العدسة: محمد العربي

ثلاثة تقارير متزامنة، كشفت خطورة الحالة الاجتماعية التي يعيش فيها الشعب المصري، ورغم أن التقارير جاءت من ثلاثة جهات مختلفة، إلا أنها اشتركت في موضوع واحد ارتبط بشكل محدد، بالحالة المزاجية للشعب المصري التي تشهد تغييرات سلبية خطيرة، نتيجة الانقلاب العسكري.

التقرير الأول أصدرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، حذرت من تصاعد وتيرة الانتحار في صفوف المصريين، وتحويلها لوسيلة احتجاج صامت، حيث شهد شهر فبراير الماضي وحده 16 حالة انتحار، بسبب الظروف المعيشية.

أما التقرير الثاني الصادر عن معهد “ليجاتوم” البريطاني عن مؤشر الحرية الشخصية لعام  2018، فقد تذيلت مصر الترتيب فيه، بحصولها على المركز الـ 149 عالميا، ، متراجعة 3 مراكز عن عام 2016، الذي احتلت فيه المرتبة 146 في الحرية الشخصية.

ويأتي التقرير الثالث ليمثل ضربة موجعة للنظام المصري، باعتباره صادر عن مؤسسة حكومية مصرية وهو الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، والذي حذر فيه من تزايد حالات الطلاق والتي وصل معدلها بحالة كل دقيقتين.

الاحتجاج الصامت

وحسب وصف الخبراء فإن التقرير الذي أصدره، برنامج حرية تعبير العمال والحركات الاجتماعية، التابع للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، قد أطلق صرخة إنذار عندما كشف أن المصريين لجأوا إلى تعبير صامت وقاتل، في الوقت نفسه، من خلال اللجوء للانتحار كحل لمشاكلهم المتفاقمة، وهربا من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.

وحسب التقرير نفسه، فإن 16 مواطنا اعتبروا أن الانتحار هو الحل خلال شهر فبراير 2019، بعد أن ضاقت عليهم أوضاعهم الاقتصادية، حيث انتحرت “شيماء .ح. ص”، 32 عاما، بإلقاء نفسها أمام قطار مترو الأنفاق في محطة ساقية مكي بالجيزة ، بعد عجزها عن تدبير الحد الأدنى لاحتياجات أطفالها الأربعة وتراكم الديون عليها بعد طلاقها من زوجها وتخليه عن الإنفاق على أطفاله، بينما انتحر “وليد .ع”، 25 عامًا، شنقا داخل شقته التي أعدها للزواج في منطقة البدرشين جنوب الجيزة، وذلك لعجزه عن سداد ثمن حمار سرقه أخوه من الجيران.

وضمن الحالات التي ذكرها التقرير، “إبراهيم. إ. ش”، 29 سنة، سائق توك توك، بقرية “برمبال القديمة” التابعة لمركز شرطة منية النصر، بمحافظة الدقهلية، الذي قام بحرق نفسه بسبب تكرار المشاكل مع والدته، لعدم قدرته على توفير نفقات الزواج والإنفاق عليها وعلى أخته المطلقة وأطفالها الأربعة، وانتحر “طه.ع” 29 سنة، سائق، شنقًا، داخل غرفته في منزله بقرية “بندف” التابعة لمركز منيا القمح، بمحافظة الشرقية؛ لمروره بضائقة نفسية ومادية، وانتحر “السيد . م”، عامل، شنقا في أعلى سقف مخزن المقهى الذي يعمل به بدائرة قسم عين شمس، بعدما قام مالك المقهى بطرده من العمل.

وبسبب الضائقة المالية قام “إبراهيم.م.إ” 40 عامًا، عاطل، بشنق نفسه، داخل شقته بمدينة ميت غمر، محافظة الدقهلية عقب مروره بأزمة نفسية نتيجة مروره بضائقة مالية، ولنفس السبب انتحر”إيهاب ص ب ” 35 سنة عامل، شنقا داخل منزله بدائرة مركز منيا القمح، محافظة الشرقية، وكذلك “مغنم. م”، 32 سنة، شنقا في غرفة نومه بالصف، بينما انتحرت “حنان”، 47 سنة بالقفز من شرفة شقتها بالطابق الخامس في حي دار السلام، لعدم قدرتها على تجهيز بناتها للزواج.

حزمة تراجعات

ويرى الخبراء أن مصر تذيلت معظم التقارير والمؤشرات الدولية المتعلقة بالرفاهية، وهو ما يعكس أيضا الوضع الاجتماعي والاقتصادي السيئ الذي يواجهه المصريين منذ الانقلاب العسكري الذي جرى في يوليو 2013، ويشير التقرير إلي أنه حسب مؤشر “ليجاتوم للازدهار العالمي” لعام 2018، فقد احتلت مصر المركز الأخير، من بين 149 دولة، كما تراجع ترتيب مصر في مؤشر جودة الصحة للمركز 101 عالميا، بعد أن كانت في المرتبة 88 عام 2016.

وقد وضع المؤشر الدولي 9 بنود رئيسية لقياس معدل الرفاهية، منها مؤشرات اقتصاد الدولة الشامل، وأسس النمو، والفرص الاقتصادية، وكفاءة القطاع المالى، وبيئة الأعمال، والعوائق التى تقف فى وجه الابتكار، ومرونة سوق العمل، والحوكمة الفعالة، والديمقراطية والمشاركة السياسية، وسلطة القانون، إلى جانب جودة التعليم والصحة والأمن والحرية الشخصية والحفاظ على البيئة.

واحتلت مصر المرتبة 121 من 149 فى عامل الجودة الاقتصادية، والمركز 109 فى بيئة العمل، و117 فى مؤشر الحوكمة، و105 فى التعليم، و101 فى الصحة، و97 فى الأمن والأمان.

إسرائيل تتقدم

ويلفت المراقبون النظر إلى أن تقرير مؤشر “ليجاتوم للازدهار العالمي” لعام 2018، ليس الوحيد الذي كشف زيادة معدلات التعاسة لدى المصريين، حيث سبقه تقرير مؤشر السعادة العالمي لعام 2018 الذي أصدرته الأمم المتحدة، وكشف تقدم إسرائيل على مصر، بعد أن احتلت المركز 11 على مستوى العالم، للعام الخامس على التوالي، بينما احتلت مصر المركزين، 120 ثم 122 على التوالي خلال العاميين الماضيين، من بين 156 دولة شملهم المسح الأممي.

طلاق وعنوسة

ويرى المتابعون أن المحور الثالث في ثالوث الأزمة الاجتماعية التي تشهدها مصر، تمثلت في زيادة معدلات العنوسة والطلاق بين المصريات، ووفقا للتقرير الذي أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العام والإحصاء أمس الخميس 7 مارس بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، فإن تعداد السكان في مصر بلغ 98 مليون نسمة، بينهم 50.5 مليون نسمة للذكور بنسبة 51.5 بالمئة، و47.5 مليون نسمة للإناث بنسبة 48.5 بالمئة.

وأشار الجهاز، إلى أن عدد عقود الزواج على مستوى الجمهورية بلغ 887 ألف عام 2016، مقابل 912 ألفا في عام 2018، بينما بلغ عدد شهادات الطلاق في عام 2018  إلى 211 ألفا، مقابل 198 ألفا عام 2017.

وحسب تقارير أخرى سابقة، فقد حذر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، من ارتفاع نسب الطلاق في مصر والذي جعلها ضمن الأكثر في هذا المجال عالميًا، بينما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أن الأشهر الثمانية الأولى من عام 2018، دفعت مصر لاحتلال المركز الأول عالميا في نسبة الطلاق بسبب قضايا الخلع.

وفي نفس الإطار كشف نفس التقرير ارتفاع معدلات العنوسة في الفئة العمرية 35 عاما فأكثر إلى 472 ألف أنثى بنسبة 3.3% من إجمالي عدد الإناث في تلك الفئة العمرية.

وحسب دراسة حديثة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن “العنوسة فى مصر”، فإن انتشار العنوسة، أدى لزيادة بعض الظواهر غير المقبولة اجتماعيا ودينيا، مثل ظواهر الزواج السري والعرفي بين الشباب في الجامعات، والإصابة بأمراض نفسية، وبالنسبة للرجال فقد دفعت البعض للإقبال على إدمان المخدرات.

وبحسب بيانات ومؤشرات جهاز الإحصاء حول ظاهرة “العنوسة فى مصر”، وصلت هذه النسبة بين الذكور فى الحضر إلى 6.8% مقابل 2.4% بالريف خلال 2017، وقد يرجع ذلك – بحسب الدراسة- للوضع الاقتصادى الذى يتضمن غلاء المسكن، سواء كانت مستأجرة أم مملوكة بل وتكاليف الزواج من مهر، وتجهيز المنزل، وغيرها من الالتزامات التي أدت إلى تقليل فرص الزواج –خاصة في الحضر- لعدم قدرة الرجل على القيام بكلِّ هذه الأعباء.

بلغت النسبة “العنوسة” للإناث 4.2% في الحضر، مقابل 2.6% بالريف، ويرجع ذلك إلى إرتفاع مستوى التعليم بالنسبة للإناث في الحضر عنه في الريف، حيث تؤجل الكثير من الإناث فكرة الزواج لحين الانتهاء من مرحلة الدراسة الجامعية، والبعض لحين انتهاء الدراسات العليا كالماجستير، والدكتوراه.