العدسة – معتز أشرف:
عقبات عدة قد تهدد اتفاق باريس الموقع في 29 مايو الماضي لاجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة بنهاية العام ، قد لا تجدى معها محاولات وزير الخارجية الفرنسي ووزير دفاعها السابق جان إيف لودريان التي بدأت الأسبوع الماضي.
“العدسة” يرصد أبرز العقبات ويستشرف المستقبل القريب في ظل الحسابات الإماراتية المعقدة في الداخل والخارج لولى عهد أبو ظبي محمد بن زايد والتي تتجه إلى عرقلة إجراء الانتخابات في ليبيا وفق ما رصدنا.
الدوافع الفرنسية !
تسعى فرنسا إلى بسط نفوذها، خاصة في الجنوب الليبي، حيث الاحتياطيات الضخمة للنفط والغاز والمعادن، ومنها اليورانيوم، حيث تعتبره مجالا استراتيجيا هاما لها لتجاوره مع النيجر وتشاد، وقربه من مالي، كونها تتواجد سياسيا وعسكريا بقوة في هذه الدول الثلاث كمستعمرات فرنسية سابقة.
وتراهن فرنسا بحسب تقدير موقف صادر عن مركز الامارات للدراسات والاعلام “ايماسك ” على وصول حفتر إلى الحكم في ليبيا، سواء عسكريا أو من خلال انتخابات رئاسية، وتقدم دعما عسكريا وأمنيا كبيرا لحفتر في شكل طائرات رصد وخبراء عسكريين متواجدين مع قواته، وكذلك الدعم السياسي من خلال استضافته في مؤتمرات دولية في باريس، وإضفاء شرعية سياسية دولية عليه.
ويعتبر جان إيف لودريان وزير خارجية فرنسا الحالي ووزير دفاعها السابق، بحسب تقدير الموقف ، هو عرّاب سياسة دعم حفتر في ليبيا، واستطاع إقناع الرئيس الفرنسي الجديد ماكرون بتبني هذه السياسة، ومن هنا نفهم حماس لودريان في جولته التي بدأت الاثنين في ليبيا لاقناع الفرقاء بتفعيل اتفاق 29 مايو بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية إلا أن المراقبون يتحدثون طبقا للإعلام الفرنسي نفسه بأن التسرع في تنظيم انتخابات سيؤدي إلى العنف وربما اندلاع حرب أهلية.
لودريان يرى أملا في نهاية النفق المظلم ، ويعتبر أن “هذا ما يطمح إليه المواطنون الليبيون الذين أقبلوا بكثافة على التسجيل في اللوائح الانتخابية” لكن بحسب خبراء نقلت عنهم “فرانس 24 ” فقد حدث تراجع تدريجي إزاء الطموح المعلن في29 مايو في باريس ، حيث للدول المؤثرة في المشهد الليبي والراعية لقوى ميدانية مختلفة، أجنداتها الخاصة، كما أن الجدول الذي تشير إليه فرنسا مفرط في الطموح نظرا إلى الخصومات الميدانية.
ويرى السيناتور الفرنسي سيدريك بيرين وهو من واضعي تقرير أولي عن ليبيا، أن “تنظيم انتخابات مع نهاية العام، يبدو أمرا بالغ التعقيد، مع أن هذا هو الاتجاه الواجب سلوكه”.
أبرز العقبات !
وفق تقدير موقف حديث فإن “هدف إجراء انتخابات ليبية في ديسمبر يواجه عقبات سياسية وقانونية وأمنية” حيث يواجه التزام الأطراف الرئيسية في ليبيا بإجراء انتخابات في ديسمبر عقبات عدة، منها غياب إطار قانوني للاقتراع وتصاعد الصراع الذي قد يشوه نتيجة أي انتخابات بيد أن البلاد منقسمة بدرجة يتعذر معها التعامل مع انتخابات عامة، كما أن الأمن تحد آخر، فقد استهدف مهاجمون انتحاريون مقر مفوضية الانتخابات في طرابلس في مايو فقتلوا ما لا يقل عن 12 شخصا.
ولا يوجد في ليبيا قوات أمن وطنية للإشراف على الانتخابات أو مؤسسات وطنية فاعلة يمكنها البت في الطعون القضائية، ولا توافق بشأن كيفية توحيد قوات الأمن وغيرها من الأجهزة المنقسمة، بما في ذلك البنك المركزي، وهو هدف آخر ورد في بيان باريس، وطبقا لطارق المجريسي، وهو خبير بالمعهد الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإنه ”من السهل للغاية حمل الليبيين على الموافقة على شيء لكن الخلافات تبدأ عادة عندما يتعلق الأمر ببحث التفاصيل“.
المرصد السياسي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني المقرب من دوائر صنع القرار في البيت الأبيض ، يرى كذلك في تقدير موقف حديث أن الانتخابات الليبية معضلة كبيرة ، فالانتخابات التي أجريت في البلاد منذ ثورة ٢٠١١، لم تضمن توجّه البلاد نحو الاستقرار بل على العكس من ذلك، نسب الكثير من المراقبين الاستقطاب الوطني الحالي إلى توقيت الانتخابات وتسلسلها وتصميمها الاشكالي في مرحلة ما بعد عام ٢٠١١، موضحا أنه على الرغم من أن “المفوضية الوطنية العليا” للانتخابات رفعت تسجيل الناخبين من ١.٥ إلى ٢.٥ مليون ناخب بحلول مارس ٢٠١٨، وهو عدد يقرب من الرقم المسّجل في عام ٢٠١٢، إلا أن هناك عقبات كبيرة أمام إجراء الانتخابات هذا العام، من بينها المسائل المتعلقة بالتسلسل، وإقرار قانون انتخابي، والأمن.
ويرى بعض المتابعين للشأن الليبي أن قادة ليبيا الانتقاليون -وبعضهم من المرشحين للرئاسة- متورطون في اقتصاد الحرب في البلاد ويستفيدون منه، وكذا الحال بالنسبة لعدد من الفصائل المسلحة التي قد ترى الانتخابات بمثابة تهديد لمصالحها، وقد تعطّل العملية قبل أن تبدأ، فضلا عن توابع الأزمة التي لا تتعلق فقط بمن يفوز بها، أو من ستكون مليشياته شرعية ومن لا تكون؟ بل الأهم هو بحسب موقع “كونفرسيشن” المتخصص هل سيمتلك الفائزون بالانتخابات سلطة سياسية كافية لإخضاع قوات الأمن الليبية الجديدة للحكم المدني وتوفير بدائل واقعية لاقتصاد الحرب الذي يدر ربحا كبيرا؟
منظمة هيومان رايتس ووتش هى الأخرى ، دخلت على خط دعم تأجيل الانتخابات، مؤكدة في تقرير بعنوان ” ليبيا: لا انتخابات حرة في ظل المناخ الحالي” أنه على الأمم المتحدة أن تُصر على العدالة وسيادة القانون كشروط مُسبقة.
المؤامرة الإماراتية !
مركز الإمارات للدراسات والإعلام “ايماسك ” أشار في تقدير موقف في 17 يوليو الجاري تحت عنوان ” دوافع التدخل العربي والدولي في ليبيا” إلى أن الإمارات لن تسمح إلا بمخططها في ليبيا ولن تمهد لإجراء انتخابات إلا في حالة الاطمئنان على فرض أجندتها على الفائزين وبغير ذلك ستستمر الأمور كما هي مشتعلة لحين إشعار آخر.
المركز أرجع ذلك إلى أن الامارات تضع هدف محاربة تيار الإسلام السياسي في ليبيا، وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين ولن تسمح بوصولهم عبر الصناديق الي الحكم كما حدث في مصر ، كما تنظر إلى ليبيا كذلك على أنها تمثل إمكانية بروزها كأكبر مشروع منافس اقتصادي لها على المدى المتوسط والبعيد ، حيث أنها تملك موقعا جغرافيا استراتيجيا على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، وعلى مرمى حجر من أوروبا، وتملك ثروات طبيعية هائلة ومناخا معتدلا، وبالتالي فإن استقرار ليبيا بكل مميزاتها الجغرافية والمناخية والبشرية والسياحية؛ سيجعلها غالبا الوجهة المفضلة والمركز التجاري والمالي الجديد للاستثمار وإدارة المشاريع، وتجارة العبور في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأضاف التقدير أن ما تخشاه الإمارات هو أن ليبيا المستقرة الناجحة ستسحب البساط من تحت نموذجها الاقتصادي، ولذلك فهي تسعى إما إلى السيطرة السياسية على ليبيا من خلال دعم حفتر أو غيره من الذين لديهم استعداد لخدمة الأجندة الإماراتية، أو منعها من الاستقرار والنهوض، وذلك من خلال تغذية الصراع واستمراره فيها.
موقف الامارات الحالي قد يقرأ من سياق التصريحات التي بدأت تنطلق في 5 يوليو الجاري عن محمود جبريل قائد تحالف القوى الوطنية الذي يعد من أبرز رجالات الإمارات في ليبيا بأن هناك تزويرا واسع النطاق يتعلق بالرقم الوطني في البلاد مشيرا إلى أن ذلك ربما يعرض للخطر نزاهة الانتخابات التي قد تجرى أواخر العام الحالي .
جبريل دعا إلى تحقيق شامل في المخالفات التي ربما أدت أيضا لمئات الآلاف من المطالبات الزائفة بمخصصات الرعاية الاجتماعية، وهو الأمر الذي وصفه البعض بقنبلة الدخان التى تجهض أي محاولا للإسراع بالانتخابات في ظل التشكيك المبكر في الناخبين، وهو ما حذر منه جبريل بنفسه عبر قوله :” إن التزوير في الرقم الوطني سيمنح أي حزب خاسر ذريعة للتشكيك في النتائج”، مضيفا أن الانقسامات في بلاده ما زالت قوية لدرجة لا تسمح بإجراء انتخابات، وهو ما يعني وفق مراقبين أن الامارات لا تقبل باجراء الانتخابات .
بدوره اتهم رئيس حزب “العدالة والبناء”، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، محمد صوان، ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد والجنرال خليفة حفتر بالسعي إلى استمرار الانقسام وإفشال أي محاولة لتجاوز الأزمة الليبية.
واتهم صوان بن زايد وحفتر خلال لقاء جمعه بالمبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، في مقر البعثة بالعاصمة طرابلس، في 18 يوليو الجاري بأنهما مسئولان عن استمرار الانقسام وإفشال أي محاولة لتجاوز الأزمة؛ لإفساح المجال لمشروع عسكرة الدولة كخيار وحيد، مؤكدا أهمية ممارسة الضغط الكافي عليهما أمميا.
اضف تعليقا