في الآونة الأخيرة شكت الدول الخليجية جميعها من أزمات اقتصادية متفاوتة، وراح مسؤولوها يتحدثون بين الحين والآخر عن ضرورة وضع خطط للتقشف وزيادة الضرائب ورفع الجمارك بهدف سد عجز الموازنة المتصاعد، ومحاولة ترميم الاحتياطي النقدي المتهالك.
دولة واحدة فقط، كانت دائما بعيدة عن كل تلك الأزمات هي «دولة الإمارات» حيث لم يسمع لها صوت عند الحديث عن الضرائب التصاعدية، ولا الخطط التقشفية، ولافرض ضرائب إضافية على شعبها، لكن يبدو كما يقال أن «دوام الحال من المحال»!
فهذه الدولة الخليجية الصغيرة الغنية بالنفط، والتي تعد مركزا تجاريا واقتصاديا هاما بالنسبة لدول العالم، وكان اقتصادها يتخطى الـ100 مليار دولار، يبدو أن الأزمة الاقتصادية قد نالت منها مؤخرا،فأصبح مسؤولوهايتحدثون ولأول مرة في تاريخها عن تجميد في الرواتب وتقليص للمكافآت ورفع في أسعار الكهرباء والوقود وإرجاء تنفيذ المشاريع الكبرى.
وأخيرا أعلنت الإمارات وللمرة الأولى أيضا عن فرض ضرائب باسم “الضريبة الانتقائية”،بدءا من أكتوبر الجاري، على المشروبات الغازية والسكرية بنسبة 50%، كما رفعت أسعار منتجات التبغ ومشروبات الكافيين بنسبة 100%.
فما الذي حدث في الإمارات؟ وهل هذه الإجراءات بداية لتردي أحوالها؟ وأين ذهبت أموال أولاد زايد؟
تراجع أسعار النفط عالميا
وفقا لخبراء، فإن دول الخليج العربي وفي القلب منها الإمارات، تعاني من استمرار انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، وهو ما تسبب في مشكلات اقتصادية كبيرة، على الرغم من الاحتياطات المالية الضخمة التي تمتلكها، خصوصا أن دول الخليج كانت تعتمد بشكل كبير على واردات النفط لتمويل الجزء الأكبر من الموازنات العامة.
وبعدما كان سعر برميل النفط لنحو 120 دولار بات سعره الحالي لايتخطى الـ55 دولارا، وهو ما أثر على الاقتصاد الخليجي، والإماراتي منه خاصة بشكل كبير.
ويرى مراقبون وخبراء اقتصاد أن هذه القرارات من جانب حكام الإمارات تأتي في محاولة لتعويض التراجع الحاد في إيرادات البلاد بسبب تراجع أسعار النفط، حيث يتوقع المسؤولون بالإمارات أن تبلغ إيرادات الضريبة الانتقائية نحو 7 مليارات درهم (1.9 مليار دولار) سنويا.
وبحسب الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام، فإن “الإمارات التي قررت لأول مرة “فرض ضرائب على المواطنين ورفع أسعار السجائر ومشروبات الطاقة إلى الضعف، تحاول زيادة إيرادات الدولة بسبب تهاوي أسعار النفط وعدم وجود أمل في تحسن الأسعار في المستقبل القريب”.
مليارات هدم الربيع العربي
لم يكن تراجع أسعار النفط عالميا هو السبب الوحيد، في الأزمات الاقتصادية التي يبدو أن الإمارات مقبلة عليها وسيدفع ثمنها مواطنوها، لكن الإنفاق الكبير الذي أنفقته الإمارات خارج حدود أراضيها لعب دورا كبيرا في إضعاف اقتصادها، ودفعها دفعا للسحب من احتياطيها النقدي، الذي تحاول الإمارات دائما أن تحيطه بهالة من السرية.
فخلال السنوات الأخيرة قدمت الإمارات دعماً مالياً وعسكرياً فاق التصور للثورات المضادة في دول الربيع العربي، خاصة في مصر وليبيا واليمن وسوريا، جلها تنفق عشرات وربما مئات المليارات من الدولارات.
وبشكل عام، موّلت الإمارات حروباً خارجية تحت مسميات عديدة بهدف تدمير ثورات الربيع العربي، فموقف أبوظبي المناهض لثورات الشعوب دفعها لاحتضان ودعم رموز الثورات المضادة من كل مكان، كما أنها وفرت بيئة ملائمة لاحتواء الفارين من العدالة مثل أحمد شفيق ومحمد دحلان وأسرة بشار الأسد ونجل علي عبدالله صالح، فضلاً عن فتح خزائنها لوسائل الإعلام الساعية لهدم الربيع العربي في الداخل والخارج، وهو ما يجعلها بحق إمارة الأموال الضائعة.
وقدمت أبوظبي لمصر مليارات الدولارات لإسقاط الرئيس محمد مرسي، واستمر هذا الدعم لنظام السيسي، حيث يقدر ما تم تقديمه للسيسي بحوالي 40 مليار دولار في السنوات الأربع الماضية.
وذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية أن الإمارات تضخ أموالاً طائلة لمحاربة الإسلام السياسي في المنطقة.
وفي تسريبات سابقة، ذكرت أن عبدالله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي اتصل شخصيًا بأحمد علي عبدالله صالح نجل الرئيس اليمني المخلوع وبلغه استعداد الإمارات لدعم ترشحه للرئاسة في 2014، وأن الإمارات ستقدم المليارات لدعمه، في تصرف يرسم علامات استفهام كبيرة حول الدور الذي تقوم به الإمارات عسكريًا في الأراضي اليمنية في الوقت الحالي.
ليس هذا فحسب، بل إن تسريبات يوسف العتيبة السفير الإماراتي بالولايات المتحدة الأمريكية، كشفت عن ضلوع الإمارات في محاولة الانقلاب الفاشلة على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عام 2016، وأن الإمارات أنفقت ملايين الدولارات لإسقاط أردوغان دون جدوى.
كذلك فإن الإمارات تنفق على الآلات الإعلامية التابعة لها في مختلف الدول العربية والأوروبية مئات الملايين من الدولارات بهدف تحسين صورتها وتشويه صور من ترغب في تشويههم من الدول الأخرى.
حروبها في اليمن وليبيا وأفريقيا
وبالإضافة لذلك فإن الحروب التي تخوضها الإمارات بشكل مباشر كحربها في اليمن، أو بالوكالة كحربها في ليبيا، كلفتها مليارات الدولارات، وتسببت في خسائر إماراتية عسكرية واقتصادية كبيرة.
ويعد اللواء خليفة حفتر أبرز من زاروا الإمارات وتلقوا الدعم من حكامها، ولا يخفى على مراقب ما يتم تقديمه لحفتر من أموال ومعدات عسكرية قادمة من الإمارات.
وأرسلت الإمارات في 2014 العشرات من الطائرات المقاتلة للقيام بمهمات قتالية دعماً لحفتر، وكانت الإمارات قد شاركت الولايات المتحدة وحلفاءها عملياتهم العسكرية في ليبيا في 2011.
ودفعت الإمارات نفقات الحرب والتدخل المصري في ليبيا إلى جانب حفتر، والتي تقدر بمليارات الدولارات.
أيضا فإن اشتراك الإمارات في حرب مباشرة ضد الحوثيين في اليمن، وضمن مايعرف بـ”التحالف العربي”، جعلها تخسر ملايين الدولارات بالإضافة إلى الخسائر العسكرية الكبيرة.
وخسرت الإمارات في حرب اليمن عدداً كبيراً من الضحايا قد يصل إلى مئات القتلى والجرحى، كما تحطمت العديد من المروحيات وتضررت سفن حربية، أو واحدة على الأقل، تابعة للقوات الإماراتية، فضلا عن إنفاق ملايين على المعدات العسكرية.
ومع استمرار الفشل الإماراتي والسعودي في اليمن،لجأت الإمارات لاستئجار مرتزقة من دول أفريقية لخوض حرب اليمن بالنيابة عنها وفقا لتقارير إعلامية دولية، وستدفع الإمارات لهؤلاء الجنود ملايين الدولارات أيضا، في حرب غير مفهوم مقصدها الحقيقي حتى اللحظة.
ولم تقتصر حروب الإمارات على المنطقة العربية فقط، بل امتدت للقارة السمراء، حيث دعمت الحملة العسكرية الفرنسية على مالي وأفريقيا الوسطى في يناير 2013 مالياً وعسكرياً.
كل تلك الأسباب أدت إلى تراجع الاحتياطي النقدي للإمارات بشكل كبير، خاصة أنها باتت تعاني من عمليات سحب منتظم منه منذ ثلاثة أعوام.
اضف تعليقا