العدسة – معتز أشرف
في تقدير موقف جديد للمرصد السياسي بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي يعبر عن مصالح الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة، اتَّجه خبراء المعهد إلى التأكيد أنَّ تحقيق السيادة العراقية ذات بُعد استراتيجي في دعم المصالح الأمريكية، ورسموا خارطة طريق لكيفية سيطرة الولايات المتحدة الامريكية على بلاد الرافدين من بوابة الانتخابات وبتوزان يحقق لها مناهضة النفوذ الإيراني والإطاحة به بالتدريج.
نتائج مبكرة!
وأوضح المرصد في تقريره الذي جاء بعنوان “كيف تدعم السيادة العراقية المصالح الوطنية الأمريكية“، ووصل “العدسة”، أنه على الرغم من أنَّ الحملات الانتخابية بدأت رسميًا خلال نهاية الأسبوع الماضي، إلا أنَّ معالم الانتخابات تتبلور بالفعل، فقد حقق رئيس الوزراء حيدر العبادي أكثر مما توقّعه أي مراقب منطقي، نظرًا إلى الوضع المروّع الذي ورثه في عام 2014، ويمكنه الإشارة إلى التعافي الاقتصادي والعسكري الضعيف كسبب كافٍ لانتخابه لولاية أخرى، وإذ إنه يتوخّى الحذر من المبالغة في المطالب من الناخبين، يبدو أنَّه تخلى في الوقت الحاضر عن خططه المهمة بل المؤلمة للإصلاح الاقتصادي، ومع ذلك فلا يزال يشير إلى إمكانيات جديدة للعراق.
ويرى المرصد السياسي للمعهد في تقريره أنَّ دعوة العبادي إلى جعل البلاد أرضية محايدة في الصدام المتنامي الذي تشهده المنطقة بين المعسكرين المؤيد لإيران والمعارض لها، كما أنّه بتشجيع من الجهات الفاعلة الدولية، أشار إلى أنه يريد أن يمثل كافة العراقيين، وليس العرب الشيعة فحسب، وبالفعل، فإنّ قائمته الانتخابية هي الوحيدة التي تتنافس في كل محافظة، بما فيها «إقليم كردستان»، وإذا تمكنت بغداد من تحقيق هذه الرؤية المتمثلة بدولة مستقلة ومستقرة تعيش في سلام مع مواطنيها، فستتماشى على وجه التحديد مع المصالح الأمريكية.
وأضاف المرصد أنَّ بناء شراكة مع شعب العراق وحكومته لا تزال قابلة للتحقيق، لكنها تخضع للاختبار بسبب التوسع الهائل للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وكان النسيج الثابت للدولة ورفض أكثرية المواطنين للهيمنة الإيرانية قد تسببا في إبطاء وتيرة تقدم طهران في العراق، لكن هناك مؤشرات خطيرة كثيرة؛ فمنذ عام 2014، اندمجت الميليشيات التي تسيطر عليها إيران مع «قوات الحشد الشعبي»، وتمكنت من الحصول على ميزانية سنوية بقيمة 1.6 مليار دولار وجعل نفسها جزءًا رسميًا من القوات المسلحة العراقية كما يشير سجل طهران في لبنان وسوريا واليمن إلى أنها ستحاول اكتساب أكبر قدر ممكن من النفوذ في العراق، حتى لو كان ذلك يعني عدم إيلاء أي اعتبار للمعايير الديمقراطية وحقوق الأقليات وسيادة القانون.
الهدف الدفاعي!
ويرَى المرصد أنه على النقيض من أهداف إيران التوسعية، يُعتبر هدف الولايات المتحدة في العراق دفاعيًا، وفق وصفه؛ إذ يتمثل في منع الهيمنة الإيرانية ومنح بغداد مساحة كافية لاستعادة قوتها، وقد أخبر قادة عراقيون- حتى كبار السياسيين الشيعة– محرري التقرير أنهم يقدّرون الانخراط الأمريكي المستمر؛ لأنه يمنحهم القوة لموازنة النفوذ الإيراني، وهم يدركون جيدًا أن توازن القوى هذا سيصبح مشوهًا بشكل كارثي إذا تنحت واشنطن جانبًا.
وأشار إلى أنه لدى العراقيين الكثير من الأسباب الخاصة بهم للتصدي للنفوذ الإيراني. فبعد صراع دام خمسة عقود، لا يرغبون في أن يتمّ جرّهم إلى حروب طهران كما كان حال لبنان، فالروابط الإيرانية قد تقيّد علاقاتهم مع السعودية ودول مجاورة أخرى، مما يحرّمهم من استثمارات وشراكات تجارية مهمة، كما أن إيران هي المنافس الطبيعي لهم في مجالات النفط والغاز والكهرباء وصادرات البتروكيماويات، وتثير هيمنة الواردات الإيرانية استياءَ في صفوف المزارعين والصناعيين والتجار العراقيين، وأخيرًا، تُعتبر الجمهورية الإسلامية منافسًا دينيًا للمعاهد الشيعية الكبرى ومواقع الحج في النجف وكربلاء؛ حيث قد تسعى إيران إلى زيادة نفوذها بعد وفاة آية الله علي السيستاني، وبالتالي فإنَّ المصالح الاستراتيجية العراقية (والأمريكية) ستتحقق بشكل أفضل إذا كان وضع البلاد مماثلًا لوضع فنلندا خلال الحرب الباردة، مع الحفاظ على درجة من الاستقلالية عن طهران، وكذلك عن واشنطن.
التدخل الأمريكي
ويرصد تقرير معهد واشنطن نقطة هامة جدًا وهي “دور الولايات المتحدة خلال الانتخابات وبعدها”، موضحًا أنه ليس من شأن أي دولة أجنبية أن تحاول اختيار الفائز في الانتخابات العراقية، وأن أي تدخّل مباشر في عملية بناء الائتلاف التالي قد يؤدي إلى نتائج عكسية، وعوضًا عن ذلك، تتمثل المقاربة الفضلى بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في تحديد قيمة العرض بوضوح إذا قرر السياسيون العراقيون اعتماد حكومة شاملة، وسياسات أمنية ذكية، وإصلاحات اقتصادية، وحيادية في المسائل الإقليمية، وهي القضايا ذاتها التي دعمها العراقيون أنفسهم بأغلبية ساحقة في استطلاعات رأي محترمة، ويجب أن يكون العرض الذي رسمته واشنطن- ومن الناحية المثالية، شركاؤها الآخرون في التحالف أيضًا- صفقةً متكاملة من الدعم الأمني وغير الأمني، ويتوقف ذلك على قيام حكومة عراقية صديقة ترغب في معالجة هذه القضايا، وأحد العناصر المهمة في هذا العرض هو توافر تدريب عسكري أمريكي على مدى السنوات القليلة المقبلة، لأغراض أمنية لمنع بروز تنظيم «الدولة الإسلامية» مجددًا وكرمز سياسي على حد سواء، وحتى في ظل البهجة القومية بعد “هزيمة” التنظيم، يدرك جزء كبير من الجسم السياسي العراقي مدى أهمية التعاون الأمني الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وقد تزامن انسحاب الجنود الأمريكيين عام 2011 مع إعادة نمو تنظيم «الدولة الإسلامية»، في وقت شاركت فيه القوات التي تقودها الولايات المتحدة في كافة الانتصارات التي حققها العراق منذ عام 2014، وليس هناك خطوة واحدة من شأنها أن تؤكد علاقة بغداد مع واشنطن وانفتاحها على الدول العربية المجاورة وتركيا أكثر من السماح لقوات التحالف بالبقاء [في العراق]، وفق ما يرى المرصد.
ويرى المرصد أنه لا ينبغي النظر إلى الوجود العسكري المستمر على أنه واجب أو حق أمريكي، بل كترتيب يعود بالفائدة على الطرفين ويسترشد بالمبادئ البسيطة نفسها التي رسمت أُطُر «عملية الحل المتأصل»، وبشكل خاص: ضمان تنفيذ العمليات القتالية “من قِبل ومع ومن خلال” قوات الأمن العراقية وتجنب أي قواعد أمريكية غير مصرّحة أو أي عمليات أحادية الجانب وإقامة تحالف مع مجموعة كبيرة من الشركاء الدوليين قدر المستطاع وإبقاء حجم المهمة وأنشطتها قابلة للتكيّف، وفقًا لمتطلبات العراق وقبول واقع أن السلطات القانونية العراقية القائمة كافية لضمان التواجد العسكري، بالإضافة إلى ذلك، يتعين على واشنطن ربط التعاون الأمني بشكل سِرّي بتنفيذ أوسع لـ”اتفاقية الإطار الاستراتيجي” لعام 2008، التي تتخطى العلاقات العسكرية وتشكّل أساس التعاون في مجالات الاقتصاد والسياسة والطاقة، على المسؤولين الأمريكيين تذكير بغداد بفوائد مصادقة أمريكا، بما فيها: المساعدة في الحصول على دعم “صندوق النقد الدولي” و”البنك الدولي” وحشد مجتمع المانحين الدولي، كما حصل في فبراير من هذا العام عندما استضافت الكويت “المؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق”، بالإضافة إلى الدعم الدبلوماسي في الانخراط مع دول مثل السعودية، والدعم الفني والمساعدة في إدارة البرامج الخاصة بمشاريع البنية التحتية والاقتصادية المهمة، لا سيما إعادة تأهيل سد الموصل، ومجموعة من المزايا الخاصة التي تتحقق عندما يستفيد القادة من “المساعي الأمريكية الحميدة”.
كما يرى المرصد أنه يتعين على واشنطن التعاون مع تركيا في إطار مقاربة مشتركة إزاء «حكومة إقليم كردستان»، كضمانة بشكل أساسي إذا فشلت جهود الحفاظ على الحياد النسبي في العراق، ومن شأن مثل هذا التعاون في شؤون الدفاع والطاقة والدبلوماسية الخاصة بالأكراد أنّ يشير إلى وجود خيارات أمام الولايات المتحدة إذا ما حصلت إيران على اليد العليا في بغداد يوماً ما، ولإبقاء هذا الخيار متاحًا، تحتاج واشنطن إلى مواصلة العمل كوسيط عادل بين الحكومة المركزية وأربيل بشأن تقاسم العائدات والمناطق المتنازع عليها والتعاون الأمني. وفيما يتعلق بالمسألة الأخيرة، قد يؤدّي استمرار الوجود العسكري للولايات المتحدة والتحالف في العراق و«إقليم كردستان» إلى طمأنة الأكراد بأنّ لدى واشنطن مصلحة قوية في منع اندلاع أي نزاع في المستقبل بينهم وبين بغداد.
اضف تعليقا