في سلسلة من الوثائق السرية التي يُكشف عنها اتباعًا في الفترة الأخيرة، والمسماة بـ “ملفات أبو ظبي السرية” و “إمارات غيت”، كُشف عن إنفاق نظام بن زايد أكثر من 6 ملايين من الدولارات لاستهداف المئات من الأوروبيين إبان حملة الإمارات المسعورة ضد قطر مع بداية الأزمة الخليجية في 2017.

المخابرات الإماراتية جندت شركة Alp Services السويسرية لمراقبة عدد كبير من الشخصيات الإسلامية الأوروبية، وشن حملات تشهير ضدهم استهدفت سمعتهم وربط أسمائهم باتهامات كاذبة ومفبركة تتعلق بدعم الإرهاب والإسلام المتطرف، كما اتهم البعض بالارتباط بجماعة الإخوان المسلمين التي يصنفها نظام بن زايد بأنها كيان إرهابي.

جماعة الإخوان المسلمين هي منظمة معروفة في جميع أنحاء المنطقة، ولها دور كبير في الربيع العربي الذي بدأ عام 2011 وكرست الإمارات كافة جهودها لوأده والقضاء على مكتسباته، لذلك فإن عداء الإمارات للإخوان المسلمين مضاعف.

لا يقتصر الصراع الإماراتي العنيف مع التنظيم على وجهات نظر مختلفة حول الأيديولوجية السياسية وحسب، بل بسبب خوف هذا النظام المستبد أن ينتهي حكمه الديكتاتوري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إذا نجحت ثورات الربيع العربي والحركات الداعمة لها، لهذا دفعت الإمارات والسعودية الكثير من الأموال للقضاء على حكومات الإخوان في مصر وتونس بعد الربيع العربي.

عام 2017، حاصرت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين ومصر قطر بشكل غير قانوني عن طريق الجو والبر والبحر، وتضمنت حملة افتراء شرسة، بحجة تورط قطر مع جماعة الإخوان المسلمين في دعم الإرهاب في المنطقة.

ملفات أبو ظبي السرية (الإمارات غيت) التي نُشرت عبر المجلة الفرنسية Mediapart ، تحدثت عن حملات الإمارات ضد قطر والإخوان المسلمين عن طريق استهداف العشرات من الأوروبيين المدافعين عن الديموقراطية في المنطقة العربية والادعاء بوجود روابط مع الجماعة، معظمها ادعاءات خاطئة، لكن الهدف منها خلق رأي عام مشكك في مصداقية هؤلاء الشخصيات.

فكرة الحملة جاء من شركة Alp Services ، التي أطلقت عليها الأسماء الكودية: “Arnica” و  “Crocus” ، وركزت المهمة على أهم خصوم النظام الإماراتي: دولة قطر وتنظيم الإخوان المسلمين.

مهمة واسعة النطاق

صرح الدكتور أندرياس كريج، الأستاذ المساعد في كلية الدراسات الأمنية في كينجز كوليدج لندن، أن المهمة هدفت إلى تفكيك الروابط في المجتمع الإسلامي في الغرب، لافتًا إلى أن فكرة نشر أخبار كاذبة عن أشخاص بعينهم هدفها في الأساس الإضرار بالمسلمين ذوي السمعة الطيبة والجمعيات الإسلامية ومؤسسات المجتمع المدني في أوروبا.

من بين الشخصيات الذين كانوا على قائمة الأهداف الإماراتية وتضررت سمعتهم: بينوا هامون، وسامية غالي، والمركز الوطني للبحوث العلمية، ولا فرانس إينسوميز.

وحسب تقرير ميديابارت، خطة الشركة السويسرية تضمنت تسليم قائمة “مرعبة” لأجهزة المخابرات الإماراتية، تضمنت أدق المعلومات والتفاصيل عن الشخصيات والكيانات المستهدفة، مع تحديد المعلومات الكاذبة التي تُنشر عن هذه الأهداف للإضرار بسمعتهم.

تضمنت بيانات Alp Services المرسلة إلى أبو ظبي بين عامي 2017 و 2020 قائمة بأكثر من 1000 فرد و 400 منظمة مرتبطة بشكل غير صحيح بالإخوان المسلمين في 18 دولة أوروبية.

تذهب القائمة إلى أقصى الحدود من خلال الكشف عن المعلومات الشخصية للأفراد ووضعهم في نفس مكان الإرهابيين المرتبطين بالقاعدة، البعض تم تصنيفه على أنه مرتبط بقوة بجماعة الإخوان المسلمين، والبعض الآخر صُنف كمؤيد للتنظيم.

انتقد المراسل الفرنسي الشهير طه بو حفص هذه الخطة التي اعتمدت على “مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي” وقال: “لسنوات، كل شخصية عامة تتخذ موقفاً علنياً ضد التمييز ضد المسلمين بشكل عام تدفع الثمن الآن”.

من جانب آخر، ذكر كريج أن موقف قطر من الإسلاموفوبيا وجهودها المستمرة لوقف هذه الحملات التي تستهدف المسلمين، ودعمها للقضية الفلسطينية والديموقراطية في المنطقة العربية جعلت منها هدفًا للإمارات التي بدورها كرست جهودها لمحاربة الربيع العربي.

وأضاف “الأزمة الكبرى بين الإمارات وقطر سببها الربيع العربي، في الوقت الذي دعمت فيه قطر الثورات، وقفت الإمارات موقفًا معاديًا منها، وبالتالي وضعت قطر موضع الخصم الإقليمي”.

لفترة طويلة جدًا، وصفت الإمارات جماعة الإخوان المسلمين بـ “الإرهابيين”، كما اتخذت خطوات صارمة لقمع أعضائها وأي معارضين يتحدثون ضد الإمارات أو يؤيدون الإخوان أو يدافعون عن حقوقهم.

المظاهرات والوقفات الاحتجاجية محظورة في الإمارات بلا تسامح، ولا تزال السجون الإماراتية تعج بالعشرات، بل المئات من المعارضين والمفكرين ومعتقلي الرأي، تهمتهم “اعتناق أفكار متطرفة”.

سلط تحقيق أجرته المنظمة غير الحكومية Forbidden Stories عام 2021 الضوء على استهداف الإمارات لخصومها عبر برنامج التجسس Pegasus ، وهو أداة مراقبة يمكن أن تخترق الهواتف والحصول على وصول غير قانوني إلى المعلومات الشخصية والاتصالات من خلال هجمات الضغط الصفري.

ملايين من أجل المهمة

المهمة الإماراتية في أوروبا تمت عبر السويسري ماريو بريرو ( 77 عامًا ) وهو محقق خاص مشهور ومؤسس شركة  Alp Services  في جنيف منذ أكثر من 30 عامًا.

في 7 أغسطس/آب 2017، عرض بريرو على ضابط مخابرات إماراتي يُدعى “مطر” فكرة المهمة، العرض تمثل في الشروع في مهمة ضد خصوم الإمارات ومعارضيها، تعتمد في البداية على “تحديد الأهداف” ثم “شن حملة تشويه واسعة النطاق”/

في عام 2017، نظم “مطر” العديد من الرحلات من وإلى الإمارات لعدد من العملاء للتجهيز للمهمة التي أشرف عليها مسؤول إماراتي رفيع المستوى يُدعى “علي سعيد النيادي” حسبما جاء في تقارير “ميديابارت”.

النيادي يشغل منصب رئيس مكتب محلي لإدارة الأزمات والكوارث الطبيعية، لكنه بالإضافة إلى ذلك يعمل لصالح الأجهزة الأمنية الإماراتية، ويرصد معلومات وينقلها مباشرة إلى المجلس الأعلى للأمن القومي، الذي يخدم الجناح العسكري للعمليات الخاصة.

أدت المحادثات بين الجانبين إلى توقيع عقد مبدئي في أكتوبر/تشرين الأول 2017، ووفقًا لـ Mediapart ، تلقت Alp   Services  ما لا يقل عن 5.7 مليون يورو (حوالي 6.26 مليون دولار أمريكي) من عام 2017 إلى عام 2020، دُفعت عبر مركز الأبحاث الإماراتي “الأرياف”، وهي واجهة للأجهزة السرية التي تُشرف على مثل هذه العمليات.

خطة الشركة السويسرية اعتمدت على شن حملات إعلامية ونشر مقالات وتقارير عبر كُتاب وصحفيين يحملون هويات مزيفة ولا أساس لهم في الحقيقة، بالإضافة إلى إعادة تحرير صفحات ويكيبيديا الخاصة بالأهداف ونشر بيانات ومعلومات كاذبة ومضللة عنهم.

كما تضمنت تحركات لإقناع البنوك بإغلاق حسابات هؤلاء الشخصيات أو تجميدها، مثلما حدث مع حازم ندا، رجل أعمال في سويسرا ومساهم في شركة لتجارة النفط، الذي تسببت هذه الحملات في إفلاسه، وحسب التقارير فإن استهدافه جاء بسبب علاقة والده القديمة بتنظيم جماعة الإخوان المسلمين.

من بين الدول التي كانت الوكالة نشطة فيها، برزت فرنسا، ونشرت عدة ملفات وتقارير منها ملف بعنوان “الإخوان المسلمون في فرنسا ديسمبر/كانون الأول 2020”. تضمن الملف 191 اسما و 125 منظمة.

كشفت الوثائق أيضًا حصول شركة Alp Services على ما يقُدر بـ 20 إلى 50 ألف يورو لاستهداف شخصيات بعينها.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا