العدسة – ياسين وجدي:

باتت الضغوط على ولي العهد السعودي المتهم بالقتل الأمير محمد بن سلمان كثيرة ومن كل حدب وصوب ، واستقرت أخيرا في محطة بارزة دوليا وهي محطة التحقيق الدولي.

مثل هذه الضغوط ، تبرز فرضية جديدة مرتبطة بمرض بن سلمان بالصراع ، حيث يؤدي هذا المرض إلى الانتحار بنسبة كبيرة في مرحلة من مراحل العمر ، وفق تقارير طبية أمريكية، تعزز هذه الفرضية سوابق شخصيات بارزة انتحرت عقب هزيمتها السياسية أو العسكرية، منهم القيادي الألماني أدولف هتلر.

“العدسة” يسلط الضوء على أجواء الاقتراب من التحقيق الدولي وتأثيرات ذلك على مصير الأمير القاتل، بالتزامن مع سياقات أخرى داخلية وخارجية تجعل صعود بن سلمان للعرش أمرا ليس بالسهل ، وتترك مصيره إلى نهايات درامية.

مطالب واسعة !

التحقيق الدولي في مقتل الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي ، بات مطلبا عالميا ، يحتمل تفعيله بصورة كبيرة في الفترة المقبلة عبر مسارين وفق مراقبين ومسئولين .

ستيفان دوجريك المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة في الساعات الأخيرة علق إجراء تحقيق دولي في القضية على تفويض من قبل مجلس الأمن الدولي أو من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية في جنيف، كما أضاف أنه في قضية التحقيق الدولي في اغتيال بينزير بوتو رئيسة وزراء باكستان السابقة كان هناك طلب من دولة عضو، ومثل هذا الطلب لم نتلقه في موضوع خاشقجي.

هذا التصريح الأهم يفتح بحسب مراقبين مسارين لتفعيل التحقيق الدولي ، الأول عبر الهيئات الأممية ، وقد سبق خبراء الأمم المتحدة في المفوضية السامية لحقوق الإنسان في 9 أكتوبر الماضي في الدعوة إلي تحقيق دولي مستقل وعاجل في هذه القضية ، مؤكدين أهمية تحديد الجناة والمخططين وتقديمهم إلى العدالة.

ودعت منظمة “هيومن رايتس ووتش” هيئات الأمم المتحدة إلى فتح تحقيق مستقل لتحديد ظروف مقتل “خاشقجي”، مؤكدة أهمية رفض دول العالم لتبرئة السعودية من الجريمة، وسجلت مديرة مكتب المنظمة  في العاصمة الأمريكية واشنطن، سارة مورجان، في الساعات الأخيرة تأكيدا إضافيا في الدعوة إلى إجراء التحقيق الدولي ، مقترحة أن يقود التحقيق الأمين العام للأمم المتحدة على غرار ما حدث في بينظير بوتو .

المسار الثاني لتفعيل الدعوات اقترحته منظمة العفو الدولية، حيث طالبت بإجراء تحقيق أممي مستقل، في القضية لـ”ضمان الكشف عن حقيقة ما جرى وتحقيق العدالة” ، ودعت تركيا بصفتها عضو في الجمعية العمومية للأمم المتحدة بطلب تحقيق فوري من المنظمة الدولية مرحبة بمطالبتها إجراء التحقيق الدولي.

تركيا بادرت من جانبها في ظل المرواغات السعودية في الدعوة للتحقيق الدولي ، مؤكدة على لسان وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أن إجراء “تحقيق دولي” “بات شرطا” في هذه المرحلة، وهو ما يرجح احتمالية تصعيد الملف برمته دوليا في الفترة المقبلة.

يأتي هذا في ظل ضربة قاسية بحسب البعض تعزز من مطالب التدويل ، وجهتها وكالة الاستخبارات الأمريكية “سي آي إيه” لولي العهد السعودي ، فوفق وسائل إعلام أمريكية فإن الأمير محمد بن سلمان هو من أمر بقتل الصحفي، جمال خاشقجي في ظل تسريبات غير رسمية تركية أن الأمر بالقتل جاء من قيادات عليا في السعودية، تميل في التحليلات إلى تورط “بن سلمان” في مقابل رفض سعودي للتدويل يثير شكوكا واسعة ضد ولي العهد السعودي .

تأثيرات قوية محتملة !

في هذا السياق الملتهب ، والذي يفرض حصارا دوليا يتصاعد حول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، باتت السيناريوهات التي تطيح بسلمان الابن وتلاحقه بقوة ذات فرص أقوى.

 

 

الإطاحة بالأمير الشاب ، لازالت لها فرصة كبيرة في المشهد ، مع وصول الأمير أحمد بن عبد العزيز شقيق العاهل السعودي للمملكة ، وهو ما تتوقعه منصات غربية كثيرة مؤكدة أن قضية جمال خاشقجي وضعت “سمعة محمد بن سلمان ومستقبله السياسي على المحك”، ووصل الأمر إلى أن الكثير من المراقبين باتوا يعتقدون بأن نهاية المملكة والأسرة الحاكمة أضحت قريبة على يد هذا الشاب.

ويتوقع الكاتب البريطاني المعروف، ديفيد هيرست عدم صعود الشاب للعرش من الأساس قائلا في مقال حديث :” لم يعد أمام ترامب بعد الكشف عن محتويات التسجيلات الصوتية والمرئية لقتل خاشقجي سوى إجراء واحد ووحيد ، وهو عدم السماح لابن سلمان بأن يصعد إلى العرش”.

الكاتب عبد الباري عطوان رجح أننا أمام سيناريو مشابه لتحقيق دولي ومحكمة خاصّة على طَريقة ” لوكربي ” ولكن بتعديلات كبيرة، وأبرزها الذهاب إلى المتهم الرئيسي، وليس كبش الفِداء فقط، قائلا :” الزَّمن تغيّر، والظُّروف تغيّرت، والمحكمة الجنائيّة الدوليّة قد تكون الفَصل الأخير لهذا المسلسل، فالسعوديّون نَجَحوا في تنفيذ العمليّة، وهو الجانب الأسهل، وفَشلوا في التَّستُّر وإخفاء الأدلّة، وهو الجانب الأكثَر تعقيدًا، وإن الدولة السعوديّة الرابعة ربما تُؤدي جريمة خاشقجي إلى وأدِها وهِي مجرد نُطفَة”.

وفي حال الإفلات من الإطاحة ، يبقى الحصار والعقوبات الدولية عقبة قوية في صعود بن سلمان لكرسي العرش أو الاستمرار فيه.

وهو ما لفت له الانتباه سايمون هندرسون الخبير الأبرز في معهد واشنطن للدراسات في الشرق الأوسط الذي يرجح في تقدير موقف بعد بيان النيابة السعودية الأخير الذي شكك فيه ، حدوث ضربة اقتصادية ، متوقعا أن يحافظ المستثمرون الأجانب على حذر كبير بشأن التزامهم في تقديم المساعدات ، في وقت لا غنى عن هؤلاء المستثمرين ومساعداتهم المالية والتكنولوجية من أجل تمويل خطط التحول الاقتصادي المزمع للأمير.

الحصار عليه وفرض قيود على تحركاته كالرئيس السوداني عمر البشير ، قد يكون خيارا محتملا، كما يمهد “قانون ماجنيتسكي” الأمريكي ، لفرض عقوبات دولية ضده وضد المملكة  خاصة في ظل صعود الديمقراطيين لمقاعد الأغلبية في الكونجرس ، ودعم السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام المقرب من الرئيس الامريكي دونالد ترامب لملاحقة بن سلمان بهذا القانون.

الانتحار أو القتل !

وفي ظل هذه الضغوط المستمرة على “بن سلمان” قد يدخل في دوامة أخرى أفدح، نتيجة لمرضه القديم الذي قد يؤدي به إلى الانتحار وفق تقارير طبية تربط بين الصرع والانتحار ، حيث كشفت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية مؤخرا أن ولي العهد السعودي كان يعاني من مرض الصرع واضطرابات نفسية أثناء سن المراهقة بعد اطلاعها على سجلاته الطبية.

وطبقا لدراسة طبية من مركز الوقاية ومكافحة الأمراض الأمريكى فإن مرضى الصرع هم الأكثر عرضة للإقدام على الانتحار مقارنة بالأصحاء، وتوصلت البيانات إلى ارتفاع معدلات الانتحار بين أولئك الذين يعانون من الصرع بنسبة بلغت 16% مقارنة بالأصحاء.

الانتحار خيار لجأ له قادة عسكريون وسياسيون بارزون في وقت سابق بعد الهزيمة ، ومنهم أدولف هتلر القائد النازي الشهير ، الذي قرر الانتحار بعد هزيمة ألمانيا ، والمشير المصري عبد الحكيم عامر بعد هزيمة يونيو 1967 .

الانتحار قد يسبقه احتمالات الاغتيال الذي باتت محاولاته لا تتوقف وفق ما هو مرصود في العام 2017 ، وفي العام 2018 وامتد الأمر إلى حديث في مايو الماضي عن وفاته فعلا قبل أن يظهر الأمير الشاب في زيارات خارجية.

الثأر موجود في أوساط العائلة ، ويزيد من أسهم بورصة استهداف الأمير المراهق ، بسبب اعتقالات ما سمي بمكافحة الفساد ، وليس جديدا على الأسرة المالكة ذلك ، فالأمير منصور بن عبد العزيز لقي حتفه عام 1951  على يدي أخويه الكبيرين فيصل وخالد في صراع على العرش وسقط  فيصل بن عبد العزيز ثالث ملوك السعودية صريعا كذلك في 25 مارس 1975 في الرياض بعد غدر من ابن أخيه الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود  في مكتبه بالديوان الملكي حيث أرداه قتيلا بعدة رصاصات.