تعمل إسرائيل بكل جهدها، ليلا ونهارا، لسحق كل أشكال المقاومة ودفن حلم الدولة الفلسطينية، فقد مر شهرين على انتفاض الفلسطينيين للدفاع عن المسجد الأقصى ورفض عمليات الإخلاء في القدس الشرقية المحتلة، ورغم حدة الصراع، إلا أنه بالكاد يظهر على المسرح العالمي، حيث يظهر كل شيء هادئاً في الغرب مع تغطية إعلامية انتقائية لا تنقل كل الحقيقة.
وزير خارجية إسرائيل الجديد، يائير لابيد، لم يختلف عن أسلافه، بل وجه نفس الرسالة للعالم الغربي في رحلته إلى الاتحاد الأوروبي في بروكسل هذا الأسبوع، مؤكداً أنه لا توجد إمكانية لإقامة دولة فلسطينية، كان يتحدث بأريحية ملحوظة لدرجة أنه هز إصبعه في وجه جمهوره الأوروبي قائلاً “هناك شيء واحد علينا أن نتذكره. إذا كانت هناك دولة فلسطينية، يجب أن تكون ديمقراطية تسعى إلى السلام … لا يمكنك أن تطلب منا أن نبني بأيدينا تهديدًا آخر لحياتنا”.
ركز لبيد على ضرورة الحفاظ على دولة إسرائيل، ولم يذكر ما تفعله إسرائيل يومياً لهدم منازل الفلسطينيين – بأيديهم – ودفن حلم دولة فلسطينية، كل هذا دون اعتراض من المجلس.
ماذا يحدث في فلسطين ويتجاهله الجميع؟
في 11 يونيو/حزيران، قُتل صبيان فلسطينيان -برصاص قوات الاحتلال- في احتجاجات أسبوعية في بيتا بالقرب من نابلس على ظهور مستوطنة غير قانونية على قمة التل فوق قرية إيفياتار
الأول هو الفتى محمد سعيد حمايل، 15 عاما، أصيب برصاصة، وعندما حاول أهالي البلدة إسعافه قام الجنود الإسرائيليون بإطلاق النار عليهم، ومع تمكن القرويون من الوصول له وسط العراقيل الإسرائيلية، كان الفتى قد مات وأصبح جثة هامدة.
الفتى الثاني من نفس عشيرة الفتى الأول، يُدعى محمد نياف حمايل، أصيب طحاله بأضرار بالغة بسبب الرصاص الذي يستخدمه الإسرائيليون، والذي يتفتت وينفجر داخل الجسم، وتوفي بالطبع، ليرتفع عدد القتلى من سكان بيتا في مظاهراتهم الاحتجاجية إلى أربعة.
في 29 يونيو/حزيران، تم هدم محل جزارة في البستان في حي سلوان، وهي الأولى من بين 20 وحدة صدر أوامر هدم بحقها في 7 يونيو/حزيران، وعند تجمع الأهالي لحماية منازلهم، أطلقت شرطة الاحتلال الرصاص المطاطي ضدهم.
في 3 يوليو/تموز، كان محمد حسن، 21 عاما، ينهي أعماله في منزله في قرية قُصرة عندما هاجمه عشرات من المستوطنين المسلحين، كانوا يحاولون اقتحام المنزل، وصلت مجموعة من الجنود لتطويق المنزل فيما تواصل هجوم المستوطنين، أغلق حسن الأبواب وصعد إلى السطح حيث ألقى الحجارة لصد الهجوم، وبعد دقائق استشهد برصاص جنود الاحتلال حيث لم يتمكن المسعفون وسيارات الإسعاف الفلسطينية من الوصول إلى جسده.
في 7 تموز/يوليو، عادت الإدارة المدنية الإسرائيلية إلى تجمع الرعاة الفلسطينيين في حمصة في غور الأردن، برفقة الجيش، وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد هدموا 27 مبنى سكني وحيواني وخزانات مياه، أخذوا كل الطعام والحليب الخاص بالأطفال، أخذوا حفاضاتهم ولعبهم، ليُترك إحدى عشرة أسرة، تضم عشرات الأشخاص، في الصحراء، في درجة حرارة بين 37 و 42 درجة مئوية، بلا مأوى ولا طعام.
اعتقالات لا تتوقف
في تلك الأثناء، كان الكنيست يناقش قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل، الذي يمنع ما يقرب من 45000 عائلة فلسطينية في الداخل المحتل والقدس الشرقية المحتلة من إمكانية لم الشمل مع أزواجهم وأطفالهم.
بدون وثائق إسرائيلية، هؤلاء الأشخاص ليس لديهم تأمين صحي أو لقاحات ضد فيروس كورونا، ولا يمكنهم السفر والتنقل، لم يتم تعديل القانون، لكن وفقًا لتقارير الصحف الإسرائيلية، فإن كل طلب تقدمه العائلات الفلسطينية إلى وزيرة الداخلية أييليت شاكيد سيواجه رفضاً تلقائياً.
في 8 يوليو/تموز، أُطلق سراح الغضنفر أبو عطوان، 28 عاماً، بعد 10 أشهر من الاعتقال الإداري، وبعد 65 يوماً من الإضراب عن الطعام.
نُقل الغضنفر إلى مستشفى في الضفة الغربية المحتلة، وكان أبو عطوان قد اعتقل منذ عشرة أشهر واحتجز بدون تهمة، وللعلم فإن الحكومة الإسرائيلية ليست ملزمة بتقديم أي دليل لتبرير الاعتقال أو الاحتجاز، وهو واحد من 520 فلسطينيا محتجزين في سجون عسكرية بدون تهمة أو محاكمة.
في اليوم نفسه، هدمت القوات الإسرائيلية منزل عائلة منتصر شلبي، وهو فلسطيني أمريكي متهم بالتورط في إطلاق نار أدى إلى مقتل طالب إسرائيلي وإصابة اثنين آخرين في مايو/أيار الماضي، تم تدمير الفيلا المكونة من طابقين فى ترمسعيا بعد تفجيرها، في صورة من صور العقاب الجماعي.
في غضون ذلك، في مدينة عكا في الداخل المحتل، تم اعتقال أكثر من 200 فلسطيني، في أعقاب المظاهرات في مايو/أيار، في تصريح صحفي لوالدة أحد المعتقلين “داهم أكثر من 30 شرطياً عسكرياً منزلنا عند الفجر. اعتقلوا ابني البالغ من العمر 16 عاماً، وقيدوه بالأصفاد وغطوا عينيه بشريط أسود، وسحبوه إلى سيارة للشرطة. لقد فعلوا الشيء نفسه مع أكثر من 20 شابا”.
كل ما سبق ذكره من انتهاكات ضد الفلسطينيين، لم يُقابل سوى بيان إدانة واحد فقط من السفارة الأمريكية في القدس، انتقدت فيه الهدم العقابي لمنزل أمريكي فلسطيني، ودعت جميع الأطراف إلى الامتناع عن الخطوات الأحادية الجانب التي تزيد من حدة التوتر.
القيم المشتركة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل
الآن، من فضلك قل لي كيف سُمح لوزير الخارجية الإسرائيلي أن يخبر الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع أن إسرائيل والاتحاد الأوروبي يشتركان في قيم مشتركة، كيف قُبل ذلك منه!
من وجهة نظر يائير لبيد، فإن هذه القيم المشتركة في “احترام حقوق الإنسان، والالتزام بالمكونات الأساسية للديمقراطية – الصحافة الحرة، والقضاء المستقل، والمجتمع المدني القوي وحرية الدين”، إلى جانب “النضال معاً ضد تغير المناخ، وضد الإرهاب الدولي وضد العنصرية والتطرف”.
لكن ما أغفل لبيد ذكره، وما لم يذكره به مضيفوه، هو القيم الإسرائيلية الأخرى: عدالة الغوغاء والإعدام، التهجير القسري، العقاب الجماعي، الهدم غير القانوني للمنازل والقرى، إطلاق النار بهدف القتل، تشويه الأطفال والاحتجاز دون محاكمة.
كما لم يذكر لبيد أنه في يوليو/تموز، قضت المحكمة العليا بأن قانون الدولة القومية في إسرائيل دستوري ولا ينفي الطابع الديمقراطي للدولة، وينص هذا القانون الأساسي على أن الحق في ممارسة تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل هو حق فريد للشعب اليهودي، وهو تمييز صريح ضد المسيحيين والمسلمين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.
زيارة لبيد امتدت لمستويات رفيعة أيضاً، حيث التقى مع جوزيب بوريل، المفوض السامي للشؤون الخارجية، يوم الأحد، وتبعه وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وهولندا وجمهورية التشيك والأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ.
ما هي القيم المشتركة التي تشترك فيها إسرائيل مع الاتحاد الأوروبي؟ حشود مستوطنين يقتلون دون محاكمة يحميهم جنود مسلحون؟ الهدم غير القانوني للمنازل والقرى؟ سياسات إطلاق النار للقتل التي تستهدف الأطفال؟ استخدام الرصاص الذي ييتفجر داخل الجسم؟ منع المسعفين من رعاية الجرحى؟ إصدار قوانين عنصرية؟ لا يُمنع المواطنون الإسرائيليون من لم شملهم مع أزواجهم الإنجليز أو الفرنسيين أو الألمان – في المقابل، يُحرم الفلسطينيون من أبسط حقوقهم.
هل هذا ما يعتبره الاتحاد الأوروبي أو الناتو القيم المشتركة؟
حوار بالرصاص
إن الضفة الغربية في حالة غليان بسبب المظاهرات الأسبوعية، ضد السلطة الفلسطينية الاستبدادية وضد المحتلين الإسرائيليين.
السلطة الفلسطينية تزيد من قمعها كرد على المطلب الديمقراطي الأساسي بإجراء الانتخابات، والذي سيخسرها بالتأكيد الرئيس المتقدّم في السن محمود عباس.
الناشط الفلسطيني نزار بنات حاول -قبل مقتله- أن يلفت نظر العالم إلى استبداد السلطة الفلسطينية، لقد طلب من الاتحاد الأوروبي وقف تمويل السلطة الفلسطينية بسبب الفساد المستشري فيها، وبسبب ذلك تعرض للاعتقال والملاحقات الأمنية أكثر من مرة، وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي أصدر ممثل الاتحاد الأوروبي بيانًا يدين اعتقال بنات، لكن تجاهلت السلطة ذلك وقتلته.
الأكثر من ذلك، وجه محمود العالول نائب رئيس فتح ونائب عباس تحذيراً للشعب قائلاً: لا تستفزوا فتح لأنكم إن فعلتم لذلك، فلن ترحم فتح أحداً.
هذه السلطة لم تجر انتخابات منذ 14 عاماً، هل الفشل في إجراء الانتخابات جزء من قيم الاتحاد الأوروبي؟
كيف يبرر هيكو ماس، وزير الخارجية الألماني، جان إيف لودريان، وزير الخارجية الفرنسي، سيجريد كاج، وزير الخارجية الهولندي، وجاكوب كولهانك، وزير الخارجية التشيكي، مصافحة لبيد!
جاء في بيان للاتحاد الأوروبي “ناقشنا أهمية تعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل ودرسنا كيفية مواجهة التحديات القائمة من أجل تحقيق هذا الهدف المشترك.. كما تحدثنا عن كيفية المضي قدما في الحوار مع الفلسطينيين”.
هل يريدون الحوار في ظل أوامر الإخلاء القسري والجرافات الهادمة والرصاص المطاطي!
خلاصة القول: إن التجاهل الذي يقابل مسؤولو الاتحاد الأوروبي به جرائم الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية ضد الفلسطينيين يجعلهم متواطئون معهم.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا