العدسة -ياسين وجدي:
مجرم حرب مطلوب للعدالة الدولية زار زميله مجرم الحرب الآخر في سوريا بعد غياب عنه 10 سنوات كاملة وتنديد وحرب كلامية ، استدعى في مقابل ذلك أن يعمل في مهمة ساعي بريد للعرب وفق ما يرى كثيرون لكسر العزلة عن رفيقه.
إنه الرئيس السوداني عمر البشير ، الذي تجاهل أزمات شعبه المتصاعدة ، وتجاهل نزوح وإصابة وقتل الملايين في سوريا ، وداس على كلماته الأولى المساندة للثورة السورية، وبدأ قطار التطبيع العربي مع الديكتاتور الأكثر دموية “بشار الأسد” ، في تطور خطير نرصد أسبابه ودلالاته ومآلاته في سياق هذا التقرير والذي رصد أبعاد خطيرة قد تذهب معها تضحيات الثورة السورية هباء ما لم يخبئ القدر عنايته وفق ما يرى كثيرون.
لماذا الآن؟!
الزيارة المفاجئة للرئيس السوداني لبشار الأسد في سوريا ، شكلت علامات تعجب واستفهام لدى البعض خاصة أنه أول رئيس عربي يزور دمشق منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، رغم رفض دول عربية كثيرة رأس النظام السوري منذ بداية الحراك الثوري المطالب بإسقاط النظام.
ويرى البعض أن البشير في طريقه لاتخاذ مسار تحالفي جديد ، فيما يرى البعض الآخر أنه وصل إلى سوريا محملاً برسائل عربية ربما تعيد رسم خارطة الأحداث في الشام، لكن مع الإبقاء على الأسد.
ويذهب محللون سياسيون أن الزيارة استراتيجية في إطار انخراط السودان الفاعل في المحور الذي تقوده روسيا، وهو تشكل في قمة البشير وبوتين في “سوتشي” نهايات العام الماضي ، وهو ما يعني أن الخرطوم بصدد اتخاذ موقف جديد، بعيد عن مسار الحلف العربي الذي تقوده السعودية، خاصة أنه بعدما بذلت الخرطوم كل ما بذلته ما تزال في القائمة الأمريكية للعواصم الراعية للإرهاب، ولم تجد المساندة الكافية من حلفائها في الرياض وأبوظبي، ثم جاءت الشروط الأمريكية التي يرفضها البشير بحمله على عدم الترشح في انتخابات 2020، لتؤكد أهمية البحث عن حلف آخر بالاتجاه الروسي لعله يساعدها في مواجهة الظروف الاقتصادية القاسية التي تمر بها البلاد، والاحتمالية الكبيرة لإنهاء الحرب في اليمن واقتصار الدور الخليجي مستقبلاً على العمل الإنساني دون حاجة للكتيبة السودانية.
رأى آخر جاء في متابعات لوكالات أنباء قريبة من السعودية ، يتحدث عن أن البشير ربما هدف بزيارته لبشار إلى استعادة أموال واستثمارات تمت ما قبل اندلاع الأزمة السورية، وعبر محللون عن خشيتهم من أن يقود التقارب السوداني الروسي إلى بعض الشقة مع دول الخليج النفطية، ومن الوصول إلى مرحلة التطبيع مع واشنطن.
المحسوبون على النظام السوري ، يذهبون إلى أنه أشبه بساعي البريد كذلك ، وهو يراه مستشار وزير الإعلام السوري في نظام بشار الأسد بموسكو علي الأحمد مؤكدا أن الزيارة عبارة عن رسالة يحملها الرئيس البشير لعودة الدول العربية إلى سورية ، معتبرا أن زيارة الرئيس البشير إلى سورية هي المفتاح والبداية حتى يكون هناك نوع من التواصل ، خاصة أن السودان تحمل طابعا إسلاميا ، وهو ما يعني أن الجانب الأكثر تشدداً هو الذي أرسل هذه الرسائل عبر الرئيس البشير إلى سورية، وأن المزاج الذي كان معادياً لسورية والذي كان يتعاطى باتجاه تفكيك الدولة السورية هو من أرسل هذه الرسائل.
دلالات ومآلات !
دلالات ومآلات خطيرة للزيارة ، يراها محللون وساسة منحازون للشعب السوري ، فيما يذهب الموالون لرئيس النظام السوري إنها خطوة للمزيد من الارتماء العربي على أعتاب بشار الأسد.
الكاتب بشير البكر رئيس تحرير “العربي الجديد” من المعسكر الأول حيث يرى أن الزيارة على درجة عالية من الخطورة، مؤكدا أن ما أقدم عليه البشير، على ضآلة تأثيره في القضية السورية، مرشّح لأن يشكل سابقة، ويفتح الطريق لغيره، وهذا يكفي، فهو غير مطلوب منه أن ينتشل الأسد من وضعه المزري، فهذه مهمة لها من يتكفل بها في موسكو وطهران وتل أبيب والرياض، ولكن المطلوب من البشير أن يجعل من زيارة الأسد أمر عاديا في عيون الآخرين.
ذهاب البشير إلى دمشق بحسب البكر ليس نزوة من نزواته الكثيرة، وإنما جاء ضمن سياق سياسي، ومن يقف وراءه قام بدراسته جيدا، ولم يستبعد البكر أن تكون هناك صلة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان وزيارة البشير المفاجئة إلى دمشق، مؤكدا أن التطورات في الوضع العربي باتت مرشّحة لكثير من هذا النمط من الانتكاسات والمهازل، منذ أن أصبحت الرياض وأبوظبي تقودان القاطرة السياسية.
رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، عبد الرحمن مصطفى يرى أن لا مقابل قد ينتظره البشير قريبا من الزيارة التي وصفها بأنها غير مبررة ، قائلا في تغريدة على حسابه الرسمي على موقع التغريدات القصيرة” تويتر” :” زيارة الرئيس البشير لنظام الأسد تصرف لا يمكن تبريره، حيث أن دعم الحل السياسي ودعم وحدة سورية لا يتم عبر خطوات غير محسوبة، ولا بالتواصل مع من قتل السوريين وهجرهم ودمّر بلدهم ليبقى في السلطة، وكلنا ثقة بأن أبناء السودان الكرام لا يقرِّون هذه الخطوة،وأن القيادة هناك ستقوم بالمراجعة والتصويب”.
يقف معه في نفس الدائرة د.نصر الحريري رئيس هيئة التفاوض السورية ، قائلا في تغريدة على حسابه الرسمي بـ”تويتر” :” لا ننسى أن السودان مشكورة تكاد تكون الدولة الوحيدة التي أبقت ,ولا تزال, حدودها مفتوحة أمام الشعب السوري المكلوم وأن الشعب السوداني كان مثالا للكرم والدعم وحسن الاستقبال ومثل هذه الزيارة لا تستقيم مع حالة التعاطف والمناصرة التي لحظها الشعب السوري خلال سني الثورة”.
في المعسكر الآخر يرى نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في برلمان النظام السوري عمار الأسد، أن هذا التطور السياسي في المشهد السوري لم يأت حرصا على سوريا وإنما لإنقاذ العمل العربي المشترك المهلهل وللتغطية على التطبيع المتسارع مع إسرائيل بحسب تعبيره، ورجح أن يعقب تلك الزيارة عودة السفراء العرب ، ما يعني تقديم أوراق الاعتماد أمام الرئيس السوري وكسر محاولة عزل استمرت نحو سبع سنوات بلا طائل، وهو ما يعني وجود تفاهمات عربية خاصة مع السعودية لفك هذه العقدة بحسب تأكيده.
في هذا السياق لم يستبعد سفير دمشق لدى الخرطوم، حبيب عباس، أن يزور رؤساء عرب آخرون سوريا في المستقبل، مؤكدا أن أهم رسالة لدى “البشير ” هي البحث في إعادة المقاربة للعلاقات العربية –العربية”، فيما ذهبت الخارجية الروسية إلى ما هو أبعد قائلة :” نأمل أن تسهم زيارة رئيس السودان إلى دمشق في عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعدما علقت الأخيرة عضوية سوريا فيها في أواخر عام 2011 في أعقاب أشهر من حملة قمع واسعة طالت مظاهرات الاحتجاج الواسعة المضادة للنظام في سوريا.
ويصنف البعض الزيارة كذلك على أنها انتصار رمزي للبشير، قد يبدو أنه هو الوحيد الذي حصل عليه من الزيارة حيث أجرى زيارة جديدة دون توقيف ، رغم أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرة اعتقال بحقه متهمة إياه بارتكاب جرائم حرب وعمليات إبادة وجرائم ضد الإنسانية، ولكنه سافر إلى عدد من البلدان الإفريقية والعربية من بينها الأردن، التي حضر فيها العام الماضي مؤتمر القمة العربي السنوي، ولم يعتقل في أي منها.
رسميا ، كان الرئيس السوداني، عمر البشير، أسبق إلى كشف أوراق اللعبة علنا بكل وضوح ، حيث أكد أن بلاده ستستمر في بذل الجهود حتى “تستعيد سوريا عافيتها وتعود إلى حضن الأمة العربية” بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء السودانية، زاعما أن “سوريا دولة مواجهة وأن إضعافها إضعاف للقضايا العربية”، لكنه وضع ملامح للمستقبل القريب في تصريحاته حيث أكد حرص السودان على استقرار سوريا وأمنها ووحدة أراضيها بقيادتها الشرعية والحوار السلمي بين كافة مكونات شعبها والحكومة الشرعية، وهو ما اعتبره البعض باعتبار الجامعة العربية بشار الأسد رئيسا مقابل إجراء حوار سلمي بين كافة مكونات الشعب وفق التصور العربي الرسمي.
وفي هذا الإطار تذهب توقعات إلى أن “البشير” حمل على عاتقه قيادة مبادرة عربية متفق عليها، لإنجاز تسوية في سوريا، تضمن بقاء الأسد، وبالتالي تردم الشقة بين الموقفين العربي والروسي، بضمانة استمرار الأسد وإعطاء فرصة التمثيل لبقية الفصائل.
اضف تعليقا