العدسة – معتز أشرف
كان كثيرًا ما يطالب بالعدالة الناجزة، فلاحقه قضاء الديكتاتور عبدالفتاح السيسي بانتقام جاهز ورط فيه الثكنات العسكرية، وحَضَر في المشهد السياسي حكم سياسي بحبس المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات سابقًا، 5 سنوات بعد انطلاق ماراثون محاكمته الدرامية بثمانية أيام فقط، في “انتقام جاهز” بحسب وصف البعض.
سلق بيض
في “سلق بيض” وفق لغة المصريين عند إنجاز أمر دون استيفاء حقه، قضت محكمة الجنح العسكرية بحبس المستشار هشام جنينة، لمدة 5 سنوات، في اتهامه بنشر أخبار كاذبة تسيء إلى المؤسسة العسكرية، بعد بدء جلسات المحاكمة بثمانية أيام فقط، حيث بدأت جلسة المحاكمة في 16 أبريل الجاري، وحجزت المحكمة العسكرية، للنطق بالحكم الذي ينتظر أن يكون له استئناف، بحسب محامي “جنينة”.
المحكمة في جلسة واحدة استمعت لمرافعة النيابة، التي طالبت بتوقيع أقصى عقوبة على المتهم، فيما دفع فريق الدفاع عن «جنينة» بـ”عدم اختصاص المحكمة العسكرية بنظر القضية”، ودفع هيئة الدفاع عن «جنينة» بـ«عدم اختصاص القضاء العسكري ولائيًّا بنظر الدعوى، وبطلان تحقيقات النيابة العسكرية، وقرار الحبس الاحتياطي، فضلًا عن انعدام الركن المادي والمعنوي للمادة ٨٠ د عقوبات، وعدم توافر أركانها في حق المتهم».
وفي 12 أبريل الجاري، قررت النيابة العسكرية في مصر إحالة المستشار “جنينة”، إلى المحاكمة العسكرية، بتهم إذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام، وإلقاء الرعب بين الناس، وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة في سياق الاتهامات المكررة التي وُجّهت للآلاف من المصريين الذين يقفون أمام المحاكم العسكرية بعد أزمة يوليو 2013، التي أطاح فيها الجنرال عبدالفتاح السيسي برئيسه الدكتور محمد مرسي، ليصل للحكم بعدها وسدة القرار، ويلاحق أنصار مرسي ورافضي إجراءاته، وبرغم إحالة العديد من قيادات المستوى الأول في جماعة الإخوان المسلمين للمحاكم العسكرية في العديد من القضايا، إلا أن إحالة “جنينة” اعتبرها كثيرون تصعيدًا جديدًا، حيث قالت منظمة العفو الدولية: “إنَّ استمرار الاحتجاز التعسفي وإحالة المستشار هشام جنينة إلى محكمة عسكرية، يمثلان إهدارًا تامًّا لحقه في حرية التعبير والمحاكمة العادلة”.
غضب واستنكار!
علي طه، أحد محامي المستشار هشام جنينة، قال في تدوينة عقب إصدار الحكم على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “حبس الضمير خمس سنوات، وعلى الجميع التزام الصمت والسكوت، ملعون يا داء البكم، ملعون يا طول البال، “جنينة” خلف القضبان يدفع فاتورة الصمت، لكن هذا حال كل من يأخذ طريق الحق والنضال، ولكل ليل فجر لا محالة، وسيعيش “جنينة” أضعاف أضعاف عمر السجان، علمنا التاريخ أن هذا حال الرجااااال في كل زمان”، فيما سادت لغة الغضب على التعليقات على التدوينة، تضامنًا مع المستشار “جنينة”، وعلق الكاتب الصحفي المعارض أحمد النقر على التدوينة بقوله: “جنينة حر، وهم العبيد”.
وأضاف الحقوقي نجاد البرعي على حسابه على موقع “تويتر”: “كان من المفهوم أن الرجل مستهدف، تم وضع قانون تعيين رؤساء الأجهزة الرقابية ثم عزله بعد ذلك قبل انتهاء مدته بأشهر؛ ثم تم القبض عليه، وحكم عليه بالحبس مع الإيقاف لأنه قال إن الفساد في مصر بلغ ٧ مليارات جنيه، مع أن الأرقام الحكوميه بعد ذلك أكدت أن الرقم أكبر من ذلك بكثير #هشام_جنينة”.
واستنكر الناشط الحقوقي والإعلامي هيثم أبو خليل الحكم، قائلا: “في جمهوريات الموز العسكرية، يتم حبس رمز من رموز قضاة الاستقلال، والرئيس السابق لأكبر جهاز رقابي، خمسة سنوات، بتهمة الإساءة للدولة!، بينما هناك قاتل منقلب، ارتكب عشرات المجازر، وفرط في أرض وغاز ومياه، يتم وضعه بالدبابة في سدة الحكم! #هشام_جنينة”.
ووصف الناشط أحمد البقري، الحكم بأنه صورة من صورة دولة البلطجة، قائلا: “المستشار #هشام_جنينة الذي تعرض لمحاولة اغتيال بعد انضمامه لفريق #سامي_عنان الرئاسي.. قضاء #السيسي العسكري حكم عليه اليوم بالسجن 5 سنوات بتهمة نشر “أخبار كاذبة”، “#دولة_البلطجة في أقبح صورها”، فيما قال رجل الأعمال أشرف السعد في تغريدة على “تويتر”: “المفروض القاعدين يلطموا على النت عشان #هشام_جنينة المفروض ينزلوا الشارع، وإما يجيبوا حقهم أو يتسجنوا زيهم”.
سلاح السيسي!
وخضع قانون القضاء العسكري للتعديلات 15 مرة، طبقًا لتقرير حقوقي حديث، وكانت بعض تلك التعديلات في 2007، وخضع للتعديل في 2010، ومرتين في 2011، ومرة في 2012، وآخر مرة في 2014، وفي عهد حسني مبارك، الرئيس الذي حكم لعهد طويل وعُزل في 2011، سمح له قانون الطوارئ بإحالة المدنيين للقضاء العسكري مباشرة، بين 1992 و1998، حاكمت المحاكم العسكرية أكثر من 1000 مدني في محاكمات جماعية، أغلبهم زُعم أنهم أعضاء في “الجهاد”، أو “الجماعة الإسلامية”، فضلًا عن قيادات جماعة الإخوان المسلمين البارزة، وفي 27 أكتوبر 2014، لجأ الجنرال المصري عبدالفتاح السيسي إليه بمرسوم في غياب البرلمان.
وبحسب إحصائيات حديثة بين 28 يناير و29 أغسطس 2011، واجه 11879 مدنيًّا محاكمات عسكرية، وأدين 8071 مدنيًّا على الأقل، بحسب تقديرات “المجلس الأعلى للقوات المسلحة” الذي حكم مصر أثناء أغلب تلك الفترة، ففي 5 سبتمبر 2011 بمؤتمر صحفي قال اللواء عادل المرسي، رئيس هيئة القضاء العسكري: إن في الفترة من 28 يناير وحتى 29 أغسطس من نفس العام، حاكمت المحاكم العسكرية 11879 مدنيًّا، أدانت 8071 شخصًا، بينهم 1836 أنزلت بهم أحكامًا مع إيقاف التنفيذ، وأثناء عهد د. محمد مرسي، الذي دام عامًا، بدءًا من يونيو 2012، توقفت المحاكمات العسكرية للمدنيين بشكل شبه كامل، وبحلول عام 2015 رصدت مجموعة «لا للمحاكمات العسكرية»، ارتفاعًا في أعداد المحاكمين عسكريًّا ليصل إلى 3 آلاف حالة، منهم 300 من الطلاب بينهم 22 فتاة في 5 شهور فقط، أما التنسيقية المصرية للحقوق والحريات في تقريرها السنوي عن سنة 2016، فرصدت 10.069 مواطنًا مدنيًّا تمت إحالتهم للمحاكمة العسكرية، بينهم 30 فتاة، و97 طفلًا أقل من 18 عامًا، وخلال 2016 فقط رصد تقرير «الحصار» الصادر عن التنسيقية أحكامًا عسكرية ضد 673 مسجونًا في 161 قضية، صدرت أحكام في 60 منها بالإعدام، والباقي أحكام بالسجن 3 سنوات إلى المؤبد، كما شهدت الفترة التي تلت 30 يونيو ظهور أحكام الإعدام في القضايا العسكرية منذ ثورة 25 يناير 2011، ومن أبرز المحالين للمحاكمات العسكرية مؤخرًا، غير قيادات الإخوان، الكاتب الصحفي المحسوب على جماعات اليسار في مصر إسماعيل الإسكندراني، وبحسب منظمة “هيومان رايتس ووتش” في تقريرها عن المحاكمات العسكرية في 2016، فإن 420 مدنيًّا مصريًّا على الأقل قد حوكموا في محاكم عسكرية منذ أكتوبر 2014، حين أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي قانونًا مؤثرًا وسّع اختصاص المحاكم العسكرية، كما استعانت إدارة السيسي بنظام القضاء العسكري لتسريع قمع الخصوم السياسيين، وحُكم على معظم المدعى عليهم بعد محاكمات جماعية خرقت حقوقًا أساسية في إجراءات التقاضي السليمة، كما اعتمدت بعض المحاكم على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب، حسب قول أقاربهم، كما أحيل آلاف المدنيين بأثر رجعي إلى محاكمات عسكرية على جرائم يُزعم ارتكابها قبل أن يفرض السيسي القانون.
وفي دراسة تحليلية لخمسين قضية عسكرية صدرت فيها أحكام باتّة أكدت منظمة “كوميتي فور جستس” في تقريرها في أبريل 2017، أن السلطات المتعاقبة عملت على تقنين المحاكمات العسكرية للمدنيين في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، وتحويلها لجزء أصيل من منظومة العدالة، وذلك بدلًا من كونها استثناءً عليها قبل الثورة، ورغم المطالبات آنذاك بإلغائها، وهو الضغط الذي استمر بأشكال مختلفة من منظمات المجتمع المدني والحقوقيين والنشطاء بأساليب متنوعة لوقف محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية.
اضف تعليقا