أحمد حسين

لا تأجيل.. لا تمديد، بهذه النتيجة أصبحت الانتخابات الرئاسية في الجزائر أمر واقع، بعد الدعوة الرسمية من قبل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة للناخبين من أجل الاقتراع في 18 أبريل المقبل.

ورغم أن الإعلان وضع حدا للتكهنات بشأن مصير الانتخابات هل تجرى في موعدها أم لا وأسقط مشروعات التأجيل والتمديد، إلا أن الغموض لا يزال يكتنف مصير بوتفليقة، هل يترشح لولاية خامسة أم لا؟.

ولاية خامسة للرئيس

ويبدو أن الاحتمال المرجح وسط السيناريوهات التي ربما لن يخرج عنها مستقبل الانتخابات، ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة، رغم حالته الصحية المتدهورة وغيابه التام عن المشهد في البلاد على مدار سنوات ولايته الرابعة بأكملها.

وبطبيعة الحال فإن ترشح بوتفليقة لا يعني سوى نجاحه، كما جرت العادة منذ وصوله إلى سدة الحكم عام 1999، لعدة عوامل أهمها أنه لو كانت هناك نية لدى النظام الحاكم ونخبته والمؤسسة العسكرية لاستبعاد الرجل من المشهد لكان الإعلان عن تأجيل الانتخابات أو تمديد الرئاسة لعام واحد حتى الوصول إلى مرحلة توافق وطني حول خليفته.

في المقابل، فإن بعض الأطراف السياسية المعارضة تبدو مستعدة لخوض غمار انتخابات قد ترى أنا تعددية وتتمتع بشفافية ونزاهة حقيقيتين، أو ربما لإضفاء أجواء من الشرعية على انتخابات نتيجتها معروفة مسبقا.

حركة مجتمع السلم المحسوبة على الإخوان المسلمين استنفرت من أجل المشاركة في الانتخابات، ودعا رئيسها عبد الرزاق مقري قواعد الحركة من أجل جمع التوقيعات استعدادا لتقديم مرشح عن الحركة.

(كرسي متحرك سمتمر في حكم بلد المليون شهيد)

ولعل النتيجة الحتمية لرفض الطبقة الحاكمة سيناريو التمديد أو التأجيل، هي أن بوتفليقة يستعد لولاية رئاسية خامسة، أي أن كرسي الرئاسة المتحرك سيحكم البلاد لحين موت صاحبه.

وإلى أن تتغير المعادلة السياسية في الجزائر لسبب أو لآخر، فإن استمرار بوتفليقة يعني استمرار الأوضاع الحالية كما هي،من انسداد سياسي وأزمات اقتصادية مشتعلة، وأوضاع اجتماعية يئن بسببها الجزائريون.

مرت عدة رشح مراقبون الأوضاع في الجزائر للانفجار، لكن خبرة بوتفليقة وسيطرته على الأوضاع منعتا ذلك، وقد تمنعانه في المستقبل أيضا.

تأييد المؤسسة العسكرية للرئيس والذي عبرت عنه أكثر من مرة، آخرها عبر بيان شديد اللهجة رافضة محاولات البعض إقحام الجيش في السياسية، ودعواتهم المستمرة إدخاله عنوة في لعبة الانتخابات الرئاسية.

هذا التأييد يعد حائط الصد المنيع الذي يحتمي فيه بوتفليقة، ويعول عليه كثيرا في عدم بلوغ الغضب الشعبي الناقم على الأوضاع الاقتصادية إلى درجة الاحتجاج، أو الخروج في مظاهرات رافضة قد تتطور مطالبا وتتسع كما جرى في بلدان عدة مجاورة للجزائر في 2011.

انتخابات حقيقية!

ورغم أنه مستبعد، إلا أن سيناريو إجراء انتخابات حقيقية بين مرشحين فعليين ليسوا ديكور أو أداة بيد السلطة الحاكمة يبقى وارد، لكنه مرهون بعدم ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة.

فهل يمكن أن يترك بوتفليقة سنوات رسخ فيها قوته وإرثا ضخما من الاستحقاقات والسلطات هكذا بسهولة لرجل مجهول، ليس بوتفليقة وحده لكن تلك الطبقة الحاكمة من حزبين حليفين في الحكومة وقوات مسلحة وغيرهما من فئات رسخت أوضاعها طوال سنوات حكم بوتفليقة.

الإجابة بطبيعة الحال لا، وهو ما عبرت عنه تسريبات أحدثت حالة من الجدل، لنتائج محادثات رئيس حركة مجتمع السلم (الإخوان المسلمين) مع سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس.

(مقري أكد أن العهد البوتفليقي انتهى)

“مقري” نقل على لسان شقيق بوتفليقة أن عائلة الرئيس تخشى على سلامتها في حال انتقال السلطة إلى جهة أخرى، كما أن الرئيس لا يريد أن تنتقل الصلاحيات الواسعة التي جمعها طوال 20 عاما إلى من سيخلفه.

اللغط الإعلامي حول مسألة تأجيل الانتخابات، تسبب بحسب الرسالة المسربة، في “تحفظ المؤسسة العسكرية والعودة إلى قناعتها الاصلية وهي إجراء الانتخابات الرئاسية في وقتها، وبروز شواهد كثيرة تدل على دعمها للعهدة الخامسة (الولاية الخامسة للرئيس)”.

ويبدو أن موقف المؤسسة العسكرية الساعي لاستمرار بوتفليقة بانتخابات شكلية – دون الدخول في متاهات التوافق الوطني على إجراءات إصلاحية – هذا الموقف دفع شقيق الرئيس إلى إبلاغ مقري رسميا أن “رئيس الجمورية سوف يضمن في برنامجه مشروع الإصلاحات العميقة التي تم الاتفاق عليها..”.

حظوظ شقيق الرئيس

ولعل رفض الطبقة الحاكمة أن تنتقل صلاحيات بوتفليقة وسلطاته الإمبراطورية إلى شخص غير مأمون السلوك، ينعش فرص تحقق السيناريو الثالث للانتخابات الرئاسية.

يقود هذا السيناريو إلى ترضح شقيق بوتفليقة في الانتخابات المقبلة بدلا منه، باعتباره الوجه الأكثر قبولا لدى الأطراف المؤثرة على معادلة الحكم في البلاد، فضلا عن اطلاعه الكبير على دهاليز السلطة، ووصفه بالحاكم الفعلي منذ سنوات مرض شقيقه.

وجود شقيق الرئيس بقوة في المباحثات الهامة مع رئيس حركة مجتمع السلم بصفة غامضة، يدفع إلى التكهن بأنه قد يكون الوجه الأنسب لرئاسة البلاد خلفا لشقيقه، كما يعيد إلى الأذهان الصراع الدائر حول خليفة بوتفليقة بين السعيد ورئيس الحكومة أحمد أويحيى، بعد إلغاء الرئاسة اتفاقا وقعته الحكومة مع هيئة تمثل “الكارتل المالي” – وهو تكتل اقتصادي يضم مستثمرين ورجال أعمال كبار – واتحاد العمال يقضي بفتح رأس مال لشركات ومؤسسات اقتصادية عمومية لصالح رجال الأعمال المستثمرين من القطاع الخاص “الخصخصة”.

(حظوظ شقيق بوتفليقة في تولي الرئاسة تتزايد)

وأصدرت رئاسة الجمهورية التي يسيطر عليها شقيق الرئيس تعليمات عاجلة موجهة إلى أويحيى والوزراء لمطالبته بوقف تنفيذ كل قرارات الحكومة، الأمر الذي أزاح الستار عما يمكن أن نسميه “حكومة ظل” في رئاسة الجمهورية تعارض مسار حكومة أويحيى وتتدخل في قراراتها، على خلفية صراع يرتبط بالانتخابات الرئاسية.

مسؤولون قالوا إن “الرئاسة استشرفت وجود نوايا غير سليمة، وأبدت انزعاجًا كبيرًا من الطريقة التي سيرت بها الحكومة تصفية مؤسسات اقتصادية عمومية، خصوصًا بعد ورود تقارير عن وجود صفقات بين الحكومة ومستثمرين بعينهم للفوز بالحصة الأكبر من الأسهم في مؤسسات عمومية”.

تقارير إعلامية، وصفت ما يواجهه أويحيى الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الشريك الثاني في الحكومة بعد حزب بوتفليقة، بأنه حملة لتقليم أظافره في إطار محاولات قطع الطريق أمامه للترشح وخلافة بوتفليقة.

وليس أدل على ذلك من الخسارة الموجعة التي تلقاها حزب أويحيى في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى.