عندما تكون الصفقات بيعًا وشراءًا -كما هو الغالب- يكون هناك تبادل للمنفعة، لكن عندما يكون الخيار لدفع الثمن بين مجموعتين من البشر، تكون الخسارة أمر حتمي لأنه إذا غلبت كفة، ستدفع الأخرى الضريبة، وهكذا الأمر في صفقة الروس والأتراك التي يربح فيها بشار الأسد، في ظل سيطرة أنقرة على الحدود السورية.
اتفق الرئيسان الروسي والتركي يوم الثلاثاء على انسحاب القوات الكردية من شمال شرق سوريا، بحيث ستسيطر تركيا وروسيا على معظم الحدود التركية السورية، فمنذ 9 أكتوبر، أدت عملية تركيا ضد الأكراد السوريين إلى نزوح مئات الآلاف من المدنيين في شمال سوريا.
في سوتشي، وبعد ست ساعات من المفاوضات، رحب بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالاتفاق التاريخي بين تركيا وروسيا، حيث توصلا الطرفان الثلاثاء إلى اتفاق حول مستقبل الحدود التركية السورية، ويحمل هذا النص، الذي يضع حداً للهجوم التركي على السكان الأكراد، جزءًا من الأمل لحدوث بعض الاستقرار في المنطقة.
مجلة 20″” دقيقة نوفال” تشرح الملف مع اثنين من المتخصصين، عادل بكاوان ، باحث مشارك في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية وعضو في معهد البحوث ودراسات البحر الأبيض المتوسط في الشرق الأوسط، وكريم باكزاد، متخصص و باحث في الشرق الأوسط ومعهد العلاقات الدولية والإستراتيجية.
ماذا تحتوي هذه الاتفاقية بالضبط؟
ستسيطر تركيا وروسيا على معظم الحدود التركية السورية، كخطوة أولى، كما سيتم نشر دوريات عسكرية روسية وسورية في مناطق معينة من الشريط الحدودي، حيث شن الجيش التركي عملية عسكرية في 9 أكتوبر، سوف تهدف إلى “تسهيل” انسحاب القوات المسلحة الكردية ونزع سلاحها في منطقة “عميقة 30 كم” على طول الحدود السورية التركية.
بعد ذلك بأسبوع، تتطور دوريات مشتركة، هذه المرة روسية تركية، في المنطقة، حصلت تركيا على الحق في البقاء منتشرة في المناطق التي سيتم تضمينها في “منطقة أمنية”، وهي مناطق مستهدفة بهجومها بعد انسحاب القوات الأمريكية، وهناك منطقة تمتد على مسافة 120 كيلومترًا في الأراضي السورية، ولا يُقصد فيها من الجيش التركي البقاء، حيث تهدف أنقرة إلى تثبيت 2 من أصل 3.6 مليون سوري فروا إلى تركيا وقت الحرب.
الأكراد والأتراك والروس والسوريون … من هم الفائزون والخاسرون في هذا الاتفاق؟
الرابحون الأكبر في هذه الاتفاقية هم روسيا وتركيا، روسيا أولًا، لأنها فازت في معركة الصورة، إذ أن “اهتمام بوتين هو كسب المصداقية والاحترام”، كما يقول عادل بكاوان، ويضيف، “هذه هي لحظته الكبرى، يده على الشرق الأوسط في حالة من الفوضى بسبب فك الارتباط الغربي، ويظهر كممثل مرجعي، لديه مشروع في الشرق الأوسط ولا يزال مخلصًا لكلماته، في مواجهة دونالد ترامب الذي يمكنه التغيير في أي وقت من الإستراتيجية “، ويشير الباحث، “بالإضافة إلى الاتفاق، حصلت روسيا على وقف الهجوم التركي على الأكراد والاعتراف بسلامة الأراضي السورية”.
على الجانب الآخر، تركيا راضية، مقابل بعض التنازلات، حصلت على الاتفاق الذي كانت تأمل فيه من حيث، “منطقة أمنية يقوم فيها أردوغان بجلب مليوني لاجئ سوري”، فبحسب عادل بكاوان، “تركيا قلقة للغاية بشأن أمنها القومي، فهي تعتقد أن سيطرة القوات الديمقراطية السورية (قوات سوريا الديمقراطية والمقاتلين الأكراد) على هذه المنطقة تشكل تهديدًا، وإذا كان لديها ضمان بأن الـ32 كم التي تم التفاوض عليها معترف بها من قبل دمشق وموسكو، فهي راضية”.
الأكراد السوريون هم أكبر الخاسرين في هذه القصة، وقال عادل بكاوان، “لقد سيطروا على 4500000 شخص، وكانوا يتلقون الدعم من الولايات المتحدة وبلدان التحالف الدولي، لكنهم اليوم يضطرون إلى فعل ذلك مع الأسد بسبب نزع سلاحهم”، ويقول كريم باكزاد، “بالنسبة لمستقبلهم السياسي ككيان في مستقبل سوريا، فإن أملهم الوحيد هو فلاديمير بوتين، إذ أنه سيتفاوض على إعادة تشكيل سوريا، انتصارهم الوحيد هو أن هذا الاتفاق تجنب حدوث مذبحة، أي من جانب تركيا ضد السكان الأكراد”.
هل نتحرك نحو تحقيق الاستقرار في المنطقة؟ ماذا يمكن أن تكون العواقب على المدنيين الأكراد الذين يعيشون هناك؟
وفقًا للباحثين، يحمل هذا الاتفاق معه مشروعًا أكثر طموحًا، مشروع إعادة إعمار سوريا، مع ضوابط بشار الأسد، الديكتاتور مع ماضيه الدموي، الذي أعيد تأهيله من قبل نظرائه، حيث قال كريم باكزاد “هذا الاتفاق هو عودة بشار في هذا الجزء من سوريا”، ويضيف عادل بكاوان إن هذا الاتفاق هو الاعتراف بنظام دمشق، “وراء الكواليس، هناك مشروع يعد للتقارب بين أنقرة ودمشق، هذه هي القضية الرئيسية في هذا الاتفاق، مع عودة اللاجئين إلى أراضيهم الوطنية، على أساس تطوعي، تبحث البلاد عن مستقبل، فمن الناحية النظرية، نحن نطور مستقبلًا دون انتقام”.
لكن بين الأقوال والأفعال، لا يزال الباحثون حذرين، يعرب كريم باكزاد عن مخاوفه، “الكل سيكون على ما يرام إذا وافق اللاجئون على العودة إلى أرض ليست ملكهم، إذا وافق المدنيون الأكراد على الرحيل، بطريقة سلمية، لكنني أشك في ذلك، إذا أرادت تركيا تثبيت لاجئيها في هذه الفرقة، فبإمكانها القيام بذلك فقط بالقوة، ولهذا السبب أعربت منظمة الأمم المتحدة عن قلقها بشأن مستقبل هذه المنطقة “.
اضف تعليقا