جلال إدريس

هل تشهد الإمارات أزمات اقتصادية وشيكة، تضرّ بالمستثمرين ورجال الأعمال، فضلًا عن أضرارها البالغة بالمواطنين؟

تساؤل هام، يطرح نفسه كثيرًا خلال الأيام الماضية، خصوصًا أن إرهاصات عدة باتت تشهدها الإمارات، تدلِّل على أنّ الدولة التي تتغنى باقتصادها القوي وموانيها الغنية، تقترب من أزمة اقتصادية صعبة، ستعصف بالكثير من مقدرات الدولة.

ويؤكّد اقتصاديون أنّ الإمارات باتت تشهد مؤشرات لأزمة اقتصادية قادمة في الأفق على مستوى الاقتصاد عمومًا، وعلى مستوى المشاريع الصغرى والمتوسطة خصوصًا، فما هي هذه المؤشرات، وما أُثرها على الوضع الاقتصادي في البلاد.

الاقتراض من الخارج

أولى المؤشرات التي تدلِّل على أنّ الإمارات لم تعد كما كانت في السابق، هو لجوء الدولة النفطية إلى الاقتراض من الخارج لسدّ عجز موازنتها العام الماضي.

وكانت “أبو ظبي” عاصمة الإمارات قد أعلنت في أكتوبر الماضي تحصيل 10 مليارات دولار من عملية بيع سندات حكومية، في ثاني خطوة من نوعها في دولة الإمارات منذ تراجع أسعار النفط في 2014.

وقالت الدائرة المالية بأبوظبي وقتها، إن السندات طرحت على ثلاث مجموعات بقيمة 3 و4 و3 مليارات دولار، وعلى فترات تراوحت بين 10 و30 سنة، وبفائدة بين 2.5% و4%.

وفي مايو  الماضي، أيضًا جمعت أبوظبي خمسة مليارات دولار من جراء عملية بيع سندات هي الأولى في 7 سنوات.

وبحسب تقرير سابق لصحيفة فيننشال تايمز البريطانية فإنّ الإمارة استخدمت مجموعة من إصدارات الديون وأرباح الشركات الحكومية وصندوق الثروة لسدّ العجز في الميزانية، على مدى السنوات القليلة الماضية، نتيجة للهبوط المستمر في أسعار النفط منذ عام 2014.

ويشير الخبراء إلى أنَّ الإمارة لجأت إلى الاقتراض من الأسواق الدولية على خلفية دعم الإنفاق العام مع تراجع الإيرادات النفطية التي تهاوت بنسبة تزيد عن 50% منذ منتصف العام 2014.

إغلاق الشركات والمحلات

وفقًا لموقع “الإمارات 71” فقد غزت الأسواق في بعض إمارات الدولة، ولا سيما في دبي والشارقة ظاهرة بات يلاحظها رجل الشارع العادي، فضلًا عن الجهات الحكومية الاقتصادية والإحصائية، تمثلت بإغلاق عشرات المحلات والشركات الصغيرة والمتوسطة أبوابها وتصفية أعمالها والهجرة، لتتحول الإمارات من بيئة جاذبة للأعمال إلى بيئة “طاردة” على ما يتخوف مراقبون اقتصاديون.

وقد انتشرت في الأيام القليلة عددًا من الفيديوهات التي تسجل إغلاق شركات أبوابها بالفعل بمشهد “درامي” مثير للقلق على حدّ وصف مواطنين.

وكانت كلمة السر وراء هذه الظاهرة المستفحلة “ارتفاع الرسوم الحكومية”، فضلًا عن تأثيرات فرض الضرائب في الدولة.

اللجوء للضرائب

من بين المؤشرات التي تؤكّد أن الإمارات تتجه نحو أزمات اقتصادية صعبة، هو لجوء حكومة الإمارات إلى فرض ضريبة انتقائية على عدد من السلع، قبل أن تدخل العام الجاري بفرض ضريبة القيمة المضافة على معظم السلع والخدمات في الدولة بنسبة 5%، وهو ما أثر بصورة ملحوظة وسريعة على حجم التضخم وعلى الأعمال، فيما لا تزال تدرس وزارة المالية فرض ضرائب على الشركات.

وكان وكيل وزارة المالية يونس خوري، قبيل مطلع عام 2018، قد مهَّد لفرض الضرائب على الشركات، قائلًا: “بدأنا إجراء دراسات أولية لفرض ضرائب على الشركات، ونتابع بشكل مستمر الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على تطبيق تلك الضرائب”، ما يعني أنَّ الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية تواصل “إرهاق” القطاع الاقتصادي في الدولة، الذي بدأت مؤشرات انهياره بعد نحو 6 شهور فقط من فرض ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية على الأفراد والمستهلكين ما قاد لضعف القوة الشرائية ما تسبّب في بوادر أزمة اقتصادية لم تنفجر بعد، بحسب خبراء الاقتصاد.

ارتفاع التضخم وتراجع النمو

“مؤشر التضخم” هو الآخر يكشف بصورة أو بأخرى حقيقة الأزمة الاقتصادية التي تقبل عليها البلاد؛ حيث  أظهر تقرير لمركز دبي للإحصاء أنَّ مؤشر الرقم القياسي لأسعار المستهلك ارتفع 1.99%، في الربع الأول من عام 2018 مقارنة بالربع الرابع من عام 2017، وجاء ذلك نتيجة لارتفاع أسعار الكثير من السلع والخدمات في مجال الاتصالات والتعليم والمطاعم وغيرها.

في مقابل “ارتفاع التضخم” فإنَّ الإمارات تشهد نموًا متواضع للتجارة الخارجية وتراجع للواردات؛ حيث سجلت التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات نموًا بنسبة 1% خلال العام الماضي مقارنةً بالعام السابق، حيث كشفت البيانات الإحصائية للهيئة الاتحادية للجمارك ارتفاع الإجمالي العام لحجم التجارة الخارجية غير النفطية للدولة (تجارة مباشرة ومناطق حرة ومستودعات جمركية) خلال 2017 إلى 1.612 تريليون درهم، مقابل 1.599 تريليون درهم 2016، وبزيادة قيمتها 13 مليار درهم. مما يعكس بشكل واضح “ركود” و”عدم نمو” الأداء الاقتصادي للدولة رغم ما تتميّز به الدولة من محفزات اقتصادية من جهة، ورغم استحواذها على تشغيل نحو 75 ميناء حول العالم، من جهة ثانية.

وأشارت الهيئة إلى أنّ قيمة واردات الدولة شهدت تراجعًا 2%، بالغةً حوالي تريليون درهم، مقابل 979 مليار درهم في 2016، دون أن توضِّح الهيئة أسباب هذا التراجع، رغم استمرار تدفق المقيمين على الدولة.

تراجع أرباح الشركات

وكمؤشر إضافي على وجود أزمات اقتصادية بالإمارات،  فإنَّ الشركات الضخمة والكبرى في الإمارات تشهد تراجعًا كبيرًا،  حيث حققت شركة “دبي للاستثمار” تراجعًا في أرباحها خلال 2017 بنسبة 18% إلى 1.001 مليار درهم مقارنة مع أرباح عام 2016 المقدرة بـ 1.2 مليار درهم. و”دبي للاستثمار” هي إحدى الشركات الاستثمارية المدرجة في سوق دبي المالي، ويبلغ عدد المستثمرين فيها نحو 20 ألف مساهم، بينما يبلغ رأسمالها المدفوع 4 مليار درهم إماراتي. منذ تأسيسها في 1995 وتعمل الشركة في قطاعات متنوعة وعلى رأسها التطوير العقاري والصناعات التحويلية وعمليات الدمج والاستحواذ والرعاية الصحية والتعليم وصولًا إلى الاستثمارات المالية في الإمارات وأبرز دول الشرق الأوسط.

ونظرًا لتردّي الأوضاع في عدد من الشركات الصغرى، ولتدارك المزيد من تصفيات الأعمال، صدر تعميم  للجهات الرقابية الاقتصادية في دبي تطالب بوقف تسجيل المخالفات على الشركات والمحلات لمدة شهرين كاملين.