العدسة – منصور عطية

يبدو أن دولة الإمارات العربية المتحدة ماضية في ممارسة أدوارها المشبوهة في اليمن، على نحو يناهض أهداف تحالف الشرعية الذي تعد أحد أبرز مكوناته، عن طريق التصعيد ضد هذه الشرعية التي دفعت أبو ظبي من دماء أبنائها لاستعادتها.

مؤامرة جديدة يقودها أتباع الإمارات في جنوب اليمن ضد الشرعية المتمثلة في حكومة “أحمد عبيد بن دغر” المعين من قبل الرئيس “عبدربه منصور هادي” بغية إسقاطها من قلب أول المدن اليمينة التي حررها التحالف العربي من قبضة ميليشيا الحوثي.

مؤامرة إسقاط الشرعية

أعلنت قيادات يمنية جنوبية منضوية في إطار ما يسمى بـ”المقاومة الجنوبية” وكذا “المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعومين من الإمارات، حالة الطوارئ في مدينة عدن، جنوبي البلاد، وقالت إنها ستشرع في إسقاط الحكومة الشرعية التي اتهمتها بـ”الفساد”، كما رفضت أي تواجد “عسكري” لقوات شمالية في المحافظات الجنوبية.

جاء ذلك عقب اجتماع عقد، الأحد 21 يناير الجاري، بدعوة رئيس “المجلس الانتقالي الجنوبي”، المدعوم من الإمارات “عيدروس الزبيدي”، لقيادات “المقاومة الجنوبية” التي تشكلت أثناء المواجهات مع جماعة الحوثي في 2015.

وصدر عن الاجتماع بيان تضمن العديد من المواقف، بما في ذلك إعلان “حالة الطوارئ” في عدن، والبدء بإجراءات إسقاط الحكومة الشرعية، التي يقودها “بن دغر”، والتي اتهمها البيان بانتهاج سياسة “التجويع والعبث والفساد”.

وأعلن الاجتماع رفضه تواجد أي قوات عسكرية أو قيادات من المحافظات الشمالية، وذلك بعد الأنباء التي تحدثت عن وجود طارق صالح، نجل شقيق الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، في أحد المعسكرات بمدينة عدن، بالتنسيق مع التحالف الذي تقوده السعودية.

واعتبر الزبيدي، الذي تحدث بكلمة أمام الاجتماع، أن وجود أي قوات شمالية بمثابة “استفزاز لمشاعر الجنوبيين”.

رد الصفعة لهادي

اللافت أن هذا التصعيد الجنوبي يأتي بعد أقل من شهر على قرارات “هادي” الإطاحة بمحافظين جنوبيين ووزير، يمثلون رموز “المجلس الانتقالي الجنوبي” نواة انفصال الجنوب اليمني، والذي اُعلن تشكيله كردة فعل على أبرز قرار لهادي في سياق الإطاحة برموز الانفصال، حيث أقال في أبريل الرئيس الحالي للمجلس ومحافظ عدن “عيدروس الزبيدي”.

قرارات هادي شملت تغييرات أمنية وإدارية وحكومية واسعة، لكن أكثر ما لفت الأنظار الإطاحة بثلاثة من الموالين للإمارات أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي، وهم: “ناصر الخبجي” من منصبه محافظًا للحج، و”فضل الجعدي” من الضالع، وإقصاء “عادل الحليمي” من وزارة النقل.

ولعل الدلالة الأبرز في تلك القرارات أن هؤلاء المستبعدين حل مكانهم شخصيات مناوئة للمجلس الانتقالي وللإمارات ودورها المشبوه في اليمن، وهم: اللواء ركن علي مقبل صالح محافظًا للضالع إلى جانب مهامه قائدًا للواء 33 مدرع قائدًا لمحور الضالع، والعميد ركن أحمد عبد الله التركي محافظًا للحج قائدًا للواء 17 مشاة، وصالح أحمد الجبواني وزيرًا للنقل.

السياق الزمني هو الآخر يحمل دلالات قوية، حيث جاءت القرارات بعد يوم واحد من انعقاد “الجمعية الوطنية العمومية” التي أعلنها المجلس الانتقالي في عدن على أساس أن تشكل برلمانًا يضم محافظات الجنوب.

وكان المجلس الانفصالي، الذي يرأسه محافظ عدن المقال “عيدروس الزبيدي”، قرر في اجتماعه السبت الماضي، اختيار اللواء “أحمد بن بريك”، محافظ حضرموت السابق رئيسًا للجمعية الوطنية العمومية، التي تضم 300 عضو من قيادات الانفصال بالمحافظات الجنوبية.

هذه الجمعية تعد لبنة أخرى من لبنات مشروع الانفصال الذي ترعاه الإمارات بقوة، وفي نوفمبر الماضي، تظاهر أنصار المجلس وسط مدينة كريتر بمحافظة عدن، في أول خطوة تصعيدية تهدف إلى إسقاط الحكومة الشرعية، وأعلنوا دخولهم في اعتصام مفتوح.

هذه المفارقة تجعل من التصعيد الجنوبي بمثابة المحاولة لرد الصفعة إلى الرئيس هادي بعد إقالاته السابقة التي تأتي ضمن حالة الصراع الدائر بين الشرعية اليمنية من جهة والانفصاليين الجنوبيين بدعم من الإمارات.

معاداة لها جذور

ولعل الممارسات العدائية التي تقودها الإمارات ضد الرئيس اليمني ليست وليدة اللحظة بل تمتد جذورها إلى أكثر من عام كامل، حيث لم يتوجه إلى عدن التي يُفترض أنها العاصمة المؤقتة للبلاد، نتيجة دور الإمارات المسيطرة على المدينة كليًا في ذلك.

وفي سبتمبر الماضي، قصفت الإمارات قوات الحماية الرئاسية التابعة للرئيس اليمني، وكذلك منعت طائرته من الهبوط في مطار عدن الدولي، ورفضت تنفيذ قرارات رئاسية له في تغيير مدير مطار عدن الدولي ومناصب حكومية في المحافظة الجنوبية.

مصادر يمنية كشفت أنه مقابل الإسناد الجوي الإماراتي تحركت “ميليشيا الحزام الأمني” الموالية لأبو ظبي على الأرض باتجاه (خور مكسر) حيث مقر المطار، لفك الطوق الذي فرضته قوات الحرس الرئاسي على العناصر التابعة للقيادي في الجنوب صالح العميري المعروف بـ”أبي قحطان” بداخل مقر المطار، ثم اعترضت ميليشيا الحزام الأمني قوات من الجيش الوطني التابع للمنطقة العسكرية الرابعة أثناء توجهها نحو المطار، واشتبك الطرفان.

وقبلها بأشهر كانت حادثة قصف اللواء 23 في منطقة العبر بمحافظة حضرموت، جنوبي اليمن، حيث تعرض هذا اللواء، الذي كان يضم قوات موالية للرئيس “هادي”، إلى قصف من طائرات إماراتية قيل إنه “عن طريق الخطأ”؛ ما أدى إلى مقتل 53 جنديًا وجرح العشرات.

الأمر ينسحب على العديد من الانتهاكات الإماراتية في اليمن التي تبدو أكثر من أن تُحصى، لكن من أبرز تجلياتها ما كشفته تقارير إعلامية وحقوقية، من وجود شبكة سجون سرية في اليمن تديرها دولة الإمارات، ويخضع فيها المعتقلون لصنوف مختلفة من التعذيب.

التقارير أوضحت أن هذه السجون توجد داخل قواعد عسكرية ومطارات وموانئ يمنية عدة، بل حتى في مبان سكنية، وأشارت وكالة “أسوشيتدبرس” إلى أنها وثقت ما لا يقل عن 18 سجنًا سريًا في جنوب اليمن تحت إدارة الإماراتيين أو القوات اليمنية التي شكلتها ودربتها أبو ظبي.