مِنْ حِكَايَاتِ التَّارِيخِ الْمَأْلُوفَةِ لَدَى الْجَمِيعِ حِكَايَةُ الإسكندرِ المقدونىِّ وَهُوَ شَابُّ صَغِيرٌ سُجّل له تاريخٌ مجيدٌ لم يُسجَّل مثله لأحد من أهل الأرض مِن فُتُوحَاتٍ ، وانتصاراتٍ ، ومعاركَ لم يُهزَم فِيهَا أبداً على الرّغمِ من صِغَرِ سِنِّه ، ومن المعروف تاريخياً أنّه لم يَحكم الأَرضَ ويُسَيطِر عَليهَا إلا اثنان ، هما سيّدنا سليمان ابن سيدنا داود عليهما السّلام ، والإسكندر المقدونىّ المعروف بالإسكندرِ الأَكبرِ ، وقد تميّز الإسكندرُ الَأكبرُ عن غَيرِه بِحِنكَتِهِ ، وَذَكَائِه ، وشَجَاعَتِهِ ، بِالِإضَافَةِ إِلَى العَدِيدِ من الصِّفَاتِ الَّتِى أهَّلته لأن يَحكم إمبراطوريّةً كبيرةً ؛ وَصَلَت حُدُودُهَا مِن أَقصَى شَرقِ الأَرضِ إِلَى أَقصَى غَربِهَا ، كَمَا سَاعَدَتهُ حِكمَتُهُ وَعَقلُهُ المُفَكِّرُ والمُدبّرُ فِى القَضَاءِ عَلَى الفِتَنِ الَّتِى كَانَت تَحدُثُ فِى إِمبرَاطُورِيَّتِهِ ؛ وَخَاصَّةً فِى القَصرِ المَلَكِىّ.
، هَذَا الشَّابُّ الَّذِى كَانَ عَبْقَرِيَّةُ عَسْكَرِيَّةُ فَزَّة مَازَالَت مَعَارِكُهُ مَعَ فَارِس تُدَرَّسُ حَتَّى الْآنَ فِى الْأكَادِيمِيَّاتِ الْعَسْكَرِيَّةَ ، هَذَا الشَّابَّ الَّذِى فَتَحَ الْعَالِمُ وَاحتَلَّ الَأَرَاضِى المُمتَدّةَ مِنَ اليُونَانِ إِلَى مِصرَ ، مُرُوراً بِالَأراضى التُركِيّة ، وَالإِيرَانيّةِ ، والبَاكِستَانِيّةِ .

عِنْدَمَا َوَصَلِ إِلَى مِصِرَ أَخْذُهُ كَهَنَةُ الْفَرَاعِنَةِ فِى مَعبَدِ الْوَاحَاتِ وَهُنَاكَ قَالُوا لَهُ كَلِمَاتٍ لَمْ يَتَسنَّ لِأحَدٍ مَعْرِفَتُهَا حَتَّى الْآنَ وَلَكن يَبْدُو أَنَّ الإسكندر تَأَثُّر بِالْفِرْعَوْنِيَّةِ الْمِصِرِّيَّةِ وَبِمَنْطِقِ الْحَاكِم يَعْنَى الإله عِنْدَ الْمِصْرِيِّينَ فِى هَذَا الْوَقْتِ وَالْغَرِيبُ هُوَ ظُهورُ تَأَثُّرِهِ بِذَلِكَ الْمَنْطِقِ بِوُضُوحِ عِنْدَ عَوْدَتِهِ إِلَى الْيُونانِ وَمَعَ أَوَّلَ إجتماعٍ لَهُ مَعَ الْقَادَةِ الْعَسْكَرِيِّينَ طُرِحَ عَلَيهِمْ هَذِهِ الْأَفْكَارَ فِى مُحَاوَلَةٍ مِنهُ لأِنْ يقُوِّمَ الْقَادَةُ بِمُعَامَلَتِهِ كالإله مثلما يُعَامِلُ الْمِصْرِيِّينَ حُكَّامَهُمْ ، ‎
الَأغرَبُ هُوَ رَدُّ الْقَادَةِ الْعَسْكَرِيِّينَ عَلَى ماقاله الإسكندر وَالذى كَانَ فِيمَا مَعَنَاهُ ” ماقلته يَحْدُثُ فِى مِصرَ فَقَطْ أَمَّا هُنَا فَأَنَتَ مُجَرَّدُ قَائِدٍ عَسكَرِىٍّ فَزٌّ ، فَقَطْ لَا غَيْرَ ..”
مِن هَذِه الحِكَايَةِ .. هَل نَحنُ فِى الشَّرقِ شُعُوبٌ تَمِيلُ بِطَبِيعَتِهَا إِلَى حُبِّ الاستِبدَادِ !؟
الحَقِيقَةُ هِىَ أَنَّ فَلَاسِفَةَ الزَّمَانِ تَحَدَّثُوا عَن هَذِه الطَّبِيعَةِ الشَّرقِيَّةِ ، فَمِن ” أفلاطون ” إِلَى ” كارل فيجيرت ” عام 1995 والَّذِى تَحَدَّثَ أيضًا عَنهَا فِى كتابه “الاستبداد الشرقى ”
الفَلاِسِفَةُ قَسَّمُوا العِلمَ قَدِيمًا لثَلَاثِ أَنوَاعٍ مِنَ الحُكمِ ” الجُمهُورِيَّةِ ، المَلَكِيَّةِ ، الطُّغيَانِ أَو الاستِبدَادِ ” وَخَصُّوا العَالَمَ الشَّرقِىَّ كُلَّه مِنَ الصِّينِ إِلَى بَابِلَ حَتَّى مِصرَ بِالنَّوعِ الثَّالِثِ ” الاستبداد ” أَغلبُ هَؤُلَاءِ الفَلاَسِفَةِ أَجمَعُوا أَنَّ الشُّعُوبَ الشَّرقيَّةَ بِطَرِيقَةٍ أَو بِأُخرَى تَهوَى الاستبداد ، أمَّا فِى العَصرِ الحَدِيثِ ” هيجل ” قَالَ إِنَّه يَبدُو أَنَّ الطَّابِعَ الشَّرقِى للحُكَّام أَيضًا يَمِيلُ لِلاستِبدَادِ وَضَربَ بِذَلكَ مَثًلا عَلَى حَاكِم الصِّينِ فى ذَلِكَ الوَقتِ وقَالَ ” عِندَمَا يَتحَدَّثُ إِمبرَاطُورُ الصِّينِ لِشَعبِه بِصِيغَةِ الأَب ويَقُومُ بِدَورِهِ يَقُومُ بِذَلِكَ بِالخَلطِ بَينَ ” السُّلطَةِ الرُّوحِيَّةِ ” لِلأَبِ و” السُّلطَةِ السِّيَاسِيَّةِ للحاكم ” وهَذَا يَخلقُ مُشكِلةً كَبِيرة تَكمُنُ فِى التَّفرِقَةِ بَينَ مَعنَى السُّلطَتَينِ وَهِىَ أَنَّ ” السُّلطَةَ الرُّوحِيَّةَ ” وَهُوَ الأَبُ ” يَجِبُ أَن تُطِيعَهُ حَتَّى بَعدَ الكِبَرِ يَجِبُ أَن تَحتَرِمَهُ وَتَنحَنِىَ لَهُ حَتَّى وَإِن كُنتَ حَاكِمًا ” وَبِالتَّالِى عِندَمَا يَأخُذَ الحَاكِمُ دَورَ الأبِ بِالنِّسبَةِ للشَّعبِ فَلا مَعنَى غَيرَ أَنَّ الشَّعبِ قَاصِرٌ وَأَنَّ الحَاكِمَ مُطَاعٌ لاَ يُرَدُّ لَه أَمرٌ .
وَقَالَ هيجل بِالنَّصِّ ” إذَا تَحَدَّثَ الإمبرَاطُورُ إلَى الشَّعبِ بِرِقَّةٍ وَعَطفٍ أَبَوِىٍّ فَمَا عَلى الشَّعبِ إِلا أَن يَجُرَّعَرَبَةَ الإِمبرَاطُورِ وَهُوَ يَملِكُ أَسوأ المَشَاعِرِ عَن نَفسِهِ ، إِنَّ عَادَاتِهم وتَقَالِيدَهم وسُلُوكَهم اليَومِىَّ تُوحِى بِمَدى الضَائِلة التِى‎
يَحتَرِمُونَ بها أَنفُسَهم كَبَشَرٍ وأَفرَادٍ ”
أَمَّا كارل ماركس فَرَبَطَ فَأَرجَعَ طَبَائِعَ الاستِبدَادِ فِى الشَّرقِ إِلَى فِكرَةِ الإنتَاجِ حَيثُ أَنَّ هَذهِ الشُّعُوبَ تَحتَوِى وتَعِيشُ عَلَى أَنهَارٍ لِذَلِكَ تَجِدُ حُكَّامَهم مُستَبِدِّينَ .
نَعبُرُ التّارِيخَ ونَنتقِل إِلَى الحَاضِرِ وَنَنظُرُ لِبَحثٍ قَامَ بِهِ أَحَدُ الصَّحَفِيينَ يَتَسَاءلُ فِيهِ لِمَاذَا نُحوِّلُ أَغَانِينَا الوَطَنِيَّةَ وَالحَزينَةَ إِلَى أَغانٍ رَاقِصَةٍ ، فَمَثَلًا المُطرِبُ الكَبيرُ حسن الأسمر كَانَ لَهُ أُغنيةٌ اسمها ” كتاب حياتى ” مِنَ الأَغَانِى المِصرِيَّةِ الحَزِينَةِ ونَجَحَت نَجَاحًا سَاحِقًا ، وَلَكِنَّ هَذَا الشَّابَّ الصَّحَفىَّ نَشر فِيديُوهَاتٍ لِهَذِه الأًغنية وبَعضُ النَّاسِ يَرقُصُونَ عَلَى أَنغَامِهَا .
تَخَيَّل مَعِى مُطرِبًا يُغَنِّى ” الفرح فيه سطرين والباقى كله عذاب ” وَمَعَ ذَلِكَ النَّاسُ تَرقُصُ ، لم نكتفِ بِذَلكَ وَلَكِنَّنَا نَرقُصُ أيضًا عَلَى الأغَانِى الوَطَنِيَّةِ بِالرَّغمِ مِن أَنَّ الشَّعبَ المِصرِىَّ لَيسَ بِالرَّاقِصِ ولَكِن يَبدُو أَنَّ هَذَا الشَّعبَ لَا يَجِدُ حُرِّيَتَهُ إِلا وَهُوَ يَتَرَنَّحُ فِيمَا يُشبِهُ الرَّقصَ ، هَذهِ الشُّعوبُ الشَّرقِيَّةُ يَبدُو أنَّهَا تَمِيلُ بِدَاخِلهَا إِلَى أَن تَستَهِينَ بِكُلِّ شَىءٍ وَهِىَ خَاضِعَةٌ لَأّىِّ حَاكِمٍ قَوِىٍّ ، مُستَبِدٍ ، طَاغِيَةٍ ، وَحُريتهَا الوَحِيدَةُ لا تَجِدُهَا إلا فى الرَّقصِ عَلَى أَنغَامِ الأَغَانِى الوَطَنِيَّة والحَزِينَةِ وَيَبدُو أَنَّ كَلَامَ أفلاطون أو ماركث أو هيجل أو كارل فيجيرت أَو كُل مَن تَحَدَّثَ عَن مَيلِ الشُّعُوبِ الشَّرقِيَّةِ إِلَى الاستِبدَادِ وإِلَى جَرِّعَرَبَةِ الِإمبرَاطورِ وَاضِحٌ جدًا فِى الفِيديُو الَّذِى ظَهَرَ فِيهِ عَلَى مَايَبدُو مُدِيرُ مَدرسَةٍ فِى قَريَةٍ اسمُهَا ” طما ” وَهِىَ إِحدَى مَرَاكِز مُحاَفَظَةِ سُوهَاج وَهِىَ قَرِيبَةٌ مِن ” طهطا ” ، الجَمِيعُ يَعلَمُ أَهَمِّيَةَ سُوهَاج فَهِىَ الَّتِى أَخرَجَت ” رفاعة الطهطاوى ” وَغَيرَهُ مِنَ العُظَمَاءِ فِى جَمِيعِ المَجَالاتِ ‎
، نَعُودُ للنّمُوذَجِ الَّذِى نَتَحَدَّثُ عَنهُ وَهُوَ مُدِيرُ مَدرَسَةٍ ، رَجُلٌ كَبِيرٌ، وَقُورٌ ، لَهُ لِحيَةٌ بَيضَاءُ وَيَبدُو أَنَّ هُنَاكَ تَعلِيمَاتٍ جَاءَتهُ مِنَ الوَزِيرِ أَو مِنَ الِإدَارَةِ التَّعلِيمِيَّةِ بِأَن يُغَنِّى ” قالوا إيه ” أُغنِيَةَ الصَّاعِقَةِ المِصرِيَّةِ وَبِالتَّالِى قَرَّرَ الأُستَاذُ رمضان أَن يَقُومَ بِنَفسِهِ بِغِنَاءِ الأغنِيَةِ وَوَقَفَ وَعَن طَرِيقِ وَرَقَةٍ كَالعَادَة بَدَأَ يَقُولُ ” قالوا إيه ” وَالتَّلَامِيذُ يُرَدِّدُونَ خَلفَهُ ، وَبَعدَ أَن انتَهَى مِن غِنَاءِ الأغنِيَة قَامَ بِعَمَلِ خطبَةٍ لِطُلَّابِ المَرحَلَةِ الابتِدَائِيَّةِ عَن إِنجَازَاتِ ” السيسى ” بِدُونِ مُرَاعَاةٍ أَنَّ الطلابَ لَن يَستَمِعُوا لَهُ وَإِن سَمِعُوا لَن يَفهَمُوا وَبِالتَّالِى لم يَسمَعهُ سِوَى الأسَاتِذَةِ الذِينَ بِجِوَارِه ، هُوَ فَقَط يُرِيدُ أَنَّ يُثبِتَ حَالَةً وَهِىَ ” عمل دعايا للرئيس ” بِالرَّغم مِن مَنعِ الدُّستُورِ الحَالِى عَمَلَ أَىَّ نَوعٍ مِنَ الدَّعَايَا فِى أَىِّ مَصلَحَةٍ حُكُومِيَّةٍ لأىٍّ مِنَ المُرشَّحِينَ المَوجُودِين فِى الانتِخَابَاتِ ، لَكِنَّ رمضان لَيسَ لَهُ صِلَةٌ بِالقَانُونِ لأنَّهُ يَعلَمُ أنَّهُ طَالَمَا قَالَ هَذَا الكَلامَ مُدِيرُ الِإدَارَةِ التَّعلِيمِيَّةِ سَيَرضى عَنهُ وسَيَكتُبُ فِيهِ تَقرِيرًا جَيِّدً وسَيُعطِيهُ مُكافَأةً والمُدِيرُ سَيَرضَى عَنهُ الوَزِيرُ والوَزِيرُ سَيرضَى عَنهُ رَئِيسُ الوُزَرَاءِ وَرَئِيسُ الوُزَرَاءِ سَيَرضَى عَنهُ الرَّئِيسُ عبد الفتاح السيسى .. البلد مش مهم ..
هَل نَحنُ شُعُوبٌ كَمَا قَاَلَ أفلاطون وكارل ماركس وهيجل !؟
هَل نَحنُ فِى الشَّرقِ شُعُوبٌ لَدَيهَا مَيلٌ فِطرِىٌّ للاستِبدَادِ !؟
مَن أَجبَرَ رمضان عَلَى هَذَا !؟ وإِن كَانَ مُجبَرًا فَمِنَ المُمكِنِ أَن يَترُك مُدَرِّسًا آخَرَ يَفعَلُهَا لا رمضان ، أَلا يُرِيدُ أَحَدٌ أَن يَنَالَ شرف أن يَكُونَ رَاقِصَةً فِى مِهرَجَانٍ هَزلِىٍّ غَيرَهُ !! وَيَأبَى أَن يَحتَرِمَ تَارِيخَه وسِنِّه وَدَورَه الوَظِيفِىِّ كَمُعَلِّمٍ وَيَلعَبُ دَورَ ” الطَّبَّالِ ” بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ ..!؟
تَحتَ أىِّ شِعَارٍ يا أستَاذ رمضان كَانَ مِنَ المُمكِنِ أن تَكونَ أَكثَرَ احتِرَامًا لِنِفسِكَ !
يَاتُرَى كَم رمضان فِى هَذِهِ البَلَدِ .. أَنَا لَا أَعلَمُ .

الآراء الواردة في التدوينة تعبر فقط عن رأي صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “العدسة