يلاحَظ في الآونة الأخيرة أن استراتيجية الاحتلال الإسرائيلي تجاه الملف النووي الإيراني تختلف عن تلك التي تتبناها إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن. ففي الوقت الذي يسعى فيه بايدن إلى العودة للاتفاق النووي مع إيران، ترى دولة الاحتلال الصهيوني أن استراتيجية الولايات المتحدة خاطئة، وأنها سوف تمكن إيران من الحصول على السلاح النووي في النهاية.

وقد تتضح المفارقة بشكل أكبر عند استعراض بعض الأحداث التي حدثت خلال الأيام الأخيرة. حيث عقدت مباحثات في فيينا، جمعت إيران والدول العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي هدفت المباحثات إلى عودتها إلى الاتفاق النووي مع إيران.

وكان من الواضح أن هناك حالة إيجابية عامة، حيث صرح المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، إن بلاده مستعدة لرفع أي عقوبات مفروضة على إيران لا تتسق مع الاتفاق النووي، مؤكدًا استعداد واشنطن لاتخاذ الخطوات اللازمة للعودة إلى الالتزام ببنود الاتفاق. كما وصف “برايس” المفاوضات بـ”البناءة”.

كذلك كشفت جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، أن هناك مفاوضات مع إيران عبر قنوات خاصة، تهدف إلى الإفراج عن معتقلين أميركيين في إيران، مضيفة أن جهود الإفراج عن المعتقلين الأميركيين سوف يقودها دبلوماسيون ومفاوضون من وزارة الخارجية الأمريكية.

كما صرح ممثل روسيا بالاجتماعات أن الدول المشاركة تشعر بالرضا عن “الإنجاز المبدئي لعمل اللجان”، وأشار إلى أن هناك اجتماعات أخرى مستقبلية للجنة الاتفاق النووي سوف تُعقد للحفاظ على الزخم الإيجابي الذي تحقق.

لكن في المقابل، فإن دولة الاحتلال جددت رفضها للاتفاق النووي، وصرح رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أن (إسرائيل) لن تكون ملزمة بأي اتفاق يمكّن إيران من تطوير أسلحة نووية. وفي الحقيقة، فإن فحوى تصريحات نتنياهو قد تكررت عدة مرات منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض. فبعد الاتصال الأول الذي جمع بايدن بنتنياهو، صرح الأخير أنه أبلغ بايدن عزمه منع إيران من تملك سلاح نووي، سواء باتفاق أو بدونه. 

كما وصف نتنياهو العودة إلى الاتفاق النووي بصيغته الأولى عام 2015 بـ”الغباء”، حيث قال: “العودة إلى الاتفاق النووي بصيغته الأولى عام 2015 ستؤدي إلى سباق تسلح في الشرق الأوسط، وهذا كابوس وغباء ويحظر أن يحدث”. وأضاف: “العودة إلى الاتفاق النووي تمهد الطريق أمام حكومة طهران لامتلاك ترسانة نووية”.

تصعيد عسكري..

ويبدو أن الكيان الصهيوني لم يقف عند حد التصريحات، فما زال الاستهداف الصهيوني للمشروع النووي الإيراني، والمصالح الإيرانية بشكل عام، مستمرًا. وبعيدًا عن اغتيال أكبر عالم نووي في إيران، محسن فخري زاده، والذي  يوصف بأنه “رأس البرنامج النووي الإيراني”، فقد أعلنت طهران مؤخرًا أن شبكة توزيع الكهرباء في منشأة نطنز النووية تعرضت لانفجار كبير. 

وحسب مسؤولين مطلعين في جهاز الاستخبارات، تحدثوا لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، فإن الاستهداف الذي تعرضت له منشأة نطنز النووية تسبب بانفجار كبير أدى إلى تدمير كلي لنظام الطاقة الداخلي للمنشأة، الأمر الذي سيحد من قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم. حيث دمر شبكة الكهرباء الداخلية المستقلة للمنشأة شديدة الحماية، والتي تزود أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض بالطاقة، وقد تحتاج 9 أشهر على الأقل لاستعادة قدرتها الإنتاجية.

ووفق صحيفة “هآرتس”، فإن الخلل الذي أصاب المنشأة أتى نتيجة لهجوم إلكتروني من دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد إيران، بالتزامن مع استئناف الدول الكبرى مفاوضاتها مع إيران، تمهيدًا لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي.

وقبل ذلك بأيام، تم تنفيذ هجوم صاروخي على سفينة “سافيز” الإيرانية في البحر الأحمر، وقد نُسب الهجوم كذلك إلى الكيان الصهيوني. حيث كشفت نيويورك تايمز، نقلًا عن مسؤول أمريكي، أن دولة الاحتلال أبلغت الولايات المتحدة أن قواتها العسكرية قامت بالهجوم على السفينة الإيرانية. وقال المسؤول الأمريكي، إن (إسرائيل) وصفت الضربة بأنها انتقامية، وإن السفينة هوجمت بلغم بحري تحت الماء.

كما نقلت القناة الإسرائيلية الـ 12، أن الاستخبارات الإسرائيلية تعتبر السفينة الإيرانية وسيلة مراقبة وتجسس يستخدمها الحرس الثوري الإيراني، وهي معروفة بهذا الاستخدام لدى العديد من المخابرات الغربية.

أسباب الخلاف..

إذن، فإن هناك خلافًا – ولو ظاهريًا- بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي حول كيفية التعامل مع الطموح النووي الإيراني. لكن اختلف مراقبون حول الأسباب التي تقف خلف هذا الخلاف. فمن جهة يرى البعض أن الخلاف حقيقي، وأن الكيان الصهيوني يرى أن استراتيجية إدارة بايدن ستفضي في النهاية إلى امتلاك إيران للسلاح النووي. لذلك، فإن هناك رفضًا إسرائيليًا قاطعًا، دون أي استعداد لتقديم تنازلات في هذا السياق.

وحسب هذه الرؤية، فإن الكيان الصهيوني قد اعتمد على استراتيجية خاصة، بعيدًا عن الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أن التنسيق بينهما جار في ملفات أخرى، وذلك بسبب خطورة الملف وأهميته بالنسبة لدولة الاحتلال، التي ستكون أحد المتأثرين الرئيسيين سلبيًا إذا امتلكت إيران سلاحًا نوويًا.

من ناحية أخرى، يرى آخرون أن التصعيد الإسرائيلي خلال الأشهر الأخيرة هو انعكاس للتأزم السياسي في الداخل، حيث وظف الملف النووي الإيراني لاستمالة أصوات الناخبين والرأي العام في داخل دولة الاحتلال في الانتخابات الأخيرة، لدرجة أن نتنياهو كان يتعمد – في نظرهم- استفزاز واشنطن وحتى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي تنشط من وراء الكواليس، وتتكتم على عملياتها النوعية.

ومن الواضح أن هذا التباين بين سياسة دولة الاحتلال ونظيرتها الأمريكية تجاه إيران سوف يستمر على أي حال، حيث إن الأسباب المذكورة ما تزال حاضرة. فالأزمة السياسية الداخلية في الكيان ما زالت مستمرة، مع عدم فوز أي حزب بالأغلبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده، كما أن إدارة بايدن ما زالت ماضية في استراتيجيتها الرامية إلى العودة إلى توقيع اتفاق نووي مع إيران.

اقرأ أيضًا: قطر وتركيا يدعوان إلى الحل السياسي لأزمة الاتفاق النووي مع إيران