في إطار الفضائح الإماراتية المستمرة، كشفت تحقيقات أوروبية عن إخفاق الدولة النفطية في الالتزام بالمعايير الأوروبية لمكافحة جرائم غسيل الأموال بعد 4 أشهر من إنذار أوروبي شديد اللهجة بإدراج أبوظبي ضمن قائمة الاتحاد الأوروبي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

ويأتي هذا الفشل في ظل تطابق تقارير عن شبهات تورط مؤسسات وأفراد إماراتيين أو مقيمين فيها في جرائم غسيل الأموال والأنشطة المالية غير القانونية.

وخلصت مسودة تحقيقات سرية أجرتها المفوضية الأوروبية أن غالب المعاملات المالية والعقارية والتجارية  في الدولة الغنية تعتمد على التدفق المستمر للعائدات والإيرادات غير المشروعة الناتجة عن الجريمة والفساد عبر عمليات غسيل الأموال.

 

 

أموال مشبوهة..

 

وكشفت التحقيقات أن المنظمات والجهات الفاعلة الفاسدة والإجرامية من جميع أنحاء العالم تعمل من خلال إمارة دبي أو انطلاقا منها عبر عمليات غسيل الأموال بما يشمل ذلك شراء العقارات.

كما أظهرت التحقيقات أن رجال العصابات من روسيا وأمراء الحرب الأفغان والحكام النيجيريين و غاسلي الأموال الأوروبيين ومنتهكي العقوبات الإيرانيين، ومهربي الذهب من شمال إفريقيا؛ كل أولئك يجدون إمارة دبي مكانًا ملائمًا لعملياتهم المشبوهة من خلال عمليات غسيل الأموال.

المؤسسات الأوروبية المتخصصة رصدت عدم اتخاذ إجراءات جادة في إمارات الشر بشأن مكافحة جرائم غسيل الأموال، ما سمح بتفاقم الظاهرة، بدلًا من ضمان انحسارها، حسب ما تطالب به بروكسل. 

وكشفت تلك المؤسسات أن كبار مسؤولي الإمارات متورطون في جرائم غسيل أموال، سواء بالمشاركة المباشرة في هذه العمليات، أو بغض الطرف عنها.

ويُعتقد أن المبالغ الضخمة من المعاملات النقدية والتحويلات بين الدول في دولة الإمارات وحكامها الأثرياء، إضافة إلى محيطها الجغرافي الذي يضم عددًا من البلدان التي تزعزع استقرارها بسبب النزاعات، تجعل هذه الدولة بيئة مثالية لجذب غسيل الأموال.

 

 

عريضة برلمانية..

 

وقع 12 عضوا في البرلمان الأوروبي، في العاشر من أيار/مايو الماضي، على عريضة موجهة إلى المفوضية الأوروبية تطالب بالسعي لكبح جماح جرائم غسيل الأموال في دولة الإمارات.

وأتت هذه التحركات من المفوضية عقب توقيع العريضة على إثر خطاب نشره مركز الديمقراطية للشفافية (DCT) لمكافحة الأنشطة المالية غير القانونية وغسيل الأموال بسبب تأثيرها على أوروبا. هذا بالإضافة إلى دعوة النواب في العريضة للمفوضية الأوروبية إلى اتخاذ إجراءات فورية؛ مثل إدراج دولة الإمارات العربية المتحدة في القائمة السوداء الأوروبية.

كما أعرب أعضاء البرلمان الأوروبي عن قلقهم العميق إزاء التقارير الموثقة التي تفيد أن ازدهار الإمارات الاقتصادي، لا سيما دبي، خلال العقود الأخيرة، ليس نتيجة سنوات من التنمية الاقتصادية فحسب، بل إن نجاحه يعود جزئيًا إلى تدفق مستمر للعائدات والإيرادات المالية غير المشروعة المتأتية من الجريمة والفساد المالي، بكل أنواعه ومستوياته.

الرسالة طالبت المفوضية بالنظر بشكل خاص لسياسات مكافحة غسيل الأموال تجاه دولة إمارات الشر، بالنظر إلى المخاطر الكبيرة الواضحة، حيث تغض الحكومة الإماراتية، وكذلك المجتمع الدولي، الطرف عنها.

إضافة إلى ما سبق، دعت العريضةُ إلى “إعادة النظر في تحديث القائمة الأوروبية للبلدان الثالثة عالية الخطورة، فيما يتعلق بمعايير مكافحة غسل الأموال، من خلال تضمين الإمارات العربية المتحدة”.

 

 

تهديدات رسمية..

 

وفي فبراير/ شباط الماضي، هددت المفوضية الأوروبية بأنها ستضع الدولة الغنية في قائمة الاتحاد الأوروبي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، في حال لم تكن قد أحرزت تقدمًا كبيرًا في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بحلول يونيو/ حزيران 2021.

وحينها، طرح الإيطالي، فولفيو مارتوسيلو، عضو البرلمان الأوروبي سؤالًا على المفوضية بعد قراءته تقريرًا لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، وهي واحدة من أهم وأعرق مراكز الأبحاث في العالم، وهي اعتبرت دبي “مكانًا ملائمًا للعمل مع غاسلي الأموال الأوروبيين”. وأشار ذلك التقرير إلى “دور دبي في تسهيل الفساد والتدفقات المالية العالمية غير المشروعة”.

كما توصلت المؤسسة إلى نتيجة خطيرة بشأن الشريك التجاري الرئيسي للاتحاد الأوروبي، حيث انتقدوا الإمارات ووصفوها بأنها “وجهة جذابة” للأموال القذرة.

وفي ردها على تهديدات المفوضية الأوروبية، أقرت الإمارات نهاية فبراير/ شباط الماضي ضمنيًا بالاتهامات، وذلك عن طريق تشكيلها لجنة شكلية تحت مسمى “المكتب التنفيذي لجهاز مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”.

وأعلنت الإمارات أن المكتب التنفيذي سيشرف على “تنفيذ الاستراتيجية الوطنية الإماراتية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وخطة العمل الوطنية وهو برنامج الإصلاحات المصمم لتعزيز نظام مكافحة الجرائم المالية في دولة الإمارات”.

وتم تعيين حامد الزعابي رسميًا في منصب المدير العام للمكتب التنفيذي لدولة الإمارات، على أن يستهدف تعزيز الدفاعات المحلية لدولة الإمارات ضد غسل الأموال وتمويل الإرهاب مع تمكين الإنفاذ الفعال.

غير أن اللجنة المشكلة لم تتخذ أي إجراءات فعلية على أرض الواقع في سبيل مكافحة عمليات غسيل الأموال بما في ذلك بناء هيكل قوي ومستدام لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في الدولة.

 

اتهامات سابقة..

 

ويشار إلى أن الحكومة البريطانية أعلنت في إبريل/نيسان الماضي عن فرض عقوبات على شخصيات في الإمارات بتهم جرائم غسيل الأموال.

وقبل ذلك صنفت وزارة الداخلية ووزارة الخزانة في المملكة المتحدة الإمارات على أنها ولاية قضائية معرضة لغسيل الأموال من قبل الشبكات الإجرامية.

وأكدت السلطات البريطانية على وجود ثغرات حولت الإمارات إلى ملاذ منظمات إجرامية تمارس عملها بأريحية. وانتقدت السلطات السهولة التي يمكن بها نقل الذهب والنقود عبر البلاد، وتسجيل معاملات مالية مشبوهة. 

كما شدد أحدث تقرير حول تقييم المخاطر الوطنية وغسيل الأموال والإرهاب 2020 في بريطانيا، على ضرورة تسليط الضوء والبحث والتحري أكثر في المعاملات المالية المشبوهة التي تتم في الإمارات.