العدسة – منصور عطية

واصل رئيس الهيئة العامة للرياضة في السعودية “تركي آل الشيخ” إثارته للجدل، بالقرار الذي أقر تنظيم بطولة للعبة الورق الشعبية المسماة في البلاد “البلوت”، متحديا فتاوى رسمية سابقة بتحريمها.

الرجل المقرب من ولي العهد محمد بن سلمان، استغل هذا القرب في افتعال الأزمات مع دول عربية عدة، وفي إصدار قرارات تعبر عن هيمنة كاملة على شؤون الرياضة في البلاد.

المرأة والبلوت

قبل أيام، فاجأ حساب الهيئة على تويتر، بنشر خبر مفاده أن رئيس مجلس الإدارة وافق على إطلاق بطولة المملكة للبلوت، وأن يكون للبطولة كأس تحمل اسمها، وتقام خلال الفترة ما بين 4 و8 أبريل القادم، تحت إشراف الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية والذهنية.

وجاء في بيان الخبر أيضا، أن للبطولة جوائز مالية قدرها مليون ريال سعودي، توزع على النحو التالي: نصف مليون ريال لصاحب المركز الأول، و250 ألف ريال للثاني، و150 ألف ريال للثالث، و100 ألف ريال للرابع.

وعين “آل الشيخ” لاعب كرة القدم السابق “شويش الثنيان” مديرا للبطولة، وسوف تستقبل الهيئة التسجيل من قبل اللاعبين الراغبين بالمشاركة، مطلع الأسبوع القادم، عن طريق الموقع الذي سيتم تدشينه لذلك.

وفجّر الخبر موجة غير مسبوقة من السخرية والانتقادات اللاذعة في مواقع التواصل الاجتماعي عبر وسم (#بطولة_المملكة_للبلوت)، ورغم أن لعبة البلوت تحظى بشعبية واسعة جدا في منطقة الخليج العربي، وتتربع على عرش التسليات في المجالس اليومية للشباب هناك، إلا أن الأمر وفق المشاركين لا يستحق أن تقام له بطولة بجوائز مالية ضخمة.

وتحدى “آل الشيخ” بقراره فتوى رسمية باسم اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة، تحرم اللعبة، ففي فتوى اللجنة الدائمة رقم 4338 وتاريخ 21/1/1402هـ، الجزم بتحريم لعبة البلوت، ولو كانت بدون عوض (القمار)، لأنها تشغل عن ذكر الله، وتضيع الوقت بلا فائدة، وتفضي إلى الشحناء والبغضاء، وكان رئيس اللجنة في ذلك الوقت هو الشيخ عبد العزيز بن باز.

قبلها بأشهر كان القرار الأكثر إثارة للجدل في بداية مسيرة “آل الشيخ” بعد تعيينه في منصبه بموجب أمر ملكي صدر في 6 سبتمبر الماضي.

الهيئة العامة للرياضة، قررت في أكتوبر الماضي، رفع الحظر عن دخول النساء إلى ملاعب كرة القدم، والسماح لهن بحضور فعاليات رياضية في ثلاثة ملاعب، بدءا من مطلع عام 2018.

فضلا عن القرارات المثيرة للجدل، بات “آل الشيخ” الرجل القوي والآمر الناهي في الرياضة السعودية، وفرض سيطرته ونفوذه على أعلى المناصب، التي كان آخرها فوزه برئاسة اللجنة الأوليمبية السعودية بالتزكية.

علاقة خاصة بابن سلمان

ولعل طبيعة العلاقة التي تربط بين “تركي آل الشيخ” وولي العهد السعودي، تنعكس على طبيعة قراراته وتصريحاته، فالرجل الذي ينحدر من نسل الإمام محمد بن عبدالوهاب، شريك آل سعود الديني في البلاد، يتمتع بعلاقات وثيقة بابن سلمان.

المغرد الشهير “مجتهد”، الذي يوصف بقربه من دوائر صنع القرار في المملكة، وصف في تغريدات سابقة “آل الشيخ” بأنه “الخوي الخاص جدا لمحمد بن سلمان، وأمين سره وصاحب حظوته”.

وأضاف: “سلك (آل الشيخ) أقصر طريق للمجد، وهو المصاهرة، فتزوج ابنة ناصر الداود وكيل إمارة الرياض سابقًا (عندما كان الملك سلمان أميرًا للرياض)، فانفتح عليه باب المال والعلاقات من خلال والد زوجته، وهنا بدأ يقترب من محمد بن سلمان، وطلب ابن سلمان من الداود رجل أمن مرافقًا، له فكانت فرصة تاريخية أن يرشح زوج ابنته، وسرعان ما ناسبت شخصيته شخصية “بن سلمان” فحوله إلى مرافق مدني”.

العسكري السابق، كان شاعرًا يكتب الأغاني للمطربين والمطربات، ورغم أنه كان مرافقًا لابن سلمان منذ أن تولى والده العرش في يناير 2015، إلا أن نجمه لم يسطع ويصبح ذكره على كل لسان، إلا في أعقاب تأليفه لأغنية “علم قطر”، التي تضمنت هجومًا لاذعًا على الدوحة في أعقاب الأزمة الخليجية.

المكافأة كانت سريعة للغاية، فبعدها بأيام صدر أمر ملكي بتعيينه رئيسًا للهيئة العامة للرياضة بمرتبة وزير، بعد الإطاحة بأحد أفراد الأسرة المالكة الأمير عبدالله بن مساعد بن عبدالعزيز.

قطر وسيلة للتقرب

لكن الواقع أن “آل الشيخ” استبق تلك الأغنية بخطوة أخرى زادته قربًا من صانع القرار السعودي، فقاد تحريض أفراد أسرته المنتسبين للإمام محمد بن عبدالوهاب، بإصدار البيان الشهير الذي نفى نسب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لأسرة “آل الشيخ”.

ويبدو أن الرجل اتخذ أزمة حصار قطر كوسيلة للتقرب أكثر من “بن سلمان”، فكان تصريحه الشهير في ديسمبر الماضي، بالسخرية من قطر، ومقارنتها بسكان أحد الأحياء بالعاصمة الرياض، فقال إنه كلف رئيس فرع ناد خاص للياقة البدنية في حي السويدي بمدينة الرياض، بالتواصل مع قطر فيما يخص الرياضة، قاصدا التصغير من مكانة الدوحة.

ليس هذا فحسب، بل عمد بعدها إلى تقديم اعتذار ليس لقطر، بل لسكان حي السويدي، قائلًا: “أقدم اعتذاري الشديد لأهلي في حي السويدي العريق لمقارنتهم بقطر؛ فهم بلا شك منزلتهم أهم وأعلى من ذلك، وعلى فكرة بيت جدي وخوالي في السويدي”.

وعندما تحدث على هامش فوزه برئاسة الاتحاد العربي لكرة القدم بالتزكية، قال إنه كان يتمنى أن ينصب رئيسا بالانتخاب لمعرفة أين سيذهب الصوت القطري.

كما هاجم الدوحة خلال استضافة السعودية، أواخر ديسمبر الماضي، بطولة العالم للشطرنج، بعدما أعلنت تعذُّر مشاركتها في البطولة بسبب شرط الرياض عدم رفع العلم القطري على هامش المنافسات.

أزماته مع الدول العربية

لم تكن قطر هي الوحيدة التي دأب “آل الشيخ” على افتعال الأزمات معها، بل حضرت الكويت في قلب تصريحاته المسيئة، بموقفين أثار أحدهما أزمة دبلوماسية كانت عرضة للتطور بين البلدين الخليجيين.

ففي يناير الماضي، وصف في تغريدة على تويتر وزير التجارة والصناعة والدولة للشباب الكويتي، خالد الروضان بـ”المرتزق”، بعد أن عبر الوزير الكويتي عن تقديره لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لما قدمه من أجل رفع الإيقاف عن الرياضة الكويتية، خلال زيارة رسمية قاد فيها وفدا كويتيًّا إلى الدوحة.

كما افتعل أزمة مع عضو اللجنة الأوليمبية الدولية الكويتي، الشيخ أحمد الفهد الصباح، أحد أبرز داعمي ملف تنظيم قطر لكأس العالم 2022، وأطلق ضده حملة إعلامية ووُسُومًا على مواقع التواصل الاجتماعي، ناعتًا إياه بوصف “أقذام آسيا”، ووصفه الإعلام السعودي الرياضي بعد ذلك بـ “إسكوبار” الكويت، بزعم تحريضه على ظلم الأندية الرياضية السعودية من خلال نفوذه الكبير في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم والفيفا.

ولم تسلم المغرب من “آل الشيخ”، الذي ألمح إليها بوصفها “قبلة للباحثين عن السياحة الجنسية”، حيث وجه حديثا للاعب السعودي الشهير “فهد المولد”، قائلا: “أرسلناك مانشستر يونايتد تدربت، طيب الترانزيت عن طريق مراكش ليش”، وذلك في إشارة منه إلى حرص اللاعب على زيارة مدينة مراكش المغربية بغرض السياحة الجنسية.