رحّب (الاحتلال الإسرائيلي ) بتصفية الولايات المتحدة الأمريكية، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، “قاسم سليماني”، ولكنها مع ذلك تخشى ردا، ليس من إيران، وإنما من المجموعات المدعومة منها، في سوريا ولبنان وغزة.

وعلى الرغم من مخاوف الانتقام، فإن (دولة الاحتلال) ترى في هذه العملية انخراطا أمريكيا، طال انتظاره، في مهاجمة أهداف تابعة لإيران في سوريا ولبنان والعراق.

فعلى مدى عدة سنوات، هاجمت (دولة الاحتلال) أهدافا قالت إنها تابعة لإيران في سوريا ولبنان، وحتى العراق، ولكنها كانت في هذا الجهد، وحيدة.

وكتب “أليكس فيشمان”، المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت”: “لقد حدثت معجزة استراتيجية كبيرة هنا، فجأة لم تعد (إسرائيل) وحدها”.

وأضاف: “لسنوات، حاولت (دولة الاحتلال) دون جدوى تسخير الولايات المتحدة لمواجهة عسكرية مع إيران، ويوم الجمعة الماضي خرجنا من هذه السنوات الأربعين بوحشية، فالولايات المتحدة، التي كانت حذرة من شن هجوم مباشر على أهداف إيرانية منذ أوائل الثمانينات، نفّذت -وأعلنت مسؤوليتها- اغتيال قاسم سليماني، الرجل الذي يرمز إلى انتشار الثورة الإيرانية في جميع أنحاء العالم”.

وتابع “فيشمان”: “لا عجب أن تحتفل المستويات السياسية والدفاعية في (إسرائيل)”.

وعلى الرغم من ترحيبها باغتيال “سليماني”، فإن (إسرائيل) التزمت الصمت الإعلامي وإن كان رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، هو الشخص الوحيد الذي صرح علنيا عن عملية الاغتيال.

وقال “نتنياهو” في مستهل الجلسة الأسبوعية للحكومة الإسرائيلية، الأحد: “تسبب سليماني في مقتل مواطنين أمريكيين كثيرين وأبرياء آخرين، على مر عشرات السنين الأخيرة وأيضا في هذه الأيام بالذات”.

وأضاف: “الرئيس ترامب يستحق كل التقدير على عمله الحازم والقوي والسريع”.

وقالت وسائل إعلام إسرائيلية، بينها محطة التلفزة 13، إن الولايات المتحدة الأمريكية أبلغت (إسرائيل) مسبقا بقرارها قتل “سليماني”.

وألمح “نتنياهو” بنفسه إلى ذلك حينما قال للصحفيين، الخميس، قبيل مغادرته إلى اليونان: “نعلم أن منطقتنا هائجة، وتقع فيها أحداث دراماتيكية للغاية، نتابعها بكل يقظة ونقيم اتصالات مستمرة مع صديقتنا الكبيرة الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك خلال المكالمة الهاتفية التي أجريت بعد ظهر أمس”.

وأضاف: “أود أن أقول شيئا واضحا، ندعم جميع الخطوات الأمريكية دعما كاملا، وندعم حقها الكامل في الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها”.

أقوال “نتنياهو” هذه، جاءت قبل عدة ساعات على اغتيال “سليماني”، وبعد ساعات من اتصال وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” هاتفيا معه، وتكرر اتصال “بومبيو”، مع “نتنياهو” بعد عملية الاغتيال.

وليس من الواضح إن كان لـ(إسرائيل)، أي دور استخباري في تصفية “سليماني”.

ولكن رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي الخارجي “الموساد”، “يوسي كوهين” كان قد قال في الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول، إن “سليماني” غير موجود على قائمة أهداف “الموساد” للاغتيال.

لكن المحلل في صحيفة” إسرائيل اليوم”، “عوديد غرانوت”، كتب: “يمكننا أن نعترف بحرية بأن الضربة التي تعرض لها سليماني، الذي كان وراء النشاط الإرهابي لإيران في الخارج، قضت على أحد أخطر أعداء (إسرائيل) في (الحرب بين الحروب) التي تشنها ضد إيران”.

وأضاف: “اهتم سليماني شخصيا بتعزيز الخطر الذي يشكله حزب الله على شمال (إسرائيل)، وكذلك على مستوى الإرهاب من حماس والجهاد الإسلامي في الجنوب (قطاع غزة)، أكمل التطويق بنقل الميليشيات الشيعية في سوريا إلى مرتفعات الجولان”.

وقد أعلنت (إسرائيل) عن سلسلة من التدابير بعد اغتيال الولايات المتحدة الأمريكية لسليماني، بينها رفع مستوى التأهب في السفارات والقنصليات الإسرائيلية حول العالم والتأهب على الحدود مع سوريا ولبنان وغزة.

ومع ذلك، فقد انقسم المحللون الإسرائيليون بين من رأى أن إيران لن تهاجم أهداف إسرائيلية، وبين من قال إن إيران سترد من خلال الجماعات المدعومة منها في سوريا ولبنان وغزة.

وفي هذا السياق، يضيف “غرانوت”: “أرسلت إيران إشارات بأنها لن تتسرع في الرد على مقتل سليماني وسوف تختار (وقتًا ومكانًا مناسبين)، يمكننا أن نفترض أن مشكلتها الرئيسية في التخطيط للانتقام هو أقل في اختيار هدف مناسب، وأكثر في الرغبة بالتأكد من أن أي إجراء سيُنظر إليه على أنه (انتقام مناسب) في حين أنه لا يتطور إلى حرب شاملة مع الولايات المتحدة، وهو ما لا تريده إيران”.

وأضاف: “ما يجعل قرار طهران الوشيك أكثر تعقيدًا، هو الطبيعة غير المتوقعة للرئيس الأمريكي، الذي يتجه إلى عام الانتخابات، هل سيكون على استعداد للتغاضي عن عمل انتقامي مؤلم ولكنه (متناسب) من جانب إيران، أم أنه سيصدر أوامر بقصف منشآت إيران النفطية أو النووية؟”.

وتابع “غرانوت”: “في خضم صرخات الانتقام في طهران، يتم ذكر (إسرائيل) أيضًا (كشريك في الجريمة الفظيعة)، ولهذا الأمر، فإن (إسرائيل) ليست على رأس قائمة الأهداف المحتملة التي يمكن للإيرانيين استخدامها حتى في اغتيال سليماني”.

ولكن “فيشمان” يقدم تحليلا مخالفا، حيث كتب المحلل العسكري في “يديعوت أحرونوت”: “تعتقد (دولة الاحتلال) أن الإيرانيين يدركون أنه لم يكن لها أي دور في الاغتيال في العراق، وأنه من المشكوك فيه أن للجمهورية الإسلامية أي مصلحة في فتح جبهة أخرى ضد (إسرائيل)، ومع ذلك، هناك مستوى معين من الاستعداد العالي لدى عملاء المخابرات والدفاع الجوي في (الاحتلال)”.

وأضاف: “هناك على الأرجح احتمال أن تطلق الميليشيات الموالية لإيران في سوريا، أو ربما لبنان، النار على (الاحتلال)، حتى بدون توجيه من طهران، وهو ما حدث في الماضي”.

وتابع: “يمكن أن يقوم الجهاد الإسلامي في غزة، أيضًا، بإطلاق صواريخ رمزية كإجراء تضامني مع إيران، ومع ذلك، فإن حماس وغيرها من المنظمات الفلسطينية، أثناء الحداد على وفاة سليماني، قد بعثت برسالة واضحة: لن نفتح جبهة جديدة بسبب هذه التصفية”.

ومن جهة ثانية، فإن (الاحتلال) يترقب ما إذا كان اغتيال “سليماني” يمثل تغييرا في الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران.

وكتب “عاموس يادلين”، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) بين عامي 2006 و2010، في سلسلة تغريدات على “تويتر”: “يبقى أن نرى ما إذا كان هذا التغيير في سياسة الرد الأمريكية يمثل تغييراً أوسع في سياساتها وأولوياتها الاستراتيجية تجاه إيران والإرهاب والمنطقة ككل”.

وتساءل: “هل أخيرًا، تحول تركيز الولايات المتحدة من تنظيم الدولة إلى الحرس الثوري؟”.

ولفت إلى مسؤولية “ترامب” عن اغتيال “أبوبكر البغدادي”، وهو سني، و”سليماني” وهو شيعي، وقال: “هذه إنجازات رائعة في سجله”.

وقال “يادلين”: “على الرغم من أن إيران والولايات المتحدة لا تسعيان للحرب، لكنهما يخطيان الآن على شفا الهاوية، عندما يتعلق الأمر بالديناميات الاستراتيجية، لا يمكن للمرء أن يفترض أن الخصم سوف يواصل مساره الماضي، أما كيف ستتطور الأمور فهذا سيعتمد على رد إيران”.