يبدو أن النزاع بين المغرب وجبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو)، مرشح لهدوء نسبي، عقب عقود من النزاع القانوني والمسلح على الصحراء الغربية المستعمرة الإسبانية القديمة.
تقارير إعلامية كشفت في سبتمبر الماضي أن تطورًا هامًا ومفاجئًا قد يطرأ على ملف النزاع الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، وذلك بعد خطوة اتخذتها “البوليساريو” عقب اجتماعها بالمبعوث الأممي الجديد للصحراء.
التقارير أفادت بأن قيادة البوليساريو تخلت عن شرط استفتاء تقرير المصير، شريطة تحديد جدول زمني مفصل للمفاوضات المباشرة مع الجانب المغربي، وإنشاء آلية لإجراء محادثات وجهًا لوجه.
مصادر أوضحت أن “البوليساريو” ارتأت التخلي عن مطلب الاستفتاء بعدما تأكدت أن الدول الكبرى لا تحبذ الفكرة بدليل رفضه في كل من إقليمي “كتالونيا” الإسباني و”كردستان العراق”.
فما هي جبهة البوليساريو، وما أصل وحكاية النزاع، ولماذا تتمسك المغرب بحقها في تبعية هذا الإقليم؟.
أصل الحكاية
كلمة “بوليساريو” هي اختصار لاسم الجبهة باللغة الإسبانية المكون من الحروف الأولى لاسم “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”.
استوطنت قبائل صنهاجة الأمازيغية الصحراء الممتدة بين جنوب المغرب وأقصى الجنوب الموريتاني في الفترات السابقة على دخول الإسلام المنطقة في النصف الأول من القرن الثامن الميلادي (الثاني الهجري).
أسست هذه القبائل في منتصف القرن الـ11 الميلادي (الخامس الهجري) دولة المرابطين التي بسطت سيطرتها على جميع المنطقة وانطلقت منها إلى حكم المغرب والأندلس.
وشهدت المنطقة بدءًا من القرن الثالث عشر الميلادي (القرن السابع الهجري) استقطابًا كبيرًا للقبائل العربية (بنو هلال وبنو معقل) التي استوطنت سابقا منطقة الشمال الأفريقي قادمة من شبه الجزيرة العربية.
والبوليساريو هي حركة تسعى إلى الانفصال عن المغرب وتأسيس الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية، تأسست الجبهة يوم 10 مايو 1973 عقب إعلان إسبانيا نيتها في إنهاء الاستعمار في المغرب.
نالت الحركة اعترافًا دوليًا كبيرًا عقب تأسيسها، في مطلع السبعينيات، من دول عديدة أبرزها الجزائر في مارس 1976 وانتهاء بدول جنوب السودان التي اعترفت رسمياً بالجبهة وبالجمهورية العربية الصحراوية في يوليو 2011، كما أن الحركة هي الممثل الشرعي الوحيد في الأمم المتحدة عن الصحراء الغربية منذ عام 1979.
يقود الجبهة “محمد عبدالعزيز” الذي تدرج فى سلم جبهة البوليساريو منذ تأسيسها ليصبح الأمين العام لها في أغسطس 1976 ليتم إعادة انتخابه منذ أكتوبر 1976 وحتى الآن رئيسًا للجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية.
ومنذ عام 1973، شنت جبهة البوليساريو المدعومة من قبل الجزائر حرب عصابات صحراوية كان الهدف منها مقاومة السيطرة الإسبانية على الصحراء، وفي أكتوبر من عام 1975، شرعت إسبانيا في إجراء مفاوضات مع قادة حركة التمرد للنزول عن السلطة.
بداية النزاع مع المغرب
أزمة المنطقة بدأت قبل انسحاب الاحتلال الإسباني من المنطقة في أكتوبر1975 حيث طالبت المغرب باسترجاع الصحراء الغربية قبل انسحاب الاحتلال منها، معتبرة أن الصحراء الغربية جزء من أراضيها.
طلبت المغرب إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية للبت فيه، وقد أقرت محكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر 1975بوجود روابط تاريخية وقانونية تشهد بولاء عدد من القبائل الصحراوية لحاكم المغرب، وكذلك بعض الروابط التي تتضمن بعض الحقوق المتعلقة بالأرض الواقعة بين موريتانيا والقبائل الصحراوية الأخرى.
إلا أن المحكمة أقرت كذلك أنه لا توجد أي روابط تدل على السيادة الإقليمية بين الإقليم وبين المغرب أو موريتانيا وقت الاحتلال الإسباني، وأن الروابط المذكورة سلفًا لا تكفي بأي حال من الأحوال بمطالبة أي من الدولتين بضم الصحراء الغربية إلى أراضيها.
فقضت المحكمة الدولية بأن السكان الأصليين أهل الصحراء هم مالكو الأرض، وبالتالي فإنهم يتمتعون بحق تقرير المصير، غير أنه بعد ساعات من صدور حكم المحكمة أعلن ملك المغرب حينها الحسن الثاني عن تنظيم “مسيرة خضراء” لإعادة الصحراء الغربية إلى الوطن الأم.
بعدها بأيام بدأت اتصالات دبلوماسية مكثفة بين المغرب وإسبانيا للوصول إلى حل، لينتهي الأمر في يوم 14 نوفمبر 1975 بتوقيعهما وموريتانيا اتفاقية في مدريد استعاد المغرب بمقتضاها أقاليمه الجنوبية والتي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي أغسطس 1979، تخلت موريتانيا عن جميع مطالبها بشأن نصيبها من الصحراء الغربية وتنازلت عن هذه المنطقة إلى البوليساريو، ولكن المغرب سيطرت عليها.
البوليساريو تتحدى بالسلاح
بطبيعة الحال رفضت جبهة البوليساريو الاتفاقية، وطالبت باحترام قرار محكمة العدل الدولية بشأن حق تقرير المصير وإجراء استفتاء شعبي.
ومنذ هذا التاريخ شهدت المنطقة نزاعات مسلحة بين الطرفين، حتى عام 1991، حيث أشرفت بعثة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة على إلزام الطرفين بوقف إطلاق النار، وكانت السنوات التالية شاهدة على أحداث دامية بين شباب جبهة البوليساريو والحكومة المغربية متمثلة في أحداث العيون عام 1999 وأحداث السمارة 2005 وأحداث كديم ازيك عام 2010.
وفي أبريل 2007 قدمت المغرب للأمم المتحدة اقتراحًا بشـأن نظـام للحكـم الذاتـي للجبهـة، وظلت المشاورات قائمة منذ هذا التاريخ دون حسم بين زيارات لمبعوثين من الأمم المتحدة واجتماعات لمجلس الأمن.
وفي نوفمبر 2014 شدد الملك محمد السادس، في الذكرى الـ 39 لإحياء انطلاق المسيرة الخضراء، على أحقية المغرب التاريخية فى الصحراء الغربية.
جبهة البوليساريو ردت هي الأخرى باستعدادها للعودة إلى الكفاح المسلح، التهديد الذي تكرر في أبريل 2016 على لسان الأمين العام للجبهة “محمد عبد العزيز” باحتمال استئناف القتال مع المغرب إذا لم تنجز بعثة الأمم المتحدة في هذه المنطقة مهمتها بالكامل.
اضف تعليقا