عن خرق الإمارات حظر تصدير الأسلحة لليبيا عبر دعم حفتر بالأسلحة والطائرات.

“بن زايد” و “ترامب”

موقف أمريكا

ولكن في وسط التمدد الإماراتي الكبير، يبرز سؤال حول الموقف الأمريكي من هذه السيطرة؟.

وبدا أن هناك تفاهمات بين أمريكا والإمارات على لعب هذا الدور في المنطقة، خاصة مع تقليل من الأعباء الأمريكي والانشغال بعدة قضايا أكبر وأهم.

وقد يكون سماح أمريكا للإمارات جزءًا من تقاسم السيطرة لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، يرتبط بشكل أساسي بمحاصرة إيران وتأمين المجرى الملاحي.

وكشفت تقارير إخبارية، أن ولي عهد الإمارات محمد بن زياد، على اتصال دائم بوزارة الدفاع الأمريكية لتوسيع دور البحرية الإماراتية حتى باب المندب.

وتدور أحاديث داخل دوائر مقربة من بن زايد أنه يسعى إلى عقد اجتماع ثلاثي بين قادة البحرية الإماراتية وقادة البحرية الأمريكية وقادة البحرية المصرية لبحث سبل التعاون في المنطقة.

وبالتالي فإنه لا تعارض بين الدور الذي تلعبه الإمارات في مضيق باب المندب والرغبة الأمريكية، إذ بدا واضحًا أن أمريكا لا يقلقها هذا الدور طالما تم بموافقة وتنسيق.

وما يدعم هذا التنسيق، ما أعلنه مسؤولان أمريكيان، في فبراير الماضي، أن الولايات المتحدة نشرت مدمرة تابعة للبحرية قبالة اليمن لحماية الممر المائي من المسلحين الحوثيين، وسط تصاعد حدة التوتر بين واشنطن وطهران.