العدسة – معتز أشرف

دخوله المثير كخروجه المفاجئ، لم يغير شيئًا في بورصة توقعات بديله؛ فهي بورصة مستعرة ومتوهجة وباتت أمرًا واقعًا.. إنه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن الذي تعاني صحته كثيرًا كلما سمع تحركات البدلاء كما تعاني صحة الوطن!.

نرصد بورصة البدلاء ومؤشرات المستقبل في الوقت الذي تتصاعد فيه الخلافات بين الفصائل والحركات بسبب انفراد حركة فتح بالسلطة، وهو ما يلقي بظلاله على مستقبل المصالحة الفلسطينية والقرار الفلسطيني المرتقب الذي ينتظر مواجهته لصفقة القرن  في ظلّ اشتعال الواقع الميداني بمسيرات العودة الكبرى.

أمر واقع

بات البحث عن بديل أمرًا واقعًا، بحسب مراقبين، فالرجل (82 عامًا) خرج من المستشفى في اليوم الثامن  بعد أن قال مكتب عباس في رسالة نصية للصحفيين: إن موعد خروجه تأجل، في ارتباك واضح، ورغم ذلك فالرجل متمسك بالسلطة حتى آخر رمق، ووفق مسؤول فلسطيني طلب عدم نشر اسمه من وكالة روتيرز فإنَّ عباس يلتقي بمسؤولين دوليين وفلسطينيين وهو على فراشه!، كما أنه بعد خروجه أكد استمراره حتى رجوع القدس عاصمة لفلسطين، قائلًا في كلمة مقتضبة أمام الصحفيين في باحة المستشفى: “إن شاء الله صحة الوطن بخير وإن شاء الله نصل لمبتغانا الدولة المستقلة وعاصمتها القدس”.

الكاتب الإسرائيلي، مردخاي كيدر، لفت في مقال له مؤخرًا إلى أن الحديث عن خليفة عباس من الآن ليس أمرًا متأخرًا، وأن ثمة صراعًا بدأ بالفعل على خليفته في الضفة الغربية، خاصة مع عدم بروز اسم واضح، يصبح التوافق عليه من الجميع أمرًا مفروغًا منه، وتوقع الكاتب عدم اتفاق الفصائل الفلسطينية والمنظمات على خليفة للرئيس الحالي، ما ينذر بصراع قد يعصف بالسلطة الفلسطينية عن بكرة أبيها.

تقارير متواترة نقلت في نفس السياق أن البيت الأبيض يتحدث عن ضرورة وجود قيادة جديدة للمرحلة المقبلة في ظل تواتر العلاقات بين أبو مازن وترامب؛ حيث اتهم البيت الأبيض السلطة الفلسطينية بتفويت فرصة لمناقشة السلام في منطقة الشرق الأوسط..

وفي الكيان الصهيوني خرج الأمر للعلن؛ حيث قال وزير التعليم الإسرائيلي وزعيم حزب “البيت اليهودي” نفتالي بنيت مؤخرًا في ثاني تصريح من نوعه لوزير اسرائيلي في فترة متقاربة: “إن حكم رئيس السلطة محمود عباس يلفظ أنفاسه الأخيرة وأصبح غير ذي صلة”، وذلك بعد تصريح  وزيرة  المساواة الاجتماعية جيلا جمليئل: “حان الوقت لنقول إن حقبة أبو مازن قد انتهت وأنها أصبحت شيئًا من التاريخ”، أما داخليًا، تفيد المعلومات عن أن حركة حماس دخلت على خط تحديد خليفة أبو مازن، وطرحت الأمر بشكل غير رسمي خلال لقاء ناقش ملف المصالحة.

خلافات البديل

الخلافات حاضرة بطبيعة الحال، فلا يوجد لعباس نائب رسمي، لكن نظريًا يتولى رئيس البرلمان صلاحيات رئيس البلاد مؤقتًا إذا توفي الرئيس أثناء وجوده في السلطة إلا أن رئاسة البرلمان حاليًا يشغلها ممثل لحماس الدكتور عزيز الدويك، ومن المرجح أن ترفض حركة فتح التي يتزعمها عباس قبول الشرعية الدستورية لتولي ممثل حماس السلطة، في الوقت الذي تبحث فيه حماس أن تشارك في تقرير هوية الرئيس المقبل، لا سيما أن القضية الفلسطينية دخلت في مرحلة حرجة في ظل صفقة ترامب التي لا تعتبر صفقة ستنتج عن عملية سياسية تفاوضية، فلا يمكن إيجاد قيادة فلسطينية لها وزن وتمثل الفلسطينيين يمكن أن توافق على هذه الصفقة، وإنما هي صفقة سيتم محاولة فرضها وتهدف إلى تمرير الحل الإسرائيلي بالقوة.

بؤرة الخلاف الأخيرة في المجلس الوطني الفلسطيني كانت مرتبطة بالسلطة وتحديد صاحب القرار مع اقتراب صفقة القرن، وبحسب مراقبين فإنّ الرئيس محمود عباس وقيادة فتح استبقوا الحديث عن البديل بالتأكيد علي أنهم لن يخالفوا تجربتهم في الانفراد بالسلطة والقرار التي بدأت واستمرت منذ تجاوز اتفاقات المصالحة في 2005 و2011، وما تلا ذلك من تفاهمات بالدوحة 2012، والشاطئ 2014، وبيروت مطلع 2017، والقاهرة في أكتوبر 2017، والاستثناء الوحيد الذي أكدت فيه قيادة فتح “ديمقراطيتها” هو انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني 2006 التي فازت فيها حماس، واستفادت بعدها قيادة فتح من هذه التجربة؛ بعد أن قامت بتعطيل المجلس التشريعي وإفشال الحكومة التي شكلتها حماس، وبجمع الصلاحيات في يد رئاسة السلطة، وحتى الانتخابات البلدية المحلية التي تقرر إجراؤها في سبتمبر 2016 تدخلت قيادة فتح (عبر بعض أتباعها) لإيقافها، بعد أن ظهرت توقعات قوية بفوز حماس بكثير من البلديات الرئيسية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولم يتم إجراء هذه الانتخابات إلا في السنة التالية بعد التأكد من انسحاب حماس منها، ليبقى الخلاف في الخوف من تصدر خط المقاومة لسدة القرار وهو ما سيتطلب إعادة النظر في اتفاقيات أوسلو ومسار التسوية، وسيعيد الاعتبار لخط المقاومة، ويجعل الحديث عن البديل المحتمل حديثًا مشوبًا بالقلق.

بورصة الأسماء

صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية  كشفت في وقت سابق أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لوّح للرئيس محمود عباس في السابق باستبداله بالمفصول من حركة فتح “محمد دحلان”، فيما كشفت تقارير عربية في نفس الوقت نقلًا عن مصادر فلسطينية رفيعة المستوى في السلطة الفلسطينية أن بعض الشخصيات المصرية المرموقة، والتي تربطها علاقات قوية بعباس، أبلغته بأن هناك حركة نشطة خلف ظهره تقودها بعض الدول العربية للاتفاق على خليفته والاستغناء عنه، بقيادة النائب محمد دحلان، ولكن تقارير حديثة تتحدث عن تراجع هذا الخيار حاليًا لاعتبارات كثيرة منها خروج دحلان من حركة فتح إلا أنه يبقي موجودًا.

كما تحدثت الدوائر السياسية أن هناك العديد من الأسماء المطروحة على طاولة النقاش العربي والأمريكي والإسرائيلي لتكون بديلاً عن عباس؛ وأن الاسمين اللذين يحظيان بشبه إجماع هما رئيس الوزراء السابق سلام فياض، ورئيس جهاز المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج، خاصة أن الإعلام العبري والأمريكي منذ شهور يحاولان “تلميع” صورة اللواء فرج، كما أن هناك أسماء كذلك يتم تدوالها منذ فترة بالتزامن في الإعلام منهم محمود العالول (67 عامًا)، نائب رئيس حركة فتح، وقد قام المجلس الثوري في حركة فتح في مارس بتغيير الدستور الداخلي للسماح لنائب رئيس الحركة بتولي مهام أبو مازن إذا أصبح الرئيس غير قادر على الحكم، وهو ما قد يشير إلى نية مسبقة بتحضيره للخلافة بحسب البعض، وهناك ناصر القدوة (64 عامًا)، ابن شقيق الرئيس الراحل ياسر عرفات ووزير الخارجية السابق، والذي قدم استقالته من اللجنة المركزية لحركة فتح مؤخرًا، ومروان البرغوثي (58 عامًا) المعتقل في السجون الاسرائيلية منذ 17عامًا، والذي قد تشمله صفقة أسرى قريبًا بحسب بعض التقارير، وهناك الموجود دائمًا وأبدًا صائب عريقات (62 عامًا) والذي يتولى منصب كبير المفاوضين الفلسطينيين منذ عام 1996، فيما يتحدث البعض أن من سيخلف عباس ستكون لجنة مكونة من قيادات حركة فتح (حكم ثلاثي لفتح وللمنظمة وللسلطة).

تقدير الموقف

وفي تقدير موقف لمركز مسارات الفلسطيني لبحوث السياسات والدراسات الاستراتيجية، فإنه في ظل العدد الكبير من المشتاقين لخلافة عباس، وفي ظل عدم وجود آلية قانونية متفق عليها، يبقى المشهد مفتوحًا على احتمالات عدة، بعضها مخيف مثل الدخول في الفوضى والفلتان الأمني، وما يمكن أن يجرّانه من ويلات، فضلًا عن خوض صراع على السلطة والرئاسة يمكن أن يأخذ في طريقه السلطة وكل شيء، خصوصًا أن المتنافسين لا يتنافسون في جزيرة معزولة، فهناك أطراف داخلية وخارجية تؤثر على تحديد هوية الخليفة القادم، ففي الداخل حماس وفي الخارج إسرائيل، وعدد من الدول العربية والإقليمية والأطراف الدولية، وخاصة الولايات المتحدة.

سيناريوهان لا ثالث لهما بحسب مدير المركز هاني المصري  في حال موت أو استقالة أبو مازن (وهو أمر محتمل): “السيناريو الأول هو أن يتفق  أعضاء حركة فتح خشية من أن يفقدوا كل شيء، والسيناريو الثاني هو أن يختلفوا ويتصارعوا ويضيع كل شيء، ولكن المصري يرجّح سيناريو الاتفاق لعدة أسباب، هناك خصم داخلي قوي أمام السلطة وحركة فتح وهي حركة حماس، وهناك عدو وهو الاحتلال الإسرائيلي، ويوجد حديث عن صفقة القرن، وبالتالي إذا جاءت لحظة الحقيقة، فأعتقد أن قيادات فتح سوف يتفقون وسيقومون بتوزيع مناصب الرئيس فيما بينهم .