العدسة – ياسين وجدي:
سقوط فاضح للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فنزويلا، كشف فيه مجددا عن وجه التاجر الطامع في كل شيء في نسخة حديثة للتاجر اليهودي الجشع”شيلوك” في رائعة شكسبير ” تاجر البندقية”.
“العدسة ” يتابع رحلة رعاية الانقلاب الفاشل حتى الآن والمدعوم أمريكيا ، بتحريض “مايك بنس” نائب الرئيس الأمريكي الذي يوصف في العاصمة” كراكاس” بأنه الثعبان السام، ويرصد سر الطمع المبالغ فيه في العرش الفنزويلي!
انقلاب برعاية أمريكية!
بين عشية وضحاها ، قاد رئيس البرلمان الفنزويلي، خوان جوايدو، انقلابا على سلطة الرئيس نيكولاس مادورو، مسميا نفسه “رئيسًا بالوكالة” للبلاد، مساء الأربعاء 23 يناير ، أمام حشد مؤيد في العاصمة كراكاس، وسرعان ما صكت الولايات المتحدة الأمريكية صك الاعتراف بشرعيته ، وكشفت أوراق دعمها السري مبكرا.
وفي المقابل ، أعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الخميس 24 يناير ، إن بلاده ستغلق سفارتها وجميع قنصلياتها في الولايات المتحدة، وذلك غداة قطعه العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن وإمهاله الدبلوماسيين الأمريكيين مهلة 72 ساعة لمغادرة البلاد.
وكان وزير الخارجية الفنزويلي، خورخي أرياسا، أكثر صراحة حيث اتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالوقوف وراء الانقلاب في البلاد، موضحا أن الدول التي تعترف بخوان جوايدو رئيسا للبلاد، تتبع “تعليمات سيدها” الولايات المتحدة.
مؤامرة الولايات المتحدة الأمريكية بحسب الرواية الرسمية لفنزويلا ، بدأت في الخامس من أغسطس 2018 ، حيث قال مادورو إنه نجا من محاولة اغتيال باستخدام طائرات مسيرة مفخخة، دبرها عناصر في الولايات المتحدة وآخرين، بالتزامن مع إعلان صحيفة نيويورك تايمز الأميركية وقتها أن مسؤولين في إدارة الرئيس دونالد ترامب عقدوا اجتماعات سرية العام الماضي مع ضباط متمردين من الجيش في فنزويلا، لمناقشة خطط من أجل الإطاحة بمادورو.
ووفقاً لخبير المعهد الروسي للأبحاث الاستراتيجية، إيجور بشنيشنيكوف، فإن هذا السيناريو تم وضعه مسبقا من قبل الولايات المتحدة، ولم يكن عفويًا: فقد أعلن الأمريكيون على مختلف المستويات دعمهم لزعيم المعارضة، و”ربما، يُطلب من مادورو، من أجل تجنب سفك الدماء، مغادرة البلاد. وإذا ما رفض، فإن فنزويلا مهددة بحرب أهلية وإدخال لاحق لقوات حفظ سلام”.
وكان الاتحاد الأوروبي أدرج مؤخرا أسماء 11 مسؤولا فنزويليا على القائمة السوداء فيما فرض ترامب عقوبات اقتصادية على فنزويلا بينما يوصف نائبه مايك بنس بأنه الثعبان السام في دوائر الحكم الرسمية في فنزويلا لدوره في التحريض المستمرة على الانقلاب في البلاد وزيادة الضغوط على فنزويلا.
سيناريو متكرر!
محور المواجهة للأطماع الأمريكية ، تحرك ورفض وفق أسباب متنوعة ، الانقلاب بشدة.
السيناريو متكرر ، بحسب موسكو التي رأت في تصرفات الولايات المتحدة تدخلا في شؤون الدول الأخرى، حيث أشار رئيس لجنة الشؤون الدولية، قسطنطين كوساتشيف، إلى أن الولايات المتحدة سبق أن فعلت ذلك في دول الشرق الأوسط.
الأداء الروسي تخطى التحليل إلى التحذير ، حيث حذرت وزارة الخارجية الروسية بلسان نائب الوزير، سيرغي ريابكوف، الولايات المتحدة من أي تدخل عسكري في فنزويلا، مشيرة إلى أن ذلك قد يتحول إلى سيناريو كارثي، مضيفا أن “روسيا ستواصل دعمها لفنزويلا التي تعد شريكا استراتيجيا لموسكو، وسنعمل على حماية سيادتها”.
وزارة الخارجية الإيرانية بطبيعة الحال أعلنت رفضها التدخل الأميركي غير المشروع في شؤون فنزويلا، مؤكدة أن إيران تقف مع الدولة الفنزويلية وحكومتها .
في السياق ذاته أعلن حزب الله اللبناني الموالي لإيران رفضه التدخلات الأميركية السافرة لزعزعة الاستقرار في فنزويلا مستنكرا بشدة المحاولة الانقلابية على السلطة الشرعية في البلاد والتي تقف خلفها وتدعمها الولايات المتحدة الأميركية، مؤكدا وقوفه إلى جانب الرئيس نيكولاس مادورو وحكومته المنتخبة.
المتحدث الرئاسي التركي إبراهيم قالن كشف عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” فحوى الاتصال الرئاسي الداعم لفنزويلا قائلا : “اتصل رئيسنا وعبر عن مساندة تركيا للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وقال: أخي مادورو! انهض، نحن بجانبك”.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من جانبه قال بوضوح في كلمة أمام تجمع لحزب “العدالة والتنمية” الحاكم في أنقره: “يستحيل أن توافق تركيا على ما يجري في فنزويلا، و إننا نؤيد الديمقراطية في فنزويلا ومادورو سيخرج من الأزمة الراهنة”.
في فلسطين دانت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” المحاولة الانقلابية الفاشلة على الرئيس المنتخب شرعيًا “نيكولاس مادورو” مؤكدة أن “التدخل الأمريكي السافر في الشؤون الفنزويلية، والذي يأتي ضمن سلسلة مستمرة من السياسات الأمريكية العدائية تجاه الشعوب وخياراتها، وهو ما يشكل تهديدًا للأمن والسلم الدوليين”، مشيدة بالشعب الفنزويلي الذي وصفته بأنه “العصي على المؤامرات”، وحكومة جمهورية فنزويلا البوليفارية صاحبة الدعم التاريخي غير المشروط للقضية الفلسطينية.
كما أعربت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية عن إدانتها تدخل بعض الدول بالشؤون الداخلية لجمهورية فنزويلا وبشكل مباشر من خلال دعم محاولة انقلاب ضد الرئيس المنتخب شرعيا نيكولاس مادورو، دون أن تسمي الولايات المتحدة الأمريكية.
كذلك فقد أعربت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون يينغ رفض بلادها لأي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية لفنزويلا، مؤكدة دعمها لجهود حكومة البلاد للحفاظ على الاستقرار، وسيادة البلاد واستقلالها
أطماع ترامب !
تقع جمهورية فنزويلا على الساحل الشمالي لأمريكا اللاتينية وتتميز بجمال طبيعي أخاذ ومتنوع، بدءً من قمم جبال الأنديز المغطاة بالثلوج في الغرب، مروراً بغابات الأمازون في الجنوب، وصولاً إلى شواطئ الكاريبي في الشمال. وتعد من بين أكثر دول أمريكا اللاتينية تمدناً، كما أن فنزويلا من بين الدول التي تمتلك أكبر مخزون من النفط في العالم، فضلا عن كميات كبيرة من الفحم والحديد والذهب، وهنا سر الطمع الأمريكي والموالين له.
وبحسب الإحصائيات سيظل لدى هذه الدولة أكبر احتياطيات نفط مؤكدة في العالم تفوق حتى ما لدى المملكة العربية السعودية، ولدى فنزويلا قرابة 296و5 مليار برميل من الاحتياطيات النفطية حسب أوبك في العام 2012 مقارنة باحتياطيات السعودية البالغة 264و5 مليار برميل . ومعظم نفطها “البالغ الثقل” موجود على عمق بضع مئات الأمتار فقط أسفل سطح الأرض في حزام أورينوكو.
طمع ترامب في تلك الثروات ، كان مثار اتهام مباشر من الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في منتصف العام الماضي ، حيث قال مادورو في كلمة له :” إن الاتحاد الأوروبي يسجد أمام دونالد ترامب بهدف السطو على الثروات الطبيعية لفنزويلا التي تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم على الإطلاق”
حكومة كوبا أعلنت في هذا الإطار أن الهدف الحقيقي من الخطوات الأمريكية تجاه فنزويلا هو السيطرة على ثرواتها الطبيعية، وجاء في بيان للحكومة الكوبية، أن “السيطرة على الموارد الغنية والإساءة إلى منجزات فنزويلا، التي تضرب مثالا على التحرر وحماية كرامة واستقلال أمريكا، هذه هي الأهداف الحقيقية للخطوات ضد فنزويلا”.
وبحسب مراقبين فيبدو أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يواجه النفوذ الصيني المتصاعد لا سيما على الصعيدين الاقتصادي والتكنولوجي، والنفوذ الروسي في الشرق الأوسط، يعيد ترتيب بطاقاته في القارة الجنوبية، وبالفعل فقد جاء إلى السلطة رئيس البرازيل الجديد جايير بولسونارو المنتمي لأقصى اليمين، والذي يعتبر ترامب مثله الأعلى، وما إن قدم حتّى أعلن عن نيته بنقل سفارة بلاده في إسرائيل إلى القدس، ليأتي بعدها دور زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للبرازيل في نهاية العام 2018، وكذلك فقد فاز اليميني ماريو بينيتيز برئاسة الباراغواي، وهو يتماشى مع سياسات ترامب.
ويبدو كذلك بحسب تقارير لبنانية أن ترامب قرّر توجيه ضربة لما يزعم أنّها أنشطة ماليّة وتجاريّة لـ”حزب الله” عند المثلث الحدودي، بين البرازيل والباراغواي والأرجنتين، واللافت أنّه قبل أيام قليلة، زعم النائب المعارض للرئيس الفنزويلي، أميركو دي غرازيا، في تقرير بصحيفة أميركية بالإسبانية “دياريو دي لاس أميركاس”، إشراف مجموعات من “حزب الله” على مناجم ذهب في فنزويلا لتمويل أعمالها حول العالم، بدعم ومباركة من السلطات الرسمية.
يتزامن ذلك مع بيان لافت صادر من حزب الله اللبناني أرجع التدخل الأمريكي إلى رغبة واشنطن في السيطرة على ثروات ومقدرات البلاد ومعاقبة الدول الوطنية على خياراتها السياسية المعادية للهيمنة الأمريكية في العالم، وهو ما يعزز التقارير اللبنانية.
اضف تعليقا