جلال إدريس

ما إن تنتهي الإمارات من حربها في مدينة يمنية حتى تبدأ في أخرى، في محاولة حثيثة منها للسيطرة على كافة مقدَّرات اليمن، خصوصًا الموارد الاقتصادية كالنفط والموانئ وغيرها، إلا أنها في سبيل ذلك تتجاهل بشكل تام الجوانب الإنسانية لليمنيين وتتستر بستار الحرب على الحوثيين.

وتخلف الإمارات بمساعدة السعودية، كوارث إنسانية بشعة في اليمن، كما تدمِّر منشآت ومباني حكومية تعليمية كانت أو صحية، ولا تبالي بقصف التجمعات المدنية، وفقًا لتقارير حقوقية عدة.

وبين هذا وذاك، يقف الغرب صامتًا على تجاوزت السعودية والإمارات بحق اليمنيين، كما يقف صامتًا على المجازر البشعة التي ترتكب بحق الأطفال والنساء، بل تتعدى المواقف الغربية أحيانًا من الصمت إلى المشاركة في ارتكاب المجازر بحق الشعب اليمني.

“محافظة الحديدة” هي آخر المحافظات التي باتت تدكّها طائرات وغارات تحالف السعودية والإمارات، المعروف باسم “التحالف العربي”؛ حيث تواصل كل من “أبو ظبي والرياض” غاراتها على “الحديدة” بهدف السيطرة عليها، وتحديدًا السيطرة على ميناء الحديدة، أحد أهم موانئ اليمن.

وقبل يومين نقلت “رويترز” عن المركز الإعلامي للجيش اليمني استعادة مطار الحديدة غربي اليمن، في وقت يحرز فيه التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات تقدمًا سريعًا في المدينة الساحلية، وسط قلق دولي من تداعيات كارثية على المدنيين.

وقال المركز الإعلامي  اليمني، إنه سيبدأ في عمليات تطهير الألغام التي زرعها الحوثيون في المطار، حيث كانوا يتحصنون بها، فيما أكد مراقبون أنّ هذا التقدم السريع جاء بعد حصار المطار منذ أيام عدة من جبهات متعددة بالتزامن مع ضربات جوية سعودية وإماراتية، ومن آليات بحرية استهدفت تحركات الحوثيين.

Image result for ‫مطار الحديدة بعد تحريره‬‎

دوافع الحرب

ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة الجارديان البريطانية في افتتاحيتها، أمس، فإنَّ دوافع  الإمارات والسعودية، من العملية العسكرية في “الحديدة” يتلخص في أمرين؛ أولهما الصراع السعودي الإماراتي مع إيران ومصالح إستراتيجية أخرى، والثاني صورة قادة هذه العملية، وتحديدًا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان “الحاكم الفعلي للسعودية”.

ويبدو أنَّ التحالف السعودي الإماراتي قد قدّر أنه ربما يستطيع تغيير الأوضاع على الأرض بعد فترة طويلة من الجمود، ورأى أنّ الحديدة ستكون انتصارًا سهلًا نسبيًا، بغضّ النظر عن العواقب التي قد تجرها العملية على المدنيين.

وتشير الجارديان إلى أنّ الرياض وأبو ظبي ربما تتشاركان الموقف نفسه في معاداة طهران، لكن تعقيدات الميدان أظهرت تضاربًا في مصالحهما.

Image result for ‫محمد بن سلمان ومحمد بن زايد)‬‎

إجبار هادي عليها

المثير في الأمر أنَّ مصادر يمنية عدة، أكدت أن الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي أجبر على مشاركة الجيش اليمني في معركة الحديدة؛ حيث يرفض الرجل خوض تلك الحرب من بدايته لقناعته التامة أن الإمارات تحارب في الحديدة من أجل السيطرة على ميناء الحديدة وليس من أجل شيء آخر.

وكشف مصدر يمني لموقع Middle East Eye البريطاني، بتاريخ الأربعاء 13 يونيو 2018، أنَّ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، تعرض لضغوط من قِبل ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد، من أجل الموافقة على بدء معركة ميناء الحديدة.

وبحسب الموقع البريطاني، أجبرت الإمارات الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، على إعلان دعمه الهجوم على ميناء الحديدة ضد إرادته؛ الأمر الذي سيؤدي إلى تهميش الزعيم اليمني.

وأكّد المصدر اليمني المطَّلع أن الحديدة تواجه خطر الوقوع تحت سيطرة إماراتية بشكل كلي، عوضًا من أن تكون تحت سلطة الدولة اليمنية، خصوصًا وأن نحو 80% من الغذاء والوقود والمساعدات الطبية والإمدادات التجارية إلى اليمن عبر ميناء الحديدة.

وانطلقت العملية التي تتلقى دعمًا إماراتيًا- سعوديًا، لاسترجاع الحديدة من الحوثيين المتمردين، ظاهريًا، ستُشنّ هذه العملية بالنيابة عن حكومة هادي المعترف بها دوليًا.

ووفقًا للمصدر الآنف ذكره، التقى الرئيس اليمني، يوم الاثنين 11 يونيو 2018، وزيرَ الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، في المملكة العربية السعودية، بناءً على طلب من الرياض، وذلك في إطار محاولة دعم هادي للعملية. وعلى أثر ذلك، توجَّه هادي الثلاثاء 12 يونيو 2018، إلى أبوظبي لمقابلة لولي عهد محمد بن زايد، وقد انتهت هذه المقابلة بإذعان الرئيس اليمني للمطالب الإماراتية.

Image result for ‫تجمع الرئيس عبدربه منصور هادي ومحمد بن زايد‬‎

لماذا الحديدة خصيصًا؟

ولسعي الإمارات للسيطرة على “الحديدة” دوافع وأبعاد اقتصادية وجيواستراتيجية تتجاوز الصراع الظاهر مع إيران، حيث تتبع دولة الإمارات استراتيجية السيطرة على أي ميناء يمكن أن يشكل منافسة حقيقية لموانئها في حركة الملاحة وتجارة العبور، وذلك من خلال الاستثمار فيه وإدارته من قبل شركة موانئ دبي العالمية، أو من خلال عرقلته وتحجيم دوره لكي لا يكون منافسًا.

وأحد الأمثلة على ذلك، ما تقوم به الإمارات منذ فترة من حملة دولية لإجهاض وإفشال مشروع ميناء جوادر الباكستاني، الذي أعلن عن تطويره بشراكة مع الصين في عام 2013، وقد يشكل منافسة وخطرًا تجاريًا حقيقيًا، ويسحب البساط من موانئ دبي خلال عشر سنوات.

ويعدّ أحد الدوافع الرئيسية لتدخل دولة الإمارات العسكري في اليمن كذلك، هو السيطرة على وإدارة عدد من الموانئ اليمنية التي تمثل أكبر وأهم الموانئ في القرن الإفريقي، ومنها موانئ عدن والحديدة والمخا والمكلا، ومن خلال السيطرة على الموانئ اليمنية يمكن لدولة الإمارات التحكم وتنظيم نطاق التجارة العالمية، من خلال مضيق باب المندب، وضمان عدم منافسة موانئها، ومن شأن هذه السيطرة على الموانئ اليمنية أن توفر للإمارات كذلك موقعًا استراتيجيًا هامًا لتوسيع التجارة مع إفريقيا.

كما سعت دولة الإمارات إلى السيطرة الاقتصادية على ميناء جيبوتي وميناء ومطار عصب في إرتيريا، و ميناء بربرة في جمهورية أرض الصومال المنفصلة عن دولة الصومال، بينما تواجه الإمارات منافسة شديدة من تركيا على النفوذ الاقتصادي في دولة الصومال التي تملك أطول شاطئ على البحر الأحمر.

كما تسعى أبوظبي إلى السيطرة على الممرات المائية الاستراتيجية المؤدية إلى قناة السويس، كما حاول الإماراتيون الحصول على جزيرة سقطرى اليمنية للسبب ذاته.

ويعود اهتمام الإمارات بالسيطرة على الموانئ، لكون ميناءي راشد وجبل علي، من أهم المشروعات الضخمة التي ترفد النموذج الاقتصادي الإماراتي، لما تجلبه هذه الموانئ من عشرات المليارات، كعوائد من عبور البضائع خلالها من وإلى أسواق مختلفة من العالم. وتخشى الإمارات من بروز مراكز تجارة عالمية جديدة وموانئ أخرى في المنطقة؛ تتمتع بمواقع جغرافية استراتيجية أفضل، تنافس وتهدّد بسحب البساط من تحت النموذج الاقتصادي الإماراتي، ويأتي اليمن وليبيا على رأس هذه البدائل المنافسة بقوة.

أسقطت ورقة التوت عن الغرب

ووفقًا للتقرير السابق لصحيفة الجارديان البريطانية، فإنّ أوراق التوت التي لم تكن أصلًا تستر كثيرًا من سوءات الغرب في حرب اليمن، قد سقطت تمامًا جراء عملية التحالف السعودي الإماراتي في الحديدة، ولم يعد هناك شك في تواطؤ الغرب.

الصحيفة أكدت أنّ هذه العملية “ستعمق أشد أزمة إنسانية في العالم- تنفذ بأسلحة من صنع بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا، وبتدريبات ومشورة عسكرية غربية؛ إذ يجلس ضباط بريطانيون وأمريكيون في غرفة قيادة الغارات الجوية، بل وأوردت صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية أن هناك قوات خاصة فرنسية على الأرض في اليمن”.

وتشير الجارديان إلى أنّ هذا الدعم العسكري الغربي في الميدان جاء رغم تحذير بريطانيا وفرنسا العلني للسعودية من مغبَّة شن الهجوم، ورغم رفض الولايات المتحدة طلبًا من الإمارات لدعمها في العملية بإزالة الألغام. وتقتبس الصحيفة هنا تعليق مسؤول إماراتي قال: إن “امتناع الولايات المتحدة عن تقديم دعم عسكري لا يعني أنها تطالبنا بعدم تنفيذ العملية”.

وفضلًا عن المعطيات العسكرية، ترى الصحيفة أنّ عملية الحديدة تجري بغطاء دبلوماسي غربي؛ فقد عرقلت بريطانيا والولايات المتحدة يوم الجمعة الماضي محاولة من السويد لاستصدار بيان من مجلس الأمن الدولي يطالب بوقف إطلاق النار، بل إنّ بريطانيا تأخذ موقفًا “سافرًا” في تأييد السعودية في هذا الصراع كما يقول وزير التنمية الدولية البريطاني السابق أندرو ميتشل.

وبحسب الصحيفة، تبدو عملية الحديدة محاولة سعودية إماراتية لاستباق طرح خطة سلام من قبل مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث. وتتشاءم الصحيفة بشأن فرص تسوية هذه الأزمة، والمحادثات الجارية لإقناع الحوثيين بتسليم إدارة ميناء الحديدة- الذي تمر عبره 70% من واردات اليمن- إلى الأمم المتحدة.