العدسة – منصور عطية

بينما تسعى دول خليجية مثل السعودية مهرولة إلى التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي في السر وتنفي رسميًّا أية تحركات علنية، أصبح التطبيع البحريني في وضح النهار، وأمام عدسات الكاميرات، وحتى عبر زيارات متبادلة لوفود من الجانبين.

ولم تكن الزيارة الأخيرة إلا حلقة في مسلسل طويل من التطبيع، سبقت فيه البحرين العديد من الدول العربية في الخليج وخارجه.

 

استفزاز المسلمين

الأمر وصل إلى مرحلة من “البجاحة” منقطعة النظير؛ فبينما يسود الغضب أنحاء العالم الإسلامي بسبب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة موحدة للاحتلال الإسرائيلي، ينظم وفد بحريني زيارة إلى الأراضي المحتلة.

وقالت القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي، السبت 9 ديسمبر الجاري: إن وفدًا بحرينيًّا يضم 24 شخصا من جمعية “هذه هي البحرين” يزور إسرائيل وبشكل علني للمرة الأولى.

وبحسب تقرير أعدته القناة، فإن الزيارة التي تستمر أربعة أيام “ليست سياسية” وإنما “تحقيقًا لرسالة ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، حول التسامح والتعايش والحوار بين الديانات المختلفة”.

وإمعانًا في مزيد من الاستفزاز والتحدي لمشاعر الفلسطينيين والعرب والمسلمين، تجول أعضاء الوفد السبت في البلدة القديمة في القدس المحتلة، برفقة مراسل القناة الذي أجرى مقابلات مع عدد من أعضاء الوفد.

زيارة الوفد “البحريني” لإسرائيل

 

وكانت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية نقلت في سبتمبر الماضي، أن ملك البحرين شجب المقاطعة العربية لإسرائيل، في حديث نقله عنه الحاخام “أفرهام كوبر” رئيس مركز “شمعون روزنتال” في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية.

وقال الحاخام كوبر إن ملك البحرين أبلغه أن لمواطني بلاده الحرية في زيارة إسرائيل، رغم أن الدولتين لا تربطهما علاقات دبلوماسية.

كما قالت صحيفة “تايمز” البريطانية، إن دولا خليجية اتخذت الخطوات الأولى تجاه الاعتراف بإسرائيل، وذلك بدعوة أطلقها ملك البحرين لإنهاء المقاطعة العربية لإسرائيل.

وأوضحت أن أول ظهور لرفض ملك البحرين المقاطعة العربية لإسرائيل، كان خلال اجتماع بالعاصمة المنامة مع حاخامين أمريكيين من مركز “سايمون ويسنثال” في فبراير الماضي.

 

تاريخ من التطبيع

مسار التطبيع البحريني مع إسرائيل لم يكن وليد اللحظة، فخلال الـ 22 عاما الماضية، عُقدت العديد من اللقاءات بين مسؤولين بحرينيين وإسرائيليين، بالإضافة إلى تصريحات ومواقف من المنامة تبين مدى توجهاتها نحو التطبيع مع الاحتلال.

بداية العلاقة بين الجانبين ترجع إلى أكتوبر1994، عندما زار وفد دبلوماسي إسرائيلي كبير برئاسة وزير البيئة “يوسي ساريد” العاصمة البحرينية المنامة، للمشاركة في المؤتمر العلمي حول القضايا البيئية، حيث عُدت الزيارة جزءا من عملية التسوية بين الإسرائيليين والعرب.

والتقى الوفد بوزير خارجية البحرين في ذلك الوقت محمد بن مبارك آل خليفة، ووزير الصحة جواد العريض، وبعد عودته، أكد “ساريد” أن الهدف من زيارته ليس المشاركة في المؤتمر العلمي فحسب، بل تخطاه إلى أكثر من ذلك، حيث إنهم سعوا إلى فتح خط اتصال مباشر بين الجانبين الإسرائيلي والبحريني.

وفي يناير 2000، التقى ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة في دافوس بالرئيس الإسرائيلي الأسبق “شمعون بيريز”، حيث بحثا كيفية تعزيز التعاون بين الطرفين، خاصة في مجال التربية والتعليم.

وكشفت تقارير مختلفة حينها، عن أن ولي عهد البحرين أكد خلال اللقاء، أن بلاده تقف بقوة خلف تطبيع العلاقات مع إسرائيل، من أجل تعزيز التعاون الإقليمي، مشيرًا إلى أن هذا الاجتماع جزء من اجتماعات مختلفة عقدت بين الجانبين.

وفي سبتمبر 2005، أعلنت البحرين قرارها برفع الحظر عن البضائع الإسرائيلية وإغلاق مكتب المقاطعة الإسرائيلية في المملكة.

وفي أكتوبر 2007، التقى وزير الخارجية البحريني وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة “تسيبي ليفني”، حيث بحث معها سبل تطوير العلاقات بين الجانبين.

وفي 18 ديسمبر 2008، أي قبل حرب “الرصاص المصبوب” ضد قطاع غزة بعشرة أيام، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، أن “بيريز” و”ليفني” التقيا ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة سرًّا في نيويورك، على هامش “مؤتمر حوار الأديان” الذي عقد في الأمم المتحدة.

هذا اللقاء يعد الأول بهذا المستوى الرفيع بين مسؤولين إسرائيليين وبحرينيين، وخلال اللقاء دعا وزير خارجية البحرين إلى إنشاء منظمة إقليمية تضم إسرائيل.

أما في يوليو 2009، فقد كشف المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية سابقًا “يجال بالمور” أن وفدًا دبلوماسيًّا بحرينيًّا مكونًا من 3 مسؤولين من وزارتي الخارجية والداخلية، وصل إلى الأراضي المحتلة.

وفي 17 يوليو 2009 نشرت صحيفة “الواشنطن بوست” مقالًا لولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة، قال فيه: “الواقع يثبت أن السلام يتطلب قدرا كبيرا من الدعاية المتأنية، والاتصال المتكرر بجميع الأطراف المعنية”، مضيفا: “هذا هو المجال الذي لم نقم فيه نحن كعرب بما يكفي للاتصال المباشر مع شعب إسرائيل”.

البعد الأمني كان حاضرًا في مسيرة التطبيع تلك، ففي فبراير 2014، كشف تقرير صادر عن جيش الاحتلال، عن وجود تعاون استخباراتي وثيق بين جهاز الموساد الإسرائيلي والسلطات البحرينية، وأن المنامة زودت إسرائيل بمعلومات استخباراتية عن إيران وفصائل المقاومة الفلسطينية.

وفي 24 سبتمبر 2016، التقى وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، أعضاء اللجنة الأمريكية اليهودية، على هامش اجتماعات الدورة الـ 71 للجمعية العامة للأمم المتحدة.

كما تعززت العلاقات بين الجانبين البحريني والإسرائيلي في المجال الفني، ففي أبريل 2014، شاركت مجموعة من الفنانين البحرينيين في معرض فني إسرائيلي أقيم في المركز اليهودي العربي.

أما في 27 ديسمبر 2016، فقد تداولت مواقع إخبارية إسرائيلية، مقطعًا مصورًا، يظهر فيه بحرينيون وهم يرقصون إلى جانب حاخامات صهاينة من حركة “أجاد”، على إيقاع أغنية قيل إنها تمس بشكل مباشر المسجد الأقصى، وعروبة القدس المحتلة وإسلاميتها.

ومؤخرا، أعلنت البحرين عن إطلاق مبادرة للحوار بين الأديان بالتعاون مع مركز “سيمون وايزنتال” اليهودي، الضالع في الدفاع عن الاحتلال وإعادة بناء وعي عالمي نحو اليهود.

ويعتبر المركز الذي يملك مكاتب له بالقدس المحتلة، من أبرز المعارضين لإجراءات الحكومات والمنظمات الدولية ضد إسرائيل، بالإضافة إلى أنه يهاجم الشخصيات الأجنبية المدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني، ويعمل أيضا على محاربة حركة المقاطعة للكيان الإسرائيلي “BDS”.

وفي سبتمبر 2016، أثار وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة ردود فعل مستهجنة، بعدما كتب تغريدة عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، معزيًا فيها بوفاة رئيس الاحتلال السابق وصاحب المجازر بحق الفلسطينيين والعرب شيمون بيريز، حيث قال: “ارقد بسلام أيها الرئيس شمعون بيريز، رجل حرب ورجل سلام، لا يزال صعب المنال في الشرق الأوسط”.

 

هذه هي البحرين

عودة إلى الزيارة المثيرة للجدل مؤخرًا، والتي ضمت أعضاء في جمعية “هذه هي البحرين”، وهي جمعية بحرينية تحظى برعاية رسمية، تأسست منتصف 2017، وأعلن إطلاق الجمعية في حفل رسمي بفندق “فور سيزونز” برعاية ملك البحرين، وبحضور مسؤولين حكوميين بارزين، في مقدمتهم وزير العمل والتنمية الاجتماعية، جميل بن محمد علي حميدان.

نظمت الجمعية العديد من الأنشطة والفعاليات الهادفة -حسب قولها- إلى “تعزيز ثقافة السلام” والحوار بين الأديان والمذاهب والطوائف المختلفة.

ففي سبتمبر الماضي، أقامت معرضا لإطلاق “إعلان مملكة البحرين” و”مركز الملك حمد العالمي للحوار بين الأديان والتعايش السلمي”، وتضمنت الفعالية معرضا يبرز مساهمات المجتمعات الإسلامية والمسيحية واليهودية والبوذية والسيخ والهندوسية، التي توضح مستوى الحرية الدينية في البحرين.

ومن بين الأنشطة اللافتة التي نظمتها الجمعية، وأثارت سخطا واسعا بين الشعوب العربية والإسلامية، زيارة وفد منها يضم 24 فردا إلى إسرائيل، وتجوله في القدس القديمة وبشكل علني للمرة الأولى.