الانتخابات الفلسطينية

عاشت – ولا زالت- الساحة السياسية الفلسطينية ضغوطًا متزايدة من عدة أطراف إقليمية ودولية خلال الفترة السابقة. فمن ناحية، ما زال قطاع غزة الذي تديره حركة المقاومة الإسلامية (حماس) محاصرًا. وبمرور الوقت يزداد الحصار إحكامًا على القطاع، الأمر الذي وضع الحركة في مأزق صعب، من حيث توفير الاحتياجات الأساسية لسكان القطاع المحاصر، البالغ عددهم مليونين و254 ألفًا، حسب إحصائيات رسمية صدرت أوائل العام الجاري.

ومن ناحية أخرى، كانت فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عصيبة على كل الفصائل الفلسطينية بما فيها حركة فتح، ذلك أن سياسات إدارة ترامب كانت متجاهلة لحقوق الجانب الفلسطيني بشكل تام، بما فيها السردية التي تتمسك بها حركة فتح حول رؤيتها لحل القضية الفلسطينية. 

حيث أوقف ترامب الدعم المقدم من واشنطن لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). كما اعترفت الإدارة الأمريكية حينها بمدينة القدس كعاصمة لدولة الاحتلال، وربما كان الحدث الأبرز في هذا السياق، هو إعلان صفقة القرن التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية للأبد. 

ضغط إسرائيلي- عربي مشترك..

ولم يكن الكيان الصهيوني ليفوت فرصة وجود ترامب في البيت الأبيض، بطبيعة الحال. وعلى هذا، شدد حصاره الخانق الذي يفرضه على غزة منذ عام 2006. هذا بالإضافة إلى الشراهة التي بدت من دولة الاحتلال في بناء المستوطنات، وفرض سيادتها المزعومة على أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، أبرزها غور الأردن، الذي تعتبره السلطة الفلسطينية “سلة الغذاء” التي ستدعم الدولة الفلسطينية المستقبلية، وذلك لتميزه بالأرض الخصبة الصالحة للزراعة.

الأمر لم يتوقف على الضغوطات الأمريكية والصهيونية فقط، إنما تطور ليشمل دولًا عربية إسلامية ساهمت في إحكام الحصار على الشعب والقيادة الفلسطينية في غزة والضفة على حد سواء. حيث هرولت دول عربية عدة للتطبيع مع دولة الاحتلال. ووقعت الإمارات والبحرين والسودان والمغرب اتفاقات تطبيع تحت وساطة إدارة ترامب. وما بدا حينها أن الأمر ليس مجرد تطبيع، بل هو تحالف كامل وانبطاح للكيان الصهيوني، وإذعان لكل سياساته، والتي تأتي على رأسها تصفية القضية الفلسطينية.

ويبدو أن هذه الضغوطات المتزايدة جعلت من سياسات الفصائل الفلسطينية المختلفة أكثر مرونة، بحيث تصل كل الأطراف إلى حالة من الوحدة، أو على الأقل التنسيق لمواجهة هذه الأخطار. ولذلك أجرت كبرى الفصائل الفلسطينية، فتح وحماس، حوارات مطولة في مدينة إسطنبول التركية. وأسفرت الحوارات عن إعلان الطرفين “رؤية مشتركة” في 24 سبتمبر/ أيلول 2020، تقضي بإجراء انتخابات عامة.

أول انتخابات منذ  15 عامًا..

وعلى ذلك، أصدر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في 15 يناير/كانون الثاني 2021، مرسومًا رئاسيًّا أعلن فيه إجراء أول انتخابات على المستوى الوطني منذ نحو 15 عامًا. حيث قرر أن تجرى الانتخابات على 3 مراحل، تشريعية في 22 مايو/أيار، ورئاسية في 31 يوليو/تموز، على أن تكون انتخابات المجلس الوطني في 31 أغسطس/آب.

لكن من الواضح أن المواقف الداخلية الخاصة بكل فصيل ستختلف تجاه التعاطي مع الانتخابات. بدايةَ هناك قرر المقاطعة، حيث أعلنت حركة الجهاد الإسلامي أنها لن تشارك في الانتخابات، وذلك لأن سقفها اتفاق أوسلو “الذي أهدر حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته”، حسب بيان صادر على الحركة.

في المقابل، ورغم الموقف التاريخي السلبي لحركة حماس من اتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال عام 1993، حيث تعتبره الحركة اتفاقًا “مشؤومًا”، إلا أن حماس قررت المشاركة، بل هي من أهم الدافعين باتجاه إجراء انتخابات عامة منذ وقت طويل. 

ويبدو أن الحركة تحاول بذلك أن تصلح قدر الإمكان في هرم السلطة الفلسطينية، بحيث يتسنى لها رفع الضغط الممارس على الشعب الفلسطيني شيئًا ما. كما أن وجود سلطة فلسطينية لها ظهير شعبي، هو عامل مهم داعم لثبات هذه السلطة في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

رؤية مختلفة للانتخابات القادمة..

ورغم قرار الحركة وحماسها للاشتراك في الانتخابات، إلا أنه كان واضحًا من الخط السياسي لها خلال الأشهر وربما السنوات الماضية أنها لا تريد تكرار تجربة انتخابات 2006، التي ترتب عليها تشكيل حماس لحكومة فلسطينية جديدة. وهذا ما أكدته مصادر من “حماس” تحدثت لبعض المواقع الإخبارية.

حيث قالت إن حركة حماس تميل إلى عدم ترشيح قيادات الصف الأول، في قائمتها للانتخابات التشريعية المقبلة المقررة في مايو/أيار المقبل، وأنها سترشح فيها شخصيات من الصفوف التنظيمية الثانية والثالثة، إلى جانب مستقلين ذوي كفاءات. كذلك رجحت المصادر ألا ترشح حماس أحد أعضائها لمنصب الرئيس، وأنها تفضل دعم مرشح من خارجها، يكون توافقيًا.

وبذلك يتضح أن حماس تريد أن تحقق معادلة متوازنة، وهي أن تبقى رقمًا مهمًا على الساحة السياسية الفلسطينية، بحيث تشارك في صنع السياسات العامة. لكن في المقابل، فإنها لا ترغب أن تتولى المسؤولية وحدها في وقت قد لا تستطيع تلبية تطلعات الشعب الفلسطيني فيه، بسبب الضغوطات المتزايدة على السياسيين الفلسطينيين ككل، وبالأخص قيادة الحركة.

حراك داخلي في حركة فتح..

وفيما يخص موقف حركة فتح، فيبدو أن الساحة فيها أكثر سخونة من نظيرتها في حركة حماس. حيث يبرز اسمان قد يغيرا المعادلة، الأول هو عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” مروان البرغوثي، المعتقل لدى دولة الاحتلال، والثاني القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان.

فرغم أن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، صرح أن الرئيس الحالي محمود عباس، هو مرشح حركة “فتح” في انتخابات الرئاسة، إلا أن مقربين من البرغوثي أكدوا أنه عازم على ترشيح نفسه في الانتخابات المقبلة. وربما تؤكد الرسالة الأخيرة التي بعث بها عباس إلى البرغوثي في محبسه هذا الأمر.

 

من جهة أخرى، يقول مراقبون أن هناك جهودًا من دول عربية لعقد مصالحة بين عباس ودحلان، ليتمكن الأخير من خوض الانتخابات الفلسطينية القادمة. حيث أن القانون يمنعه من الترشح “لصدور قرار قضائي بحقه من محاكم فلسطينية، واتهامه بالوقوف خلف أحداث محددة واختلاس أموال”. ففي عام 2013 أصدرت محكمة الفساد الفلسطينية حكمًا بسجن دحلان 15 عامًا، وغرامة مالية 930.496 ألف دولار، بعد إدانته بالفساد.

ويبدو أن الأسابيع القادمة ستشهد حالة من الحراك الداخلي في حركة فتح لحسم ملف الانتخابات، وتحديد القوائم التي ستتقدم بها الحركة. بينما سيكون الأمر أهدأ نسبيًا لدى حركة حماس، لكن ستكون المهمة الأولى لحماس فيما يبدو هي التمكن من إيجاد شخصيات ذات كفاءة، وقبول شعبي يتخطى حدود الحركة. 

اقرأ المزيد : زيارة المنفي لحفتر تفجر أسئلة حول المسكوت عنه في المصالحة الوطنية الليبية