التقى قادة ودبلوماسيون دوليون في باريس يوم الجمعة، وناقشوا الوضع في ليبيا، وقرروا أنه يجب أن تلتزم الدولة الغنية بالنفط في شمال إفريقيا بخطة الأمم المتحدة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية الشهر المقبل. وأكد البيان الرسمي الذي صدر عقب الاجتماع “نؤكد أهمية حشد كافة الأطراف الليبية بحزم لصالح تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية حرة ونزيهة وشاملة وذات مصداقية في 24 ديسمبر”.
واتفقت القوى المتنافسة في ليبيا -الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة والقوات التي يديرها المشير المنشق خليفة حفتر، المدعوم من فرنسا ومصر والإمارات- على وقف إطلاق النار في أكتوبر / تشرين الأول من العام الماضي. وتضمنت الصفقة موعد الانتخابات.
وأنهى وقف إطلاق النار عقدًا من العنف الذي اندلع في أعقاب الثورة الشعبية التي أطاحت بمعمر القذافي في عام 2011. وانخرطت القوى الدولية، بما في ذلك فرنسا وروسيا، في الفوضى، إما من خلال قواتها ومرتزقتها الذين يقاتلون إلى جانب حفتر، أو من خلال إرسال أسلحة ومعدات عسكرية له.
وفي رسالة بالفيديو إلى مؤتمر باريس، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: “ليبيا اليوم أقرب مما كانت عليه منذ سنوات عديدة لحل أزمتها الداخلية وكسر حلقة التحولات السياسية. لا يمكننا تفويت هذه الفرصة”. وجدد التأكيد على أن الانتخابات هي “خطوة تالية أساسية على طريق السلام والاستقرار والتي يجب أن تُبنى على أساس قوي من الأطر الشاملة وذات المصداقية التي يمكن أن تضمن نجاحها”.
إذن، يبدو أن هناك رغبة واضحة محلياً وإقليمياً ودولياً لاستكمال المرحلة الانتقالية في الدولة التي مزقتها الحرب. ومع ذلك، فإن الجدول الزمني والجدل حول المرشحين من المرجح أن يغرق البلاد في الفوضى والصراع المسلح مرة أخرى.
خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، محمد يونس منفي: “ليبيا تمر بمرحلة حاسمة. فإما أن ننجح في انتقالنا الديمقراطي من خلال إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، ونتائجها مقبولة للجميع. أو نفشل ونعود إلى الانقسام والنزاع المسلح “.
ومن المعوقات التي قد تؤدي إلى الفوضى إصرار القوات الأجنبية على عدم مغادرة البلاد وهو شرط من شروط اتفاق وقف إطلاق النار. وبحسب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فإن التزامًا جديدًا لقوات حفتر في الشرق بإخراج 300 من المرتزقة الأجانب من البلاد “يجب” أن يتبعه سحب تركيا وروسيا “لمرتزقتهما”.
تمتلك مجموعة فاجنر الروسية مرتزقة في ليبيا، على الرغم من نفي وجودهم هناك تحت سيطرة موسكو.إنهم في ليبيا لدعم حفتر، ودخلوا البلاد بشكل غير قانوني يخرق القانون الدولي.
لكن من جهة أخرى، فإن القوات التركية موجودة في ليبيا بدعوة من الحكومة المعترف بها دوليًا.
والمساواة بين الاثنين، كما يفعل ماكرون، أمر غير عادل. حيث قال ماكرون بعد مؤتمر باريس: “يجب تنفيذ خطة انسحاب المرتزقة. كما يجب على روسيا وتركيا سحب مرتزقتهما دون تأخير”. وردت تركيا بأن “فرنسا ليس لها حق” في إجراء مثل هذه الدعوة.
في الواقع، تعتقد تركيا في وجود أجندة خفية لمؤتمر باريس، لذلك أرسلت وفداً على مستوى دبلوماسي منخفض. كما علمت روسيا أيضًا أن وجودها في ليبيا كان مستهدفًا، لذلك أرسلت أيضًا مبعوثًا منخفض المستوى إلى باريس.
لا شك أن فرنسا جزء من التعبئة الدولية ضد تركيا. يعرف ماكرون جيدًا أن الوجود التركي في ليبيا لا ينتهك القانون الدولي، لكنه لا يزال يقول إن “أفرادًا أو كيانات، داخل ليبيا أو خارجها، قد يحاولون عرقلة أو تقويض أو التلاعب أو تزوير العملية الانتخابية والانتقال السياسي، وهؤلاء قد يواجهون عقوبات”.
الفرنسيون ليسوا وحدهم الذين يسعون للحصول على نصيب من الثروة النفطية في ليبيا ما بعد القذافي. هذا هو السبب في أن القوى العالمية تريد تثبيت ديكتاتور يعمل لصالحهم على البلد الذي يمكنهم السيطرة عليه، كما فعلوا في البلدان الأخرى. فمثل هذا الشخص لن يهتم كثيرًا بشعب ليبيا.
وهناك مرشحان محتملان لهذا الدور: حفتر – الذي يحمل الجنسيتين الليبية والأمريكية – وسيف الإسلام القذافي، نجل الديكتاتور الراحل. كلاهما يمكن أن يخدم مصالح القوى الخارجية على حساب دماء وثروة الليبيين.
وهذا هو السبب في أن أولئك الذين اجتمعوا في باريس الأسبوع الماضي شددوا على مصطلح “الشامل” عند مناقشة الانتخابات الليبية. إنهم يصرون على أنه لا ينبغي أن يكون هناك حق نقض أو حظر ضد أي شخص بغض النظر عن هويته وماذا فعل.
لا يحظى حفتر بشعبية في ليبيا بسبب عدائه للحكومات الشرعية وتلطخ يديه بدماء الليبيين. وينطبق الشيء نفسه على سيف الإسلام القذافي الذي كان ناشطا في نظام والده القمعي، كما أن شعبيته آخذة في التراجع أكثر بالنظر إلى تجدد صلاتها بنظام الاحتلال الإسرائيلي.
ومما يعقد طموحات القذافي الرئاسية، أنه حوكم غيابيًا في عام 2015 من قبل محكمة في طرابلس ظهر فيها عبر رابط فيديو من الزنتان. وحُكم عليه بالإعدام لارتكابه جرائم حرب \، بما في ذلك قتل متظاهرين، ولكن تم العفو عنه لاحقًا .
على الرغم من ذلك، وعلى الرغم من كونه مطلوباً من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، إلا أن الغرب لا يزال ينظر إلى القذافي، وهو خريج كلية لندن للاقتصاد، على أنه صديق.
وعلى الجانب الآخر، فالانقلابي حفتر، المدعوم من روسيا وفرنسا ومصر والإمارات العربية المتحدة، هو شخصية مثيرة للجدل، يحتقرها الكثيرون في غرب ليبيا بسبب هجوم طرابلس وقتله للأبرياء. يسعى حفتر إلى إقامة دكتاتورية عسكرية في البلاد، فقراره الترشح [كمرشح رئاسي] سيثير غضب الكثيرين في العاصمة والمناطق الغربية الذين يتشككون بالأساس في إمكانية وجود تصويت حر عادل في المناطق التي يسيطر عليها، ويتهمونه بارتكاب جرائم حرب أثناء الاعتداء، وهو ما ينفيه .
وفقًا لاتفاق المصالحة المدعوم من الأمم المتحدة ، فإن المهمة الرئيسية للحكومة المؤقتة برئاسة عبد الحميد دبيبة هي إعداد ليبيا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وكان الدبيبة قد أعرب في عدة مناسبات عن مخاوفه من أن البلاد ليست مستعدة للانتخابات في 24 ديسمبر واقترح تأجيلها. ليس هو الوحيد الذي يفكر في هذا. فالعديد من الجماعات الشعبية والثورية والمسؤولون في ليبيا يقولون الشيء نفسه. حيث تصر المجالس المحلية في جميع أنحاء البلاد على أنه لا ينبغي السماح لـ “مجرمي الحرب” بالترشح.
ومع ذلك، يبدو أن القوى العالمية مستعدة للتدخل في العملية الانتخابية. ومن هنا، فإن إصرارهم على المضي قدماً في الموعد المحدد، قد يكون إشكالية.
وقال عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا عبد الرحمن الشاطر: “الخطر يكمن في تجاوز الاستفتاء على مشروع الدستور بأعذار عديدة. الخطر القاتل هو الانتخابات الرئاسية دون موافقة الشعب على الدستور”. ويعتقد أن البلاد بحاجة إلى مزيد من الوقت لإنهاء العملية الانتخابية والقانون لأن “هناك مؤامرة دولية لتنصيب ديكتاتور جديد”.
يعتقد الكثيرون في ليبيا أنه لن يتم احترام نتائج الانتخابات إذا استمروا في غياب الدستور ووسط الانقسامات المستمرة في البلاد. المصالحة الحقيقية التي تنهي الفوضى والعنف والانقسامات والصراعات في البلاد بشكل كامل يجب أن تقوم على انتخابات، وهذه الانتخابات تحتاج إلى دستور وقوانين واضحة إذا أريد لها أن تكون حرة ونزيهة وشفافة.
اضف تعليقا