بلا أدنى حاجة لمزيد من الأدلة، بات واضحا كيف يسعى النظام الحاكم في دولة الإمارات لخلعها عن كل هوية تربطها بالمحيط الإسلامي، بل وبالإسلام نفسه، وهي الخطة التي بدأت في العقد الماضي مع تصفية المراكز الإسلامية وحركة الإصلاح الإماراتية الشهيرة، لتبدأ بعدها حكومة الإمارات ونظامها خطة متسارعة لمحو الهوية الإسلامية من الحاضر الإماراتي.
آخر تقاليع هذه الخطة المستارعة لصرف الهوية الإسلامية عن عقول الأجيال الإماراتية الصاعدة، ما أعلن عنه النظام الإماراتي قبل أيام، ودخل حيز التنفيذ اليوم لأول مرة في تاريخ البلاد، بإعلان يوم الجمعة يوم عمل عادي لجميع الفئات المهنية والطلابية بالبلاد، واعتماد يوم الأحد إجازة رسمية بدلا عنه على الطريقة الكنسية الأوروبية.
واليوم الجمعة، توجّه الموظفون والطلاب الإماراتيون والوافدون المقيمون بالبلاد، إلى أماكن العمل والدراسة الجمعة للمرة الأولى في تاريخ الإمارات، بعد تغيير عطلة نهاية الأسبوع رسميا في الدولة الخليجية “المسلمة” لتصبح يومي السبت والأحد بالتشابه مع الدول الغربية المسيحية.
وكما هو متوقع في بلد تنعدم فيه الحريات، لم يترك النظام الإماراتي فرصة لهذا القرار لنقاش مجتمعي حقيقي أو غير حقيقي، حيث دخل فورا حيز التنفيذ بشكل إجباري، تاركا المواطنين والوافدين على حد سواء في حيرة من أمرهم، لا سيما الإمارتيون الذين اعتادوا أن يقضوا هذا اليوم بصحبة أولادهم وعائلاتهم قبل اصطحابهم إلى الصلاة.
وفور صدور القرار، واجه أغلب صعوبات في التغيير بينما انقسمت بعض شركات القطاع الخاص، حيث انتقل عدد منها إلى إجازة أسبوعية يومي السبت والأحد بينما فضلت أخرى الإبقاء على الجمعة والسبت كعطلة نهاية الأسبوع.
هذا التذبذب في تنفيذ القرار وضع الكثير من العائلات في مأزق، حتى إن وكالة فرانس برس نقلت عن البريطانية الوافدة ريتشل كينغ (22 عاما) التي تعمل في قطاع الضيافة وتقيم في دبي منذ ستة أشهر قولها “كنت سأفضل أخذ (الجمعة) كيوم عطلة، هذا ما نعرفه ونحبه. العطلة في يوم الجمعة والذهاب إلى أماكن معينة والقيام بأنشطة مختلفة. ولكن الآن سنقوم بذلك يوم السبت”.
وقالت وافدة أخرى تدعى فاتي وتعمل في شركة دولية للتوزيع: “لحسن الحظ، سأحظى بنفس أيام العطلة مع أولادي ولكن الأمر يختلف مع زوجي”. إذ إن زوجها يعمل في شركة متعددة الجنسيات “لم تقم بتغيير جدول عملها حتى الآن. آمل أن يقوموا بذلك بسرعة أو سيدمر ذلك حياتنا العائلية”.
وبشكل عام، جاء هذا القرار في وقت تحتدم المنافسة الإقليمية بين أبو ظبي والرياض، خصوصا مع محاولة السعودية دفع عاصمتها الرياض للتحوّل إلى مركز دولي على غرار دبي.
وأجرت شركة “ميرسر” للاستشارات استطلاعا شمل 195 مؤسسة عمل، وقال 23% منها فقط إنها ستقوم بتقليص أيام العمل إلى أربعة أيام ونصف، ووجد الاستطلاع أن قرابة ثلث الشركات تشعر بالقلق من تباين أيام العطلة الأسبوعية مع دول أخرى في المنطقة.
ونقل الاستطلاع عن “رنا” التي تعمل في شركة تنظيم فعاليات أن بعض الفرق ستضطر للعمل يوم الأحد، موضحة “نعمل كثيرا مع مصر والسعودية، هذا القرار يفصلنا عن محيطنا الإقليمي”.
لكن سعي الإمارات لخلع هويتها الإسلامية لا يبدو غريبا مع تحركاتها سواء في الداخل أو الخارج، لا سيما بعدما نشر موقع “بولتكس توداي”، مقالا للكاتب أندرياس كريغ تحدث فيه عن نجاح محاولة الإمارات التأثير في الرأي الغربي عن الإسلام، وإضفاء الطابع الأمني عليه، وعلاقة الإمارات بوكالة الطوارئ المدنية السويدية، بالإضافة إلى مركز دراسات التهديد غير المتكافئ والإرهاب في السويد، وتصدير رئيس أبحاثه، ماغنوس رانستورب.
ويقول الكاتب أندرياس كريغ إنه في الآونة الأخيرة، أعلنت وكالة الطوارئ المدنية السويدية “MSB” التي تعمل تحت إشراف وزارة العدل عن إنشاء وكالة للدفاع النفسي، وهي خطوة ذكية في الوقت الذي تهدد فيه عمليات التأثير التي تقوم بها قوى خارجية، نزاهة الخطاب المحلي.
وبحسب تحقيقات تلك اللجنة، فقد تم توثيق عمليات التأثير الروسية في الولايات المتحدة وأوروبا بشكل جيد جدا، وعلى الرغم من ذلك، عند إلقاء نظرة أقرب، تجد أن الوكالة السويدية الجديدة مرتبطة مع مركز معلومات ذي روابط قوية مع الإمارات العربية المتحدة.
ويقول كاتب المقال إن أبو ظبي حاولت بنشاط تشكيل وتأطير الخطاب العام حول الشرق الأوسط والربيع العربي والإسلام في أوروبا أيضا، وبعد الربيع العربي، تم إضفاء الطابع الأمني على “الإسلاموية” كتهديد أساسي.
وبحسب تحليلات اللجنة السويدية، تندفع الدائرة المقربة حول رجل الإمارات “محمد بن زايد”، من رهاب عميق الجذور من النشاط المجتمعي المدني الذي لا توافق عليه الدولة، بل والأسوأ من ذلك أن قوة المعتقد الديني قد تضفي عليه الشرعية.
ويخلص التقرير إلى أن المسؤولين الإماراتيين كانوا ولا يزالون في طليعة من عملوا على إضفاء الطابع الأمني على الإسلام ووصم أي نشاط مجتمعي مدني مرتبط به على أنه “إرهاب”، وقد أصبح وسيلة لتبرير الاستبداد في الداخل وفي المنطقة، وبشكل متزايد في الغرب أيضا.
اضف تعليقا