في تقرير لاذع نشرته وكالة “أسوشيتيدبرس”، وُصف نهج ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنه محاولة ممنهجة لتغطية القمع والاستبداد داخل المملكة عبر خلق ما يشبه “فقاعة الترفيه”. 

التقرير أشار إلى أن بن سلمان يسعى لحصر السعودية في دائرة الترفيه والإفساد، بينما يستمر في سياسة حجب الحقوق وقمع الأصوات المعارضة. ومن بين الأمثلة البارزة على هذه السياسة، دعم تنظيم مهرجان البحر الأحمر السينمائي الذي أتى كجزء من خطته لإنهاء الحظر المفروض على السينما منذ 35 عامًا.

ورغم أن هذه الجهود تأتي تحت شعار التغيير الثقافي والانفتاح، إلا أن العديد من النشطاء والحقوقيين اعتبروا هذه الاستثمارات محاولة “لتبييض” السجل الحقوقي للمملكة. 

فالسعودية، المعروفة بتشديد قبضتها الأمنية وتنفيذها أعلى معدلات الإعدام في العالم، تحاول عبر هذه المشروعات أن تخلق صورة زائفة تتجاهل الواقع القمعي على الأرض.

التقييد الثقافي الممنهج

شهدت المملكة منذ إعادة افتتاح دور السينما عام 2018 تحولًا ثقافيًا كبيرًا إذ سارعت الحكومة إلى ضخ استثمارات ضخمة في قطاع السينما المحلية، بدءًا من بناء دور العرض، مرورًا بإطلاق برامج دعم صناع الأفلام، وصولًا إلى تنظيم مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي منذ عام 2019. 

هذا المهرجان، الذي بات يجذب شخصيات فنية عالمية مثل فيولا ديفيس وبريانكا شوبرا، يُظهر حجم الأموال التي تُنفق لاستعراض صورة “حديثة” للمملكة، ومع ذلك، تبقى القيود الثقافية والسياسية حاضرة بوضوح. فالأفلام السعودية لا تزال تواجه رقابة صارمة تحول دون تناول قضايا حساسة مثل الفساد السياسي أو انتهاكات حقوق الإنسان. 

بل إن فيلمًا مثل “حياة الماعز”، الذي يناقش استغلال العمالة الهندية، لم يُسمح بعرضه داخل السعودية على منصة “نتفليكس”. هذا التناقض بين الإنفاق الضخم للترويج للسينما وبين الرقابة الصارمة على حرية التعبير يكشف ازدواجية النهج الحكومي.

واجهة براقة تخفي القمع

تندرج هذه الجهود الترفيهية ضمن رؤية 2030 التي أطلقها محمد بن سلمان كخطة لتحويل اقتصاد المملكة بعيدًا عن النفط. ووفقًا للتقارير، تهدف السعودية إلى بناء 350 دار سينما بأكثر من 2500 شاشة عرض، مع خطط لإنتاج أفلام محلية تعكس التطور المجتمعي والثقافي.

لكن هذه الرؤية الطموحة، التي تستعرضها الحكومة بفخر، تُستخدم أيضًا كأداة لتلميع صورة النظام دوليًا، في ظل الانتقادات المتزايدة لسجل المملكة الحقوقي الناشطة السعودية لينا الهذلول علّقت على هذا السياق بقولها إن ولي العهد “خلق فقاعة يرى الناس من خلالها الترفيه فقط، بينما يُحجب الواقع الحقيقي”. 

وأضافت أن هذه الجهود، رغم ضخامتها، تظل قشرة سطحية تخفي تحتها نظامًا قمعيًا يُخضع حرية التعبير والمجتمع المدني لإجراءات تعسفية.

الخلاصة أن مشهد السينما السعودي، رغم بريقه الظاهري، يعكس تناقضًا كبيرًا بين طموحات الترفيه والواقع القمعي. فبينما تتباهى الحكومة بإنجازاتها الثقافية، يظل المواطن السعودي محاصرًا بقبضة أمنية لا تتوانى عن سحق أي صوت يطالب بالإصلاح الحقيقي.

اقرأ أيضًا : أكثر من 86 رحلة جوية محملة بالأسلحة.. كيف يؤجج محمد بن زايد الصراع في السودان؟