مع وجود عدد كاف من الحلقات لتستمر طوال شهر رمضان المبارك، تجلس العائلات عادةً لمشاهدة البرامج والمسلسلات بعد الإفطار مع آذان المغرب.

في حين أن الموضوع يدور عادة موضوع المسلسل أو البرنامج حول الكليشيهات الترفيهية المعتادة للحب والخلافات العائلية والدراما التاريخية، فإن أحد المسلسلات هذا العام أثار انتقادات واسعة النطاق لتصويره لواحدة من أكثر الوقائع دموية في تاريخ المنطقة الحديث.

مسلسل الاختيار3، هو الجزء الثالث من سلسلة درامية قامت السلطات المصرية بإنتاجها والإشراف عليها منذ 2020، لسرد الأحداث السياسية الهامة التي شهدتها مصر إبان 2013 واستيلاء السيسي على السلطة لكن من وجهة نظر النظام.

تعرض المسلسل لانتقادات بسبب “تزوير الحقائق وخداع الناس” فيما يتعلق بالانقلاب العسكري الذي حدث في يوليو/تموز 2013، والذي أطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر، الدكتور محمد مرسي.

يروي المسلسل الساعات التي سبقت الانقلاب العسكري الذي نفذه وزير الدفاع آنذاك والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.

وبحسب محللون وخبراء، أنهى انقلاب 2013 تجربة مصر القصيرة مع الديمقراطية في أعقاب ثورة 25 يناير 2011.

انتخب مرسي رئيسًا في عام 2012، لكن الفترة التي قضاها في هذا المنصب شهدت احتجاجات شعبية كثيرة -يقول البعض أنها بفعل فاعل- وشكوك في أن جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها محمد مرسي، كانت تحاول إقصاء أحزاب سياسية أخرى.

اتخذ الجيش خطوته بعد أن تجمع المتظاهرون في ميدان التحرير بالقاهرة في أواخر يونيو/حزيران 2013، وأطاحوا بمرسي، وقاموا بقمع أنصاره باستخدام العنف والقوة المميتة في سلسلة من المذابح التي تلت الانقلاب.

على الرغم من وعد السيسي باستعادة الديمقراطية، تقدم وزير الدفاع السابق بنفسه للرئاسة وفاز في انتخابات اعتبرت على نطاق واسع بأنها مزورة.

يُزعم، استنادًا إلى أحداث “الحياة الواقعية”، أن الاختيار يصور السيسي طويل القامة -عكس الحقيقة- رزينًا ذو شخصية قوية يعي جيداً ما يقوله بشكل مدهش، يفعل المطلوب لحماية البلاد من الانزلاق إلى الحرب الأهلية.

أحد الإعلانات الدعائية للمسلسل كانت وعد المشاهدين بأخذهم “خلف كواليس أخطر 96 ساعة في مصر”، مع ادعاء صناع العمل أن المسلسل سيظهر “تصميم السيسي على إنقاذ مصر من الدخول في طريق الإخوان المسلمين المظلم”.

أثارت صور المسلسل غضبًا بين نشطاء حقوق الإنسان وأعضاء المعارضة المصرية، الذين وصفوه بأنه مثال على التزوير التاريخي الفج.

 

إعادة كتابة التاريخ

في نهج الدراما الوثائقية، ينسج المسلسل رواية خيالية للأيام الأخيرة من رئاسة مرسي، إلى جانب لقطات أرشيفية ومواد مسربة لكبار قادة الإخوان المسلمين، مع إشارات أنهم يقومون بتصريحات ضد مصلحة الوطن.

ومن الشخصيات التي صورت إلى جانب مرسي وزير الدفاع السابق الراحل حسين طنطاوي وزعماء الإخوان المسلمين مثل محمد بديع، المرشد الأعلى للحركة، وخيرت الشاطر، نائب المرشد الأعلى للحركة.

تم تصوير أعضاء جماعة الإخوان، التي تم حظرها في مصر في أعقاب الانقلاب، على أنهم مخططون لفرض سيطرة كاملة على الدولة وتقويض آمال الشعب المصري في الديمقراطية، في المقابل، يتم تقديم السيسي على أنه رجل يحمل مسؤولية عرقلة المؤامرة “الإخوانية”.

المسلسل يلقي الضوء على حياة الجنرال بعيدا عن مناصب السلطة، ها هو يقضي الوقت مع أسرته في المنزل، ومشاهد أخرى مع والدته.

المشاهد التي يظهر فيها أعضاء جماعة الإخوان المسلمين تكون مصحوبة بموسيقى شر تقشعر لها الأبدان، بينما الكواد البطولية تكون من حظ السيسي وضباطه.

على سبيل المثال، في الحلقة الثالثة التي تحمل عنوان “أخونة الدولة”، ظهر زوجان مسيحيان وهما يشعران بالذعر من تنفيذ جماعة الإخوان -بعد الفوز في انتخابات الرئاسة- لأحكام الشريعة.

تبدأ الحلقة نفسها بلقاء واضح بين محمد بديع ووزير الدفاع آنذاك السيسي، حيث أقر بديع بشعبية السيسي بين الجماهير والجنود.

وخلال محادثة مكثفة، وجه السيسي تحذيرًا هادئًا ولكنه حازم إلى زعيم الإخوان، قائلاً لبديع إن جماعته “تتدخل في قضايا لا تهمهم”.

وأشار بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن مثل هذه التصورات لا تتوافق مع السلوك المعروف عن السيسي، والذي ظهر جلياً أثناء توليه منصب وزير الدفاع خلال رئاسة مرسي.

وقال أحد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ينشر صور السيسي معه: “إنهم يحاولون فقط محو صور السيسي الحقيقية من ذاكرتنا وهو يقف أمامه [مرسي] ورأسه منحني وخاضع، جالسًا كفتاة خجولة أمام خطيبها”.

 

انتقاد وسخرية

أضاف الممثل المصري -في المنفى- عمرو واكد صوته إلى جوقة النقد، واصفا المسلسل بـ “الكوميديا” التي تقدم واقعًا مختلفًا تمامًا عن الذي “عاشه المصريون وشاهدوه”.

قال الممثل الشهير، الذي تحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان “نعلم جميعًا من هو الكاذب والمخادع، قال (السيسي) إنه لن يترشح للانتخابات وسينقذ الناس من الفقر، لكن انتهى به الأمر وهو رئيساً للبلاد يقوم ببيعها لقوى خارجية “.

على وسائل التواصل الاجتماعي، سخر المصريون العاديون وغيرهم من جميع أنحاء العالم العربي مما اعتبروه محاولة من السيسي لإعادة تأهيل صورته.

وكتب أحدهم “سيموت وهو يحاول تغيير آراء الناس عنه، وما زلنا نراه ونعرف أنه غبي”.

تساءل آخرون، مثل الناقد والمخرج المصري حسام الغمري، عما إذا كان المسلسل قد تم إنشاؤه على وجه التحديد من أجل تقديم التاريخ أم تعزيز شعبية السيسي.

كتب أحد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي: “في الوقت الذي نحتاج فيه إلى الاتحاد، يلجأ منتجو مسلسل اختيار 3 إلى إثارة المزيد من الانقسامات والخلافات داخل المجتمع المصري، مع إعطاء الأفضلية لفصيل سياسي واحد”.

 

مجزرة رابعة

ليست هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها مسلسل “إختيار” لانتقادات بسبب التبييض المزعوم لانتهاكات الحكومة المصرية.

أثار الموسم الثاني من المسلسل، الذي تم عرضه عام 2021، غضبًا واسعاً بسبب تصويره لمجزرة رابعة، وهي أسوأ عملية قتل جماعي للمتظاهرين المدنيين في تاريخ مصر الحديث، حيث قُتل حوالي 1000 شخص في يوم ومكان واحد، حيث تجمع أنصار مرسي في ميدان رابعة في مدينة نصر وطالبوا لـ أكثر من شهر باستعادة رئاسة مرسي والعودة إلى الحكم المدني.

في أحد المشاهد في الموسم الثاني، ناقش ضباط مصريون عمليات القتل، وبرروها بالقول إن القتلى كانوا مسلحين.

وفقًا لتقارير وسائل الإعلام المصرية، فإن مجموعة إيجيبشن ميديا، التي تمتلك شركة إنتاج المسلسل “سينرجي”، هي نفسها مملوكة لشركة إيجل كابيتال، وهي شركة استثمارية مرتبطة بجهاز المخابرات المصري.

تعرضت شركة سينرجي لانتقادات شديدة بسبب المحتوى التي تقوم بإنتاجه وتقديمه، والذي وصفه النقاد بأنه “دعاية للنظام”.

ينظر المنتقدون إلى التورط المزعوم لجهاز المخابرات المصرية في السيطرة على وسائل الإعلام على أنه جزء من جهود الحكومة لإضفاء الشرعية على حكم السيسي والتأثير على التصورات العامة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، حيث رأى البعض أنه أثناء سعيه الحفاظ على قبضته القوية على السلطة من خلال قمع جميع أشكال المعارضة، كان على السيسي التعامل مع الاقتصاد المتعثر والاستياء من خنق الحريات التي قاتل من أجلها خلال ثورة 2011.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا