العدسة – معتز أشرف:                                                                                      

حملات إعلامية مضللة عن ضرورة رفع الدعم وفوائده، علاوات لا تُسمن ولا تغني من جوع للموظفين، استمرار الحكومة لتسيير الأعمال ثم الإطاحة بها مع أي بادرة غضب، ثلاثة إجراءات استباقية رصدها “العدسة” قبيل رفع الدعم المتوقع قريبًا عن البنزين في مصر.

الإجراءات الثلاثة شكلت ما يشبه الخطة لمواجهة ما يتبع القرار من ارتفاع في الأسعار وأزمات متوقعة بحسب مراقبين في ظل إجراء بروفة بزيادة أسعار المياه، نرصد ما يجري وما هو متوقع.

زيادة وهمية!

وسائل الإعلام كانت المدفعية في خطة الجنرال عبد الفتاح السيسي في بداية ولايته الثانية لرفع ما تبقى من دعم عن المحروقات، وتداولت بشكل لافت طلب الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب الحكومة  بزيادة المرتبات والمعاشات بما يخدم على السيناريو المتوقع بإلغاء الدعم، حيث وافقت على تخصيص مبلغ 4 مليارات جنيه، إضافية لصالح زيادة مرتبات العاملين بالدولة 40 جنيهًا لإضافتها على العلاوة الاستثنائية التي سيتم منحها للموظفين للعام المالي 2018/2019.

المسرحية كانت فجّة، حيث طالب الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب، في كلمة له بالجلسة العامة أثناء مناقشة تقرير الموازنة العامة الجديدة، وزير المالية برفع قيمة المرتبات للفئات المختلفة بقوله: “المجلس يجب أن يقف بجوار المواطن قدر الإمكان لذا اطالب بزيادة المرتبات والمعاشات، واقترح أن تكون 40 جنيهًا لكل فئة من الفئات”، ليرد وزير المالية: لكل 10 جنيهات تتكلف الدولة مليار جنيه، أي أن الزيادة ستكون  3.5 لـ4 مليارات جنيه.. لكن لن أستطيع رد طلب من البرلمان، ومسألة العجز بالموازنة يمكننا عمل اعتماد إضافي أو ننقل من  أبواب الموازنة خلال العام وأطلب وعدا منكم منحى الحق فى التعامل فى الاعتمادات الداخلية”، وهو ما رد عليه رئيس المجلس بأن لحنة الخطة والموازنة بالبرلمان موافقة.

25 جنيها فقط ( أقل من 2 دولار) كانت المنحة الثانية من الحكومة حيث أعلنت الدكتورة غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعى، عن موافقة الحكومة على رفع الحد الأدنى للزيادة السنوية للمعاشات التي ستطبق فى أول يوليو 2018، إلى 150 بدلا من 125 جنيهًا.

الدكتور علي عبد العال، أكمل دوره في المسرحية بحسب مراقبين، مؤكدا في ختام الجلسة أن الحكومة الحالية ليست هي من أغرقت الدولة في الديون إنما الحكومات السابقة، ولذلك قمنا بثورتين!! رغم أن المجلس العسكري قاد حكومات بعد الثورة حتي انتخاب د.محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في 2012.

حملات رسمية

وبحسب تقارير إعلامية فقد وزّعت الدائرة الاستخباراتية-الرقابية الخاصة بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، على جميع الصحف الحكومية والخاصة الموالية لها، بيانات وتقارير موسعة تتضمّن إحصائيات بما تتحمله الدولة من أعباء مالية نتيجة استيراد منتجات النفط، مع تعليمات بنشرها في جميع المطبوعات وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة لتهيئة الرأي العام لقرار وشيك بزيادة أسعار المحروقات، ثمّ زيادة أسعار الكهرباء والغاز.

الحملة تحاول التصدي المسبق لمحاولات التشكيك في الأرقام الحكومية التي تزعم أن الدولة تتحمّلها نتيجة استيراد منتجات الوقود المختلفة 104 مليارات جنيه تقريباً (نحو 6 مليارات دولار)، وأنه يجب على المواطنين المشاركة في تحمّل هذه الأعباء بتخفيض الدعم على جميع المنتجات، نزولاً عند شروط “صندوق النقد الدولي”، وتشارك فيها مواقع إلكترونية وصحف ولجان إلكترونية تابعة لجهاز الاستخبارات، في ظل وجود قلق رسمي من ردة الفعل الشعبية إزاء زيادة سعر بنزين 92 شائع الاستخدام في سيارات الطبقة المتوسطة، بنسبة تقارب 40 %، وزيادة سعر السولار بنسبة 45% تقريباً، مما سينعكس بزيادة أكيدة على أسعار السلع بمختلف أنواعها بالتزامن مع احتجاجات الأردن.

وشنت صحف اليوم السابع والمصري اليوم والشروق حملة متزامنة، تحدثوا فيها عن ذات الأرقام والمضامين، حيث زعموا أن 172 مليار جنيه تذهب للأثرياء والدولة تخسر 300 مليار من دعم البترول وأن مليارات الفقراء تذهب للأغنياء وأن هناك  13 دولاراً بين سعر البترول حالياً وقيمته بالموازنة وهو ما يكلف  الدولة 39 مليار جنيه زيادة على الدعم متجاهلين تأثير ذلك علي الأسعار وهو ما حدث في الإلغاء الجزئي في وقت سابق.

تسيير الأعمال

 

وفي خطوة متوقعة قدمت الحكومة المصرية برئاسة المهندس شريف إسماعيل، استقالتها أمس، إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد أيام من أدائه اليمين الدستورية رئيسا للبلاد، وكلفها بتسيير الأعمال والاستمرار في أداء مهامها وأعمالها لحين تشكيل حكومة جديدة، رغم أن الدستور لم يلزم الرئيس بتغيير الحكومة مع بداية فترة رئاسية ثانية، غير أنه وفقا للعرف السياسي الذي تحدثت عنه صحف الموالاة، فإن الحكومة تقدم استقالتها بعد إجراء الانتخابات لتترك الحرية الكاملة للرئيس لاختيار ما يريد، غير أن المراقبين يتحدثون عن أن السيسي أراد إبقاءها لتحميلها تركة الغضب إذا حدثت عقب إلغاء الدعم، خاصة أن شريف إسماعيل أطلق برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي شمل «تعويم الجنيه» ورفع الدعم الحكومي عن بعض السلع والخدمات، وحصلت بموجبه مصر في 2016 على قرض بقيمة 12 مليار دولار على ثلاث سنوات من صندوق النقد الدولي.

بالتزامن مع هذا القرار أصدر الرئيس السيسي قرارً إضافيًا نشر في الجريدة الرسمية باستمرار المحافظين ونوابهم في مباشرة مهام وأعمال مناصبهم إلى حين صدور قرار بتعيين المحافظين الجدد ونوابهم، ووفقا للمادة (25) من قانون الإدارة المحلية، كان من المقرر أن تنتهي ولاية المحافظين قانونيا، وهو ما ربطه البعض بحرص النظام علي إبقاء الأوضاع على ما هي عليه وإعطاء فرصة للمحافظين لمواجهة أي احتمالات في ضوء خبراتهم السابقة.

وجاء ذلك كله مع توجيه السيسي الشكر للشعب المصري بجميع أطيافه لتحملهم إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي وصفها بالصعبة، مشيرا في حفل إفطار الأسرة المصرية إلى أن هذا الشكر مستحق لكل المصريين.

ولمح السيسي في خطاب تنصيبه رئيسًا إلى المضي في برنامج الإصلاح الاقتصادي وما يتطلبه من ترشيد للدعم، قائلا : “أنا على العهد معكم باقٍ لم ولن أدخر جهداً أو أؤجل عملاً أو أسوّف أمراً ولن أخشى مواجهة أو اقتحاماً لمشكلة أو تحد”.

بروفتان وتهديد !

بروفة الخطة أجرت عملتين لجس النبض، إحدهما مع إعلان الحكومة المصرية رفع أسعار مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي اعتبارًا السبت الماضي بنسب تصل إلى 46.5 %، في زيادة ثانية بعدما رفعت مصر أسعار مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي حوالي 50 % في أغسطس 2017 .

وتأتي الزيادات في أسعار المياه عقب رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق بنسب كبيرة الشهر الماضي، ما أحدث موجة استنكار واسعة بين المواطنين ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي. كما حركت موجة غضب شعبي واحتجاج في محطات المترو تسببت بتوقيف عدد من المواطنين أطلقوا في وقت لاحق.

الرسالة المضادة لأي تحرك معارض ظهرت بوضوح بتهديد عنيف طال المشاركين في إفطار الحركة المدنية الديمقراطية الثلاثاء بالنادي السويسري بالجائزة؛ حيث اعتدى خارجون عن القانون -“بلطجية” باللغة المصرية-  على أعضاء “الحركة المدنية الديمقراطية” المعارضة، في إجراءات شبيهة بما كان يقوم به نظام مبارك قبل ثورة 25 يناير 2011 ضد المعارضين.

الاعتداء أسفر عن إصابة عدد من أعضاء الحركة، منهم المتحدث السابق باسم جبهة الإنقاذ خالد داود الذي أصيب بكدمة في ذراعه، كما أصيب بجروح كل من الناشط السياسي المعارض فريد زهران، والسفير السابق معصوم مرزوق، والناشط محمود السقا.

المعتدون أوصلوا رسالة واضحة بالتهديد، ووصفوا أعضاء الحركة بالخونة والجواسيس المتآمرين بالتزامن مع ترديد عبارات من قبيل “خونة” و”جواسيس” و”تحيا مصر”، ورغم طلب منظمي الإفطار النجدة لكنها وصلت متأخرة، وهو ما اعتبره أعضاء بالحركة في تصريحات إعلامية أن الاعتداء عمدي ومدرب، خاصة أن الحركة اتخذت مواقف بارزة خلال الفترة الأخيرة، ومنها إعلان مقاطعة الانتخابات الرئاسية، ورفض توجهات النظام السياسية والاقتصادية.